يمر شهر رمضان الكريم على المسلمين في كل بقاع الأرض بأجواء روحانية ساحرة، بين المساجد وأعمال الخير وكل ما يمكن أن يقرب المسلم من الله، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الروهينغا الذين استقبلوا الشهر المعظم في أجواء من العزلة على جزيرة نائية في بنغلاديش.
حيث نقلتهم السلطات إلى هناك بالآلاف وبصورة متسرعة، ما أثار الكثير من الشكوك والأسئلة حول إن كان الأمر متعلق بالأزمة السكانية الناتجة عن تزايد أعداد اللاجئين والقضية مجرد مصادفة، أم له علاقة بموقف ما من الطقس الإسلامي.
الروهينغا في رمضان
تعرضت مخيمات اللاجئين الروهينغا في بنغلاديش خلال الأسابيع القليلة التي سبقت قدوم شهر رمضان لحرائق متزايدة في أنحاء مدينة كوكس بازار، التي جرى تخصيصها لضحايا الحملة الوحشية التي شنّها جيش ميانمار ضد مسلمي البلاد، واضطر الكثير منهم للهرب إلى الدولة المجاورة التي استقبلتهم وحاولت المساهمة بقدر طاقتها حتى الآن في تخفيف الأزمة الإنسانية المتزايدة بحق بشر عزّل لا حول لهم ولا قوة.
تصاعدت الحرائق بشدة حتى وصل العدد الإجمالي إلى 84 حريقًا في أربعة أشهر فقط، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لكن حتى الآن لا يضع الإعلام الدولي القضية في صدارة اهتماماته بما يتوافق مع خطورتها.
ربما يرى صنّاع الميديا أن مواجهة تقلبات الطبيعة أفضل كثيرًا وأكثر إنسانية من تحمل ظروف الإبادة الجماعية التي وثقتها الأمم المتحدة، والتي وصفت شعب الروهينغا بأنهم أكثر الجماعات العرقية اضطهادًا في العالم، إذ يواجهون التمييز والقمع منذ استقلال البلاد عام 1948.
تسببت الحرائق الكبيرة في نزوح الآلاف إلى جزيرة باسان شار النائية في خليج البنغال التي تعاني من ظروف طقس أكثر سوءًا من كوكس بازار، ومعرضة دائمًا للفيضانات وموجات المد والجزر والأعاصير، لكن ما يقلل المخاوف نسبيًّا أن الجزيرة مجهّزة بملاجئ من الأعاصير، حيث أقامت الدولة سدودًا للحماية من الفيضانات ومرافق للتعليم والزراعة وصيد الأسماك ومستشفيات وملاعب ربما يعتبرها البعض أفضل بكثير من المخيمات في كوكس بازار.
أجواء العزلة
رغم الأمان النسبي في الجزيرة، إلا أن الروهينغا يعيشون شهر رمضان في أجواء من العزلة التامة، إذ تحيط المخيمات الأسلاك الشائكة ويمنَع عنهم أغلب الأوقات الوصول إلى الإنترنت، فضلًا عن اندلاع الحرائق أيضًا بالمناطق الهشة غير المؤمنة والتي لا تستطيع بنغلاديش توفير إقامة جيدة فيها، بسبب عدم اعتراف المجتمع الدولي رسميًّا أن الروهينغا ضحايا جرائم حرب، ما يفرض على الدول الأعضاء منح اللاجئين المساعدة التي يحتاجون إليها لبناء حياة كريمة.
تظهر هنا ظلال المادية والمصالح في حسم الأزمات الدولية في هذه القضية بوضوح، إذ شكّل استثمار الغرب خلال السنوات العشر الماضية في ميانمار، خاصة في استخراج الموارد المعدنية، عقبةً أمام ممارسة أي ضغط حقيقي حتى الآن، لكن ما يدفع أميركا ومعها أغلب الدول الأوروبية لإطلاق تصريحات صارمة ضد جيش ميانمار هو الإحراج الذي يقعون فيه باعتبارهم حراس الديمقراطية في العالم، وخاصة بعد تولي بايدن الحكم في أميركا.
هناك أيضًا سبب آخر للتخوف من ممارسة ضغط شديد على قادة الجيش لإعادة الحكومة المدنية أو على الأقل إنهاء الطوارئ سريعًا، وإعادة الديمقراطية الناشئة إلى مسارها في البلاد والمساهمة في تخطي عقباتها، وهو تغيير بوصلة ميانمار إلى الصين، التي تعتبر ما حدث تغييرًا وزاريًّا وتخطب ود السلطة الجديدة وتسعى للتربح من معارضة الغرب للإطاحة بالحكومة المدنية، كما هي العادة بين الطرفين في صراع المكاسب والقيم.
وسط هذه الأجواء، لا تجد بنغلاديش مفرًّا من التعايش مع الوضع الصعب الذي وجدت نفسها فيه، وتحاول عدم الضغط على ