ترجمة: حفصة جودة
شهد باب العمود الشاهق الارتفاع في القدس الشرقية (أحد المداخل الرئيسية للبلدة القديمة) أحداث عنف وتوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأسابيع القليلة الماضية، مثلما حدث عدة مرات من قبل.
بدأ الفلسطينيون التظاهر منذ بداية رمضان يوم 13 من أبريل/نيسان بسبب الحظر الإسرائيلي الذي يحد وصولهم الكامل لساحة باب العمود بعد صلاة العشاء والتراويح في رمضان.
اعتقلت شرطة الاحتلال الإسرائيلي 4 فلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة مساء يوم الأحد لهتافهم بشعارات وطنية وتلويحهم بأعلام فلسطين احتفالًا بعد أن أزاحوا الحواجز التي تمنع جلوسهم في الساحة، التي تعد نقطة تجمع عامة للفلسطينيين في أثناء شهر رمضان الكريم.
يرى العديد من الفلسطينيين أن القيود الإسرائيلية المتزايدة والوجود الأمني المكثف عند باب العمود وفي كل مكان بالمدينة بالإضافة إلى الهجمات العدوانية الأخيرة للمستوطنين، جزء من محاولاتهم المستمرة لمحو الهوية الفلسطينية من القدس.
في أواخر 2020 أعادت البلدية الإسرائيلية في القدس تسمية درجات باب العمود على اسم ضباط شرطة إسرائيليين قتلوا في مواجهات هناك عامي 2016 و2017.
يقول أحمد صب لبن الباحث من القدس والمتخصص في شؤون الاستيطان: “ترفض السلطات الإسرائيلية أي شيء من شأنه أن يعزز الهوية الفلسطينية في القدس من ناحية، كما أنها تزدري الشعائر الإسلامية والتقاليد الفلسطينية من ناحية أخرى”.
تاريخ من العنف
تعد المنطقة المحيطة بباب العمود – باب دمشق – منطقة شهيرة لتجمع الفلسطينيين وتناول القهوة وغناء الأغاني الوطنية كنوع من أنواع الاحتجاج المدني، كما أنها شهدت المزيد من الاحتجاجات الرسمية والاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين والشرطة الإسرائيلية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2015 في أثناء موجة من العنف أشعلتها توترات سياسية، حاول الشباب الفلسطيني طعن الشرطة العسكرية الإسرائيلية في حوادث منفصلة قرب الباب، ما تسبب في إطلاق الرصاص عليهم وقتلهم، قتلت القوات الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين عند باب العمود على مر السنين، والكثير من تلك الحوداث لم يتم التحقيق فيها على الإطلاق.
في 2018 أقيم هناك حاجزا تفتيش مع برجي مراقبة يستخدمان لإيقاف وتفتيش الفلسطينين عند دخولهم البلدة القديمة التي احتلتها “إسرائيل” منذ الحرب الإسرائيلية العربية عام 1967 في مخالفة واضحة للقانون الدولي.
وفي أواخر 2020 أعادت البلدية الإسرائيلية في القدس تسمية درجات باب العمود على اسم ضباط شرطة إسرائيليين قتلوا في مواجهات هناك عامي 2016 و2017.
التصعيد في البلدة القديمة
شهدت مناطق أخرى في البلدة القديمة أعمالًا عدائيةً أيضًا في الأسابيع الأخيرة، في يوم 14 من أبريل/نيسان – حين تحتفل “إسرائيل” بعيدها الوطني – دخلت شرطة الاحتلال المسجد الأقصى في المدينة القديمة وقطعت أسلاك مكبرات الصوت في المئذنة، كما منعت الشيخ عكرمة صبري إمام المسجد الأقصى من السفر يوم 19 من أبريل/نيسان.
خرج المستوطنون اليمنيون المتطرفون إلى شوارع القدس مساء الخميس في مسيرة لاستعادة الكرامة اليهودية وهتفوا “الموت للعرب” وهاجموا الفلسطينيين، أدت الاشتباكات التي استمرت من مساء الخميس وحتى الجمعة صباحًا إلى جرح 110 فلسطينيين و20 شرطيًا إسرائيليًا، بينما ألقي القبض على 50 فلسطينيًا وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا”.
في يوم الجمعة أغلقت الشرطة العسكرية الإسرائيلية أحد أبواب المسجد الأقصى ومنعت الفلسطينيين الذين تجمعوا عند باب حطة في الحي الإسلامي من صلاة الفجر في ثاني جمعة من رمضان.
