في الوقت الذي تواجه فيه القوات الفرنسية المتمركزة في دول الساحل والصحراء الإفريقية – المتهمة بسرقة ثروات المنطقة وانتهاك سيادة الدول – مأزقًا كبيرًا، لعدم تلقيها الدعم الأوروبي والأمريكي والإفريقي اللازم، سارعت دولة الإمارات لتقديم المساعدة لها لإخراجها من مأزقها هناك، سعيًا منها للتقرب أكثر من فرنسا وتبييض صورتها دوليًا، فضلًا عن وضع قدم لها في تلك المنطقة الحيوية.
مساعدات إماراتية
بدأت وزارة الدفاع الإماراتية مطلع هذا الأسبوع تسيير رحلات الدعم اللوجستي للقوات الفرنسية المتمركزة في منطقة الساحل الإفريقي، التي تقول إن مهمتها هناك محاربة الإرهاب، لكن لم توضح الوزارة المقصود بـ”الدعم اللوجستي” الذي ستقدمه.
في الأثناء تقول السلطات الإماراتية إن الهدف من وراء هذه الرحلات دعم الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب بمنطقة دول الساحل الإفريقي، لتحقيق الأمن والاستقرار، ومن المنتظر وفق الإعلام الإماراتي، أن تخصص القوات المسلحة الإماراتية عددًا من رحلاتها لنقل المساعدات الإنسانية والإغاثية نحو منطقة الساحل لمعاضدة جهود القوات الدولية التي تقودها فرنسا هناك.
تُتهم فرنسا بسرقة ما يحمله باطن دول الساحل من ثروات نفطية وغازية ومعدنية كبيرة
جدير بالذكر أنه سبق للإمارات أن قدمت 30 مليون يورو لفرنسا لدعم جهودها في المنطقة، فضلًا عن تركيزها على العلاقات الثنائية مع دول الساحل وهو ما أظهره الدعم العسكري الإماراتي لدولة مالي، والدعم المالي الكبير لموريتانيا.
#الامارات71 | بالتزامن مع مقتل الرئيس التشادي .. وزارة الدفاع تعلن بدء تسيير ما وصفت برحلات دعم لوجستي (مساعدات عسكرية) لجهود المجتمع الدولي بقيادة فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، لتحقيق الأمن والاستقرار هناك
| #الإمارات #فرنسا @Forsan_UAE pic.twitter.com/054YSypVNG
— الإمارات71 (@UAE71news) April 26, 2021
بهذا الشكل تضاف منطقة الساحل إلى المناطق الأخرى التي تنسق فيها الإمارات مع فرنسا، ففي السنوات الأخيرة عملت الإمارات على تقديم المساعدة لفرنسا في أكثر من مناسبة ومكان على غرار ما يحصل في منطقة القرن الإفريقي وليبيا.
إنقاذ فرنسا من المستنقع
تسعى الإمارات من خلال هذه المساعدات -التي لا يُعرف نوعيتها إلى حد الآن- لإنقاذ فرنسا من مستنقع دول الساحل، خاصة أن باريس عجزت عن إقناع شركائها الأوروبيين فضلًا عن الولايات المتحدة والعديد من الحكومات الإفريقية بتقديم الدعم لها في منطقة الساحل.
فرغم الإعلان عن انتصارات فرنسية من آن إلى آخر، فالمشاكل الأمنية في منطقة الساحل هي نفسها، بل مرات تكون أشد مما كانت عليه قبل التدخل الفرنسي هناك سنة 2012، ما يعني أن المهمة الفرنسية لمكافحة الإرهاب فشلت.
وطوت منطقة الساحل، عام 2020، بحصيلة دامية للعنف والإرهاب، فقد سجلت سقوط آلاف القتلى من المدنيين والعسكريين والمسلحين، كما تضاعفت العمليات الإرهابية وتم تشريد ملايين السكان من مواطنهم الفقيرة إلى فضاءات جديدة من اللجوء البائس.
أمام هذا الفشل، وجدت فرنسا نفسها في مأزق فلا الانسحاب من هناك ممكن ولا الانتصار ممكن، في ظل ضعف دول الجوار والرفض الشعبي الكبير لوجود قوات فرنسية في المنطقة لذلك لجأت إلى حلفاء من خارج المنطقة لمساعدتها في الخروج من مأزقها وتقديم يد المساعدة لها.
وتعاني فرنسا في الفترة الأخيرة أزمات كبيرة في منطقة الساحل، إذ من الواضح أن مكانتها بدأت بالانحسار هناك وتأكد ذلك خلال الانقلاب الذي فاجأها في مالي وأطاح بحليفها رئيس البلاد إبراهيم أبو بكر كيتا في أغسطس/آب 2020، وأيضًا مقتل حليفها المفضل في تشاد إدريس ديبي على يد المتمردين قبل أيام.
