أقل من شهر ونصف تفصل الجزائريين عن أول انتخابات تشريعية منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الحكم، انتخابات استثنائية تُقام زمن الجائحة، يختلف بشأنها الشارع الجزائري فمنهم من يدعم إنجازها في هذا الوقت وفي هذه الظروف المحيطة بها، ومنهم من يرفضها جملةً وتفصيلًا، ويصر على رحيل كل أركان النظام.
أبرز المشاركين والمقاطعين
حاول أكثر من 50 حزبًا سياسيًا خوض غمار هذه الانتخابات، لكن نجح 19 حزبًا فقط في جمع النصاب المطلوب من اكتتاب توقيعات الناخبين من مجموع 53 حزبًا، كانت جميعها قد سحبت استمارات اكتتاب التوقيعات، فيما فشل 34 حزبًا في جمع التوقيعات المطلوبة.
ويلزم القانون الانتخابي، الأحزاب السياسية في الجزائر جمع لائحة تضم 25 ألف توقيع من 23 ولاية على الأقل، لقبول قوائمها المرشحة في مجموع الولايات الـ58 والمناطق الأربعة للجالية في الخارج، وفقًا لرئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي.
وأوضح شرفي في ندوة صحفية عقدت أمس عقب انتهاء الآجال القانونية للترشح، أن 765 قائمة مستقلة استوفت الشروط والتوقيعات المطلوبة والمحددة بالنسبة لهذه الأخيرة بحسب مقاعد كل ولاية، بمعدل 100 توقيع عن كل مقعد، من مجموع أكثر من ثلاثة آلاف قائمة مستقلة كانت قد أعلنت مشاركتها في الانتخابات.
هذه الانتخابات تعتبر استثنائية كونها الأولى بعد رحيل عبد العزيز بوتفليقة من الحكم وأيضًا لأنها تقام والبلاد تعيش أزمة صحية خانقة
انطلاقًا من هذه النتائج، فإن أبرز الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 من يونيو/حزيران المقبل، هي حركة مجتمع السلم (كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر) وجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة البناء الوطني وجيل جديد وجبهة العدالة والتنمية وتجمع أمل الجزائر وحزب الحرية والعدالة.
أما في الخارج، فقد تمكنت قائمتان مستقلتان فقط من جمع التوقيعات من مجموع 52 قائمة مستقلة أبدت رغبتها في الترشح، فعلى عكس القوائم المرشحة في الداخل تلزم القوائم المرشحة في الخارج بجمع 200 توقيع عن كل مقعد مخصص للمنطقة، بمجموع 400 توقيع لكل قائمة، إذ حدد قانون توزيع المقاعد النيابية مقعدين لكل منطقة.
إجمالًا، أحصت سلطة الانتخابات الجزائرية 23 ألفًا و54 مرشحًا، إذ بلغت مجموع قوائم الترشح 2292 قائمة، منها 1179 قائمة حزبية و1113 قائمة للمستقلين، ويتنافس هؤلاء المرشحون على 407 مقاعد في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان).
في مقابل ذلك، من المنتظر أن تقاطع هذه الانتخابات ستة أحزاب من الكتلة الديمقراطية، وهي جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال والاتحاد من أجل الرقي والحركة الديمقراطية الاجتماعية وحزب الاتحاد الديمقراطي، غير معتمد.
العصابة ترمم نفسها بوجوه جديدة و لكن خلفيات بالية و رثة اكل عليها الدهر و شرب انهم يورثون ابناءهم و كان الجزائر ملكهم وحدهم و الشعب مجرد قطيع …. لا انتخابات مع العصابات تروحو يعني تروحو لك الله يا بلدي الله يرحمك يل جدي الشهيد
— ABDELBASSET CHENAFI (@ABDELBA54644933) April 24, 2021
بعض هذه الأحزاب وصفت الانتخابات المقبلة بالمسرحية السياسية التي ستسمح للنظام بإعادة ترتيب بيته، فيما عللت أخرى مقاطعتها بـ”عدم قدرة الانتخابات على تصحيح القرارات غير الاجتماعية المتخذة من طرف الحكومة”.
ومن المنتظر أن تشهد الانتخابات المقبلة لأول مرة اعتماد نظام القائمة المفتوحة في اختيار المترشحين كما أقره قانون انتخابات جديد، وتسمح القائمة المفتوحة للناخب بترتيب المرشحين داخل القائمة الواحدة حسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما هي، وفق الترتيب الذي وضعه الحزب.
انتخابات استثنائية
هذه الانتخابات تعتبر استثنائية كونها الأولى بعد رحيل عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم وأيضًا لأنها تقام والبلاد تعيش أزمة صحية خانقة على غرار باقي دول العالم نتيجة تواصل تفشي فيروس كورونا في مختلف مناطق الدولة.