تحاول السلطات الإسرائيلية تأسيس واقع جديد في مدينة القدس والسيطرة على أبواب البلدة القديمة بشكل كامل وملء المنطقة بالمستوطنين
شهدت مدن الضفة الغربية المحتلة: الخليل وجنين ونابلس وطولكرم والبيرة، احتجاجات مساء الأحد، وفي الوقت نفسه قمعت القوات الإسرائيلية التظاهرات عند حواجز التفتيش العسكرية في قلنديا وبيت لحم.
وفي يوم الإثنين قال الوقف الإسلامي في القدس إن 72 مستوطنًا دخلوا ساحة الأقصى من باب المغاربة رغم أيام التوتر التي شهدتها المدينة القديمة، حسب تقرير “وفا”.
لا رمضان للمقدسيين
يرى الباحث صب لبن الأحداث الأخيرة في الأقصى وباب العمود كجزء من خطة إسرائيلية طويلة الأمد لتوسيع سيطرتها على البلدة القديمة، يتفق عبد الله معروف مع ذلك – وهو أستاذ مساعد في دراسات القدس بجامعة “Istanbul 29 Mayis” والمسؤول السابق عن العلاقات العامة والإعلام في المسجد الأقصى – ويقول إن السلطات الإسرائيلية تحاول تأسيس واقع جديد في مدينة القدس منذ أن كان آرئيل شارون رئيسًا للوزراء، الذي أراد السيطرة على أبواب البلدة القديمة بشكل كامل وملء المنطقة بالمستوطنين.
عندما كان شارون وزيرًا للإسكان عام 1987 احتل منزلًا في البلدة القديمة بالحي الإسلامي، ما أثار المستوطنين ودفعهم لمحاولة تأسيس حضور لهم في هذا الجزء من المدينة.
أضاف معروف أن “إسرائيل” تستغل الجائحة لإرسال رسالة للفلسطينيين بأنه “لا رمضان للمقدسيين ولا مناسبات خاصة للمسلمين في القدس”.
فشل الشرطة في احتواء أحداث العنف الأخيرة من الجماعات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة دليل على سياستهم لزيادة الوجود اليهودي في المدينة
كما يعتقد أن القوات الإسرائيلية تعمل على إخلاء المنطقة بأكملها من الفلسطينيين قبل الاحتفال اليهودي المسمى “يوم القدس” الذي يوافق هذا العام 28 من رمضان، وهناك تحذيرات بأن المستوطنين قد يستغلوا هذا الحدث لمحاولة اقتحام الأقصى.
عام 2020 أغلق المسجد مرتين بعد جائحة كورونا، كان الإغلاق الأول من منتصف مارس/آذار وحتى 31 من مايو/أيار، بينما كان الثاني من منتصف سبتمبر/أيلول واستمر لشهر، منعت “إسرائيل” الفلسطينيين من دخول المسجد خلال شهر رمضان كله عام 2020 بسبب فيروس كورونا، ومع ذلك كان مسموحًا للمستوطنين زيارته في هذا الوقت بمرافقة الأمن الإسرائيلي ووحدات المخابرات.
إخلاء متعمد للمدينة
يقول المحامي المقدسي مدحت ديبة: “في شهر رمضان تمتلئ المدينة كل عام بمئات آلاف المتعبدين الذين يحيون المسجد والأسواق، لذا يحاول الاحتلال بشكل متعمد نشر الخوف بينهم بمضايقة المدنيين من خلال الضرب العشوائي وإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ما يحدث عن باب العمود عملية متعمدة لإخلاء القدس من الفلسطينيين”.
يرى ديبة أن فشل الشرطة في احتواء أحداث العنف الأخيرة من الجماعات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة دليل على سياستهم لزيادة الوجود اليهودي في المدينة.
يقول زياد أبحيص – الباحث في شؤون القدس – “يجب على الفلسطينيين الدفع نحو فتح غير مشروط لباب العمود”، ويأمل أن يجتمع ما يكفي منهم حول المسجد الأقصى صباح يوم 28 من رمضان لصد الجماعات الإسرائيلية التي ستحاول أداء طقوسها هناك، ويضيف معروف: “يبدو أن الأحداث ستتصاعد حتى نهاية رمضان”، محذرًا من أن القدس على شفا الانفجار.
المصدر: ميدل إيست آي