دون أن ننسى المظاهرات الشعبية في مختلف مدن المنطقة المنددة بالوجود الفرنسي هناك، وآخرها في مدن تشاد، فينادي المتظاهرون بضرورة خروج فرنسا من بلدانهم ورفع يدها عن ثروات المنطقة الطبيعية ومدخراتها المالية.
تحتل منطقة الساحل، مكانة كبيرة لدى الدول حيث تتنافس العديد من الدول على بسط نفوذها في منطقة مهمة جغرافيًا وسياسيًا
تُتهم فرنسا بسرقة ما يحمل باطن دول الساحل من ثروات نفطية وغازية ومعدنية كبيرة (الذهب والبوكسيت واليورانيوم والحديد والنحاس واللتيوم والمنغنيز والفوسفات والملح)، رغم ادعائها محاربة الإرهاب ومساعدة دولة المنطقة على توفير الأمن والاستقرار.
وتأمل باريس في تلقي مساعدات من أبو ظبي حتى تمول قوتها العسكرية في الساحل، التي تسعى فرنسا إلى استغلالها لتقوية نفوذها في هذه المنطقة الإستراتيجية ومزيد من إحكام السيطرة عليها لحماية مصالحها، في ظل منافسة القوى الإقليمية لها على غرار روسيا والصين وتركيا.
وتعمل فرنسا على حماية مصالحها في منطقة الساحل التي تعتبر تقليديًا مركز نفوذ خاص بفرنسا بفعل سابقة الوجود الاستعماري، كما تعمل على حماية نفوذها من المنافسة، دون أن تتكبد مزيدًا من الخسائر المالية والعسكرية، لذلك تعول على الإمارات حتى تخوض الحرب هناك عوضًا عنها أو على الأقل بأموالها.
أهداف إماراتية
صحيح أن الإمارات هبت لمساعدة فرنسا للخروج من مأزقها في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، لكن لأبو ظبي أهداف هي الأخرى، فقدومها إلى هذه المنطقة الساخنة لم يأت من فراغ بل لتحقيق العديد من الأهداف التي تطمح إليها هذه الدولة العربية.
وترى الإمارات أن دعم جهود فرنسا في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية البعيدة عن أراضيها، من شأنه أن يساهم في تبييض صورتها الملطخة بدماء الأبرياء في ليبيا واليمن والصومال، فهذه الدولة تسعى للخروج في ثوب المحارب للإرهاب في الوقت الذي أكدت فيه تقارير دولية عديدة تورطها في أنشطة مشبوهة لتمويل الإرهاب في العديد من مناطق العالم.
فضلًا عن ذلك، ترى أبو ظبي أن تقديم المساعدة لفرنسا من شأنه أن يُكسبها ود الأوروبيين، خاصة أن العديد من الدول الأوروبية أوقفت تعاملاتها العسكرية مع الإمارات نتيجة جرائمها المرتكبة في اليمن وليبيا والصومال وتهديدها لاستقرار دول عربية عديدة.
وتعتبر منطقة الساحل واحدة من أبرز المناطق الجيوسياسية الدولية، التي تشهد صراعًا داخليًا بين المجموعات المسلحة من جهة ودول المنطقة والقوى الدولية من جهة أخرى، لذلك تأمل الإمارات في استغلال الفرصة والدخول للمنطقة.
إلى جانب ذلك، تأمل الإمارات في تعزيز نفوذها بالمنطقة بعد فشلها في شمال إفريقيا، فهي ترى في مساعدة فرنسا بوابة لذلك، رغم أن شعوب هذه المنطقة الإفريقية يرفضون كل التدخلات الأجنبية المشبوهة لما عرفوه منهم من خيبات.
وتحتل منطقة الساحل، مكانة كبيرة لدى الدول، فتتنافس العديد من الدول على بسط نفوذها في منطقة مهمة جغرافيًا وسياسيًا بصفتها ممرًا يتوسط دول جنوب الصحراء مع الشمال، وصولًا للبحر الأبيض المتوسط وأوروبا، ما يجعل المصالح الإستراتيجية لهذه الدول محل شد وجذب بينها.
وتعتبر منطقة الساحل والصحراء – التي تقدَر مساحتها بأكثر من عشرة ملايين كيلومتر مربع – منطقة محورية في العلاقات والتفاعلات بين إفريقيا الاستوائية وشمال إفريقيا، كما بين إفريقيا والمشرق العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط، لذلك تأمل الإمارات في استثمار هذه المميزات لتعزيز مكانتها في القارة الإفريقية.
تناغم الإمارات العربية المتحدة مع الحضور الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء في السنوات الأخيرة، جاء نتيجة رغبة مشتركة في استغلال المنطقة المشتعلة لفائدة مصالح الدولتين بعيدًا عن مصالح شعوب المنطقة التي تسعى إلى الحرية والعيش في ظل أنظمة ديمقراطية.