وسجلت الجزائر أمس الأربعاء، 236 إصابة جديدة بفيروس كورونا خلال الـ24 ساعة الأخيرة، ليرتفع إجمالي عدد الإصابات إلى 121.580 إصابة، وفق ما أعلنته لجنة رصد ومتابعة فيروس كورونا بوزارة الصحة الجزائرية، كما أحصت اللجنة 9 وفيات خلال نفس الفترة، ليصل إجمالي عدد ضحايا الجائحة إلى 3.234 ضحية، منذ بداية انتشارها شهر مارس/آذار 2020 بالبلاد.
نتيجة هذا الوضع الوبائي، قرر الرئيس عبد المجيد تبون الإبقاء على الغلق التام للحدود البرية والبحرية والجوية مع رفع مستوى اليقظة يوميًا، كما أمر الجهات المعنية بالإسراع في وتيرة التلقيح وطنيًا والمضي فورًا وبسرعة قصوى في تنفيذ مشروع تصنيع لقاح سبوتنيك في.
رفض من الحراك
الاستثناء الآخر أن هذه الانتخابات البرلمانية المبكرة تُقام في ظل عودة مسيرات الحراك الشعبي يومي الجمعة والثلاثاء في فبراير/شباط الماضي، بعد توقف دام قرابة السنة بسبب فيروس كورونا، رغم أن السلطات تقول إن أغلب مطالب الحراك تحققت وأن التغيير بإسقاط كل مؤسسات البلاد خطر على الدولة.
يذكر أن الحراك الشعبي أعلن رفضه هذه الانتخابات منذ إعلان الرئيس عبد المجيد تبون عن دعوة الناخبين إلى انتخابات نيابية مسبقة، في 11 من مارس/آذار الماضي، إذ رفعت لافتات رفض الانتخابات في مسيرات الجمعة والثلاثاء للحراك الشعبي.
رفض الحراك للانتخابات أيضًا سيكون سببًا مباشرًا لتراجع نسبة المشاركة في الانتخابات
يرفض من يشاركون في هذه المسيرات، المسارات الدستورية التي اعتمدتها السلطة للخروج من أزمة شغور منصب رئيس الجمهورية، بعد استقالة بوتفليقة في أبريل/نيسان 2019، بدءًا بالرئاسيات التي جرت في 12 من ديسمبر/كانون الأول 2019 وصولًا إلى الاستفتاء على تعديل الدستور في 1 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فضلًا عن الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وغالبًا ما يردد المشاركون في المسيرات الشعبية شعارات رافضة للانتخابات، ورغم انقسام الحراك بخصوص كيفية التعامل مع النظام فإن أغلب المشاركين فيه يرفضون الانتخابات المقبلة، منهم من يرفضها كليًا ومنهم من يرفض إنجازها قبل التفاوض مع النظام.
في مقابل ذلك، تعهد تبون، بضمان نزاهة الانتخابات النيابية القادمة، من خلال إسناد الإشراف عليها لهيئة مستقلة وإبعاد الإدارة (وزارة الداخلية) عن العملية الانتخابية، لكن المشاركين في الحراك يشككون في نوايا النظام.
خشية من المقاطعة
أبرز التحديات التي تواجه السلطة في هذه الانتخابات، المقاطعة، إذ تعتبر نسبة المشاركة من أكبر الرهانات التي تنتظر الاستحقاقات النيابية المبكرة، خاصة بعد نسبة 23.7% في استفتاء تعديل الدستور التي اعتبرت الأضعف في تاريخ البلاد.
أليس من العار المشاركة في الانتخابات التي بدأت بخرق للدستور “تمديد الآجال”، ثم التزوير “تزايد مباشر لعدد الأحزاب التي بلغت نصاب التوقيعات بعد الخرق الدستوري” .
إنتخابات من بدايتها خرق للدستور وتزوير لايمكن أن تكون خيار عند أي حزب أو شخصية سياسية تقدر قيمة النضال .#الجزائر pic.twitter.com/MCsa4LqAqf
— Boumegouas Oussama • أسامة بومقواس (@Oussboumegouas) April 24, 2021
يقول العديد من الجزائريين إن عواقب إجراء هذه الانتخابات البرلمانية المبكرة ستكون وخيمة على البلاد خاصة أن الظرف الوبائي الذي تمر به الجزائر سيئ ولا يسمح بإقامة حملات انتخابية شعبية، لذلك ستسجل نسبة مقاطعة كبيرة.
أيضًا تدهور المستوى المعيشي الظاهر في البلاد كالغلاء وندرة بعض المواد الأساسية، سيكون سببًا مباشرًا لتراجع نسبة الإقبال على الانتخابات المقبلة، فالعديد من الجزائريين لا يرون أهمية في أي انتخابات ما دامت البرامج نفسها.
رفض الحراك للانتخابات أيضًا سيكون سببًا مباشرًا لتراجع نسبة المشاركة في الانتخابات، فانتعاشة الحراك الشعبي يغذي شعور المواطنين المتزايد بأن مجلس النواب لا دور له ومجرد مؤسسة واجهة وموقع للترقية الاجتماعية.