صعّدت الحكومة الجزائرية في الفترة الأخيرة من لهجتها ضد ما يعرف بـ”حركة استقلال منطقة القبائل” (ماك) الانفصالية، بعد أن اتهمها بيان لوزارة الدفاع بمحاولة تنفيذ تفجيرات بالبلاد، وهي التي تغاضت لسنوات عن نشاطها بتجنب المواجهة الإعلامية معها، ما يفتح المجال لاتخاذ إجراءات مشددة ضدها مستقبلًا، خاصة بعدما تزايد الرفض لنشاط عناصر الحركة شعبيًّا وسياسيًّا.
واعتمدت السلطات الجزائرية سياسة عدم اللامبالاة في التعاطي مع نشاط حركة “ماك” لعدة أعوام، رغم الأفعال المستفزة التي قام بها رئيس هذا التنظيم المغني فرحات مهني سواء داخل الجزائر أو في الخارج، خاصة في فرنسا التي يتخذها مقرًّا لإقامته.
انفصال
تأسست حركة “ماك” عام 2002، مستغلة بذلك الاحتجاجات التي عرفتها منطقة القبائل ذات الأغلبية الأمازيغية عام 2001، حجة للجهر بآرائها التي كانت تفشي بها على نطاق ضيق فقط.
وتم تأسيس حركة “ماك” انطلاقًا من فرنسا البلد المستعمر السابق للجزائر، تحت اسم “الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل”، وكان مطلبها في البداية ينحصر في المناداة بالحكم الذاتي لمنطقة القبائل، غير أن مع توسيع نشاط الحركة واستثمارها في إخفاقات نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، استطاعت أن تستقطب قلة من الأنصار بفضل الدعم المالي الذي تتلقاه من جهات أجنبية، ولذلك رفعت من سقف مطالبها ليصبح الاستقلال عن الجزائر.
وأسس الحركة المغني فرحات مهني المولود في مارس/ آذار 1951 بمنطقة بوزغن بولاية تيزي وزو شرق الجزائر، وهو أحد نشطاء الحركة البربرية في الجزائر وأحد الأعضاء السابقين لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ذي التوجهات العلمانية.
حرص فرحات مهني على انتهاج سلوك مخالف لمبادئ الجزائر وشعبها.
وواصل فرحات مهني رغم التأثير شبه المنعدم لأفكاره تحركاته، بإعلانه في 2010 من باريس تأسيس ما يسمى “حكومة القبائل المؤقتة” المتكونة من 9 وزراء فقط، ونصب نفسه رئيس دولة.
وحرص فرحات مهني على انتهاج سلوك مخالف لمبادئ الجزائر وشعبها، فقد زار تل أبيب عام 2012، والتقى بنائب رئيس الكنيست الإسرائيلي، حيث صرح أنه يرغب في فتح سفارة للكيان الصهيوني بمنطقة القبائل، بينما من المعلوم أن الجزائر ترفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ومن أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية.
أول مرة
رغم النشاطات المستفزة لحركة “ماك” سواء من قبل زعيمها المغني فرحات مهني أو من أتباعه، إلا أن السلطات الجزائرية حرصت دومًا على أن تبقي تحقيقاتها بشأن هذا الملف قيد السرية، رغم الرسائل الضمنية المنتقدة التي كانت توجه لنشاط هذه الحركة، إلا أنه مع انطلاق حراك 22 فبراير/ شباط 2019، ومحاولة حركة “ماك” ركوب احتجاج الجزائريين واستغلاله لتمرير رسائل الانفصالية، بدأت الحكومة تحذر من هذا التحرك المريب.
في 25 أبريل/ نيسان الجاري، أعلنت السلطات الجزائرية على لسان وزارة الدفاع أنها أفشلت مخطط تفجير كانت حركة “ماك” تنوي تنفيذه في البلاد.
وجاء في بيان وزارة الدفاع أنه “استكمالًا للتحقيقات الأمنية المتعلقة بالعملية المنفذة في أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، من طرف المصالح الأمنية التابعة لوزارة الدفاع الوطني والمتعلقة بتفكيك خلية إجرامية متكونة من منتسبين للحركة الانفصالية “ماك” متورطين في التخطيط لتنفيذ تفجيرات وأعمال إجرامية وسط مسيرات وتجمعات شعبية بعدة مناطق من الوطن، بالإضافة إلى حجز أسلحة حربية ومتفجرات كانت موجهة لتنفيذ مخططاتها الإجرامية، تم الكشف عن الإعداد لمؤامرة خطيرة تستهدف البلاد من طرف هذه الحركة”.
وكشفت وزارة الدفاع أن اعترافات لعضو سابق في حركة “ماك” كشفت عن “وجود مخطط إجرامي خبيث يعتمد على تنفيذ هذه التفجيرات ومن ثم استغلال صور تلك العمليات في حملاتها المغرضة والهدامة كذريعة لاستجداء التدخل الخارجي في شؤون بلادنا الداخلية، حيث تورط في هذا المخطط عدة عناصر منتمية للماك، تلقت تدريبات قتالية في الخارج وبتمويل ودعم من دول أجنبية”.
وعرض التلفزيون الرسمي الثلاثاء اعتراف العضو السابق لحركة “ماك” نور الدين حدار الذي كشف المخطط الذي تحدثت عنه وزارة الدفاع، مبينًا أن زعيم الحركة فرحات مهني يتلقى تمويلًا أجنبيًّا بملايير الدينارات.
غير أن حركة “ماك” تبرأت من الاتهامات الموجهة لها، فقد قال رئيسها فرحات مهني في بيان: “لقد انحرفت وزارة الدفاع بشكل خطير بنشر بيان على موقعها الرسمي تتهم فيه حركة استقلال منطقة القبائل، بدون أي دليل بالتخطيط لتفجيرات إرهابية”.
وقال المتحدث باسم الحركة في باريس أكسل أمزيان لوكالة الأنباء الفرنسية إن الشخص المذكور في بيان وزارة الدفاع ناشط في الحركة.
وزعم المسؤولان أن “ماك” هي “حركة سلمية” تطالب “بحق الشعوب في تقرير مصيرها”.
حتى من يشككون في الرواية الرسمية لا ينفون أن خطاب حركة “ماك” ونهجها الذي يميل إلى العنف والتطرف، يجعل أي اتهام لها بالانتماء إلى جماعات إجرامية ممكنًا.
غير أن ادعاء حركة “ماك” أن نشاطها سلمي يناقض خطابات سابقة دعت فيها إلى العمل المسلح ضد الجزائر، ففي عام 2018 دعا فرحات مهني إلى إنشاء “قوة حماية شعبية في المنطقة تحل محل الأجهزة الأمنية الجزائرية” التي يصفها بـ”المحتلة”.
وطالب فرحات مهني وقتها بـ”إنشاء جهاز أمني مسلح في منطقة القبائل يحل محل السلطات الأمنية الجزائرية، على طريقة قوات حماية الشعب الكردية في سوريا، لتحقيق حلم استقلال المنطقة”.
وبالنظر إلى صعوبة الوصول إلى التحقيقات التي كشفتها وزارة الدفاع، كون القضية أمنية، فإن حتى من يشككون في الرواية الرسمية لا ينفون أن خطاب حركة “ماك” ونهجها الذي يميل إلى العنف والتطرف، يجعل أي اتهام لها بالانتماء إلى جماعات إجرامية ممكنًا، بالنظر إلى تصاعد فكر نفي الآخر في خطابها الرسمي.
تصنيف
بعد الاعتداءات التي نفذها قبل أيام منتسبون لحركة “ماك” في ولاية تيزي وزو ضد أعوان الشرطة، تصاعد الخوف من نزوح الحركة إلى العنف، ودعت عدة أطراف إلى تصنيف هذا التنظيم الانفصالي كجماعة إرهابية.
وتصدر وسم #الماك_حركة_إرهابية قائمة الترند في الجزائر لعدة ساعات، بعد الكشف عن مخطط التفجير الذي تحدثت عنه وزارة الدفاع، خاصة أنه جاء بعد اعتداء عناصرها بالحجارة والعصي على أعوان الشرطة بتيزي وزو في ذكرى الربيع الأمازيغي المصادف لـ 20 أبريل/ نيسان.
ورغم أن بيان وزارة الدفاع لم يصف الحركة الانفصالية بـ”الإرهابية” صراحة، إلا أنه حمل عبارات “تخريبية وإجرامية وتنفيذ تفجير وخطير”، وهي مصطلحات تستعملها الوزارة حين تتحدث عن الجماعات الإرهابية.
ولا يقتصر الغضب في الجزائر من نشاط حركة “ماك” على السلطة فقط، إنما أغلب الأحزاب السياسية، فقد اعتبرت حركة مجتمع السلم أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد أن “العنف المستعمل من الماك مرده فشل أعلام المنظمة الانفصالية المتصهينة العميلة للاستعمار في التعبئة الشعبية”، وطالبت بعدم التسامح مع مرتكبي العنف.
جميع الأطراف من معارضة وموالاة يتفقون على أن عهد التراخي مع تحركات هذا التنظيم الانفصالي يجب أن يتوقف.
أما جبهة القوى الاشتراكية أقدم حزب معارض في الجزائر، والتي تعد منطقة القبائل من أبرز قواعدها النضالية، فقد أعلنت أنها لن تقف متفرجة حيال ما تقوم به حركة “ماك”.
وقال الأمين الوطني الأول يوسف أوشيش إن “هذه الأرض رسمت حدودها مترًا مترًا وحررت أراضيها شبرًا شبرًا بسيول من دماء الشهداء الذين بذلتهم كل مناطق الوطن، وعليه فإن الأفافاس لن يقف مكتوف اليدين تجاه من يسعى لتفتيت هذه الأرض المقدسة تحت أي مسمى كان، كما لن يقف موقف المتفرج تجاه مثيري النزعات والمتلاعبين بالحساسيات والمتخذين منها سجلًّا تجاريًّا لأغراض انتخابية أو لأغراض شخصية ضيقة”.
وإن كان في الوقت الحالي لا تدعو أي جهة حزبية السلطات لتصنيف حركة “ماك” على أنها جماعة إرهابية، إلا أن جميع الأطراف من معارضة وموالاة يتفقون على أن عهد التراخي مع تحركات هذا التنظيم الانفصالي يجب أن يتوقف، ووجب تطبيق القانون ضد كل من يدعو إلى العنف والعنصرية وتفكيك الوحدة الوطنية.