اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، الثلاثاء، “إسرائيل” بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين، مشيرةً إلى ارتكاب السلطات الإسرائيلية “الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد في الأراضي الفلسطينية”.
التقرير الصادر في 187 صفحة، بعنوان “تجاوَزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد“، أرجع تلك الانتهاكات إلى “سياسة الحكومة الإسرائيلية الشاملة للإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين، والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية”، فيما أشارت المنظمة أنها وجدت أن عناصر الجريمتين تجتمع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كجزء من سياسة حكومية إسرائيلية واحدة.
وتعرض المنظمة في تقريرها تفاصيل الواقع الحاليّ وتأثيره على تعزيز الجرائم والانتهاكات المرتكبة، إذ توجد سلطة واحدة – الحكومة الإسرائيلية – هي الجهة الرئيسية التي تحكم المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، لكن هناك تفرقة عنصرية واضحة في التعامل مع الفلسطينيين مقارنة باليهود المقيمين في نفس المنطقة، إذ تمنح الأخير امتيازات عدة في مقابل سياسات القمع الممارسة ضد أصحاب الأرض.
وكانت تحذيرات عدة قد أطلقتها بعض الشخصيات بشأن تداعيات السياسة الإسرائيلية المتبعة بحق الفلسطينيين، منها ما ذكره المدير التنفيذي في هيومن رايتس ووتش كينيث روث الذي قال:”حذّرتْ أصوات بارزة طوال سنوات من أن الفصل العنصري سيكون وشيكًا إذا لم يتغير مسار الحكم الإسرائيلي للفلسطينيين، تُظهر هذه الدراسة التفصيلية أن السلطات الإسرائيلية أحدثت هذا الواقع وترتكب اليوم الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد”.
إبقاء الهيمنة.. نية مبيتة
“ضمان الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين في كل مناطق إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة”.. هذا هو الهدف المعلن للحكومة الإسرائيلية وفق ما توصل التقرير المنشور، انطلاقًا من حزمة التشريعات والقوانين الصادرة عن تل أبيب التي تهدف لتحقيق هذه الغاية.
في 2018 أقر الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي قانونًا دستوريًا يؤكد أن “إسرائيل” “دولة قومية للشعب اليهودي”، معلنًا أن حق تقرير المصير داخل تلك المناطق “خاص بالشعب اليهودي”، معتبرًا أن الاستيطان اليهودي قيمة وطنية من أجل الحفاظ على سيطرة اليهود الإسرائيليين.
السنوات الأخيرة شهدت تفوقًا ديموغرافيًا عربيًا على حساب اليهود، وهو ما أقلق حكومة تل أبيب بصورة دفعتها لاعتماد سياسات متوازية تهدف للتقليل من هذا التفوق الذي اعتبرته تهديدًا، كان من أبرزها: الحد من السكان الفلسطينيين ومن سلطتهم السياسية ومنح حق التصويت فقط للفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدود “إسرائيل” كما كانت من 1948 إلى يونيو/حزيران 1967 والحد من قدرة الفلسطينيين على التنقل من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى “إسرائيل” ومن أي مكان آخر في العالم إلى “إسرائيل” أو الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومن صور الإبقاء على هيمنة الدولة فصل الفلسطينيين بين الضفة الغربية وغزة، تلك السياسة التي أعاقت تنقل البضائع والمواطنين داخل الأراضي المحتلة، بجانب البدء في سياسة تهويد عشرات المناطق التي يقطنها أغلبية فلسطينية بما في ذلك القدس والجليل.
يذكر أن السلطات العبرية صادرت أكثر من مليونَي دونم من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، ما يشكل أكثر من ثلث الضفة، منها عشرات آلاف الدونمات التي تقر بأنها ملكية خاصة تعود إلى فلسطينيين، في إطار سياسة تسعى من خلالها تل أبيب إلى هندسة وتوسيع عدد اليهود والأراضي المتاحة لهم في “إسرائيل” وأجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تطمع فيها الحكومة الإسرائيلية للاستيطان اليهودي، بحسب المنظمة الدولية.
الإحصاءات تشير إلى وجود 661 ألف مستوطن إسرائيلي و132 مستوطنةً كبيرةً و124 بؤرةً استيطانيةً عشوائيةً غير مرخصة، بالضفة الغربية، بما فيها القدس، حتى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بحسب حركة “السلام الآن” الحقوقية الإسرائيلية.
انتهاكات عنصرية متواصلة
استعرض التقرير بعض صور التمييز العنصري الذي مارسته الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، استنادًا إلى سنوات من التوثيق الحقوقي ودراسة الحالات ومراجعة الوثائق الرسمية، إذ قارنت المنظمة الظروف التي يعيشها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة مقارنة باليهود في نفس المناطق.
كذلك فرض حكم عسكري شديد الوحشية على الفلسطينيين (تُخضع “إسرائيل” الفلسطينيين إلى قانون عسكري قاسٍ وتُطبق عليهم الفصل وتحظر دخولهم إلى المستوطنات إلى حد كبير)، في مقابل منح اليهود كامل حقوقهم بموجب القانون المدني، وهو ما يشدد الحصار على الفلسطييين ويدفع كثيرًا منهم للهجرة وترك أرضه وبيته.
كما ارتكبت السلطات الإسرائيلية عدة انتهاكات بحق الفلسطينيين، تمثل خرقًا واضحًا لمواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي، منها: القيود المشددة على التنقل المتمثلة في إغلاق غزة ونظام التصاريح ومصادرة أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية والظروف القاسية في أجزاء من الضفة الغربية التي أدت إلى الترحيل القسري لآلاف الفلسطينيين من ديارهم وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حق الإقامة وتعليق الحقوق المدنية الأساسية لملايين الفلسطينيين.
هذا بخلاف بعض الممارسات الأخرى مثل قيام “إسرائيل” فعليًا بتجميد سجل السكان الذي تديره في الأراضي المحتلة، وتستخدم الأمن ذريعةً لتحقيق مآرب ديموغرافية أخرى، وتمنع لم شمل العائلات الفلسطينية التي تعيش هناك بشكل شبه تام وتمنع سكان غزة من العيش في الضفة الغربية.
وعن هذه النقطة يعلق روث قائلًا: “حرمان ملايين الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، دون مبرر أمني مشروع فقط لكونهم فلسطينيين وليسوا يهودًا، ليس مجرد مسألة احتلال تعسفي، هذه السياسات التي تمنح اليهود الإسرائيليين نفس الحقوق والامتيازات أينما كانوا يعيشون، وتُميّز ضد الفلسطينيين بدرجات متفاوتة أينما كانوا يعيشون، تعكس سياسة تمنح امتيازًا لشعب على حساب الآخر”.
التقرير استعرض عددًا من الجرائم اللاإنسانية التي تركتبها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين منها “فرض قيود شاملة على حركة 4.7 مليون فلسطيني هناك ومصادرة الكثير من أراضيهم وفرض ظروف قاسية مثل الرفض القاطع لتصاريح البناء في أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، ما جعل آلاف الفلسطينيين يغادرون منازلهم في أوضاع ترقى إلى النقل القسري”.
بجانب حرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حقوق الإقامة بسبب وجودهم في الخارج سنة 1967 أو غيابهم لفترات مطولة في العقدين الأولين من الاحتلال أو نتيجة للتجميد الفعلي للمّ شمل العائلات في العقدين الأخيرين وتعليق الحقوق المدنية الأساسية مثل حرية التجمع وتكوين الجمعيات، ما حرم الفلسطينيين من فرصة أن يكون لهم صوت في مجموعة واسعة من المسائل التي تؤثر على حياتهم اليومية ومستقبلهم.
رسالة إلى المجتمع الدولي
في ضوء ما سبق توصل التقرير إلى أن السلطات الإسرائيلية ارتكبت الجريمة العنصرية مكتملة الأركان، بأضلاعها الثلاث (نية الإبقاء على هيمنة مجموعة على أخرى، سياق من القمع المنهجي الذي ترتكبه مجموعة ضد أخرى، فعل لا إنساني واحد أو أكثر) وعليه لا بد من رد فعل يتناسب وتلك الانتهاكات الممارسة بحق الشعب الفلسطيني.
المنظمة في نهاية تقريرها خلصت إلى أن الجرائم الإسرائيلية التي وثقها التقرير يجب أن تدفع المجتمع الدولي لإعادة النظر في علاقاته مع تل أبيب، وأن يعيد تقييم التعامل مع الحكومة العبرية، مع ضرورة اعتماد نهج آخر يركز على حقوق الإنسان والمساءلة بدل أن يقتصر على “عملية السلام” المتوقفة.
كما طالبت المنظمة بتشكيل لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة للتحقيق في ممارسات التمييز والقمع الممنهجين التي تمارسهم “إسرائيل” بحق الفلسطينيين، مع اقتراح استحداث منصب مبعوث خاص تابع للأمم المتحدة لجريمتَي الاضطهاد والفصل العنصري، في محاولة لتقييم الوضع قدر الإمكان وفضح أي انتهاكات تمارس على أرض الواقع.
تجفيف الانتهاكات من المنبع كانت على رأس التوصيات التي خرجت بها المنظمة في هذا التقرير، فقد طالبت بفرض شروط تربط بين بيع الأسلحة لـ”إسرائيل” واتخاذها خطوات ملموسة تقلل من ممارساتها الانتهاكية بشأن جريمتي الفصل والاضطهاد العنصري.
وقد لخص روث الأزمة برسالة بعث بها إلى أولئك الساعين إلى السلام الفعلي في الشرق الأوسط قائلًا: “بينما يتعامل معظم العالم مع الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ نصف قرن على أنه حالة مؤقتة ستحلها قريبًا “عملية سلام” التي استغرقت عقودًا، وصل اضطهاد الفلسطينيين هناك إلى حد واستمرارية يتوافقان مع تعريفات جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد. على أولئك الذين يسعون جاهدين إلى تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني، سواء كان الحل في دولة واحدة أم دولتين أم كونفدرالية، أن يعترفوا في هذه الأثناء بهذا الواقع على حقيقته ويستخدموا أدوات حقوق الإنسان اللازمة لإنهائه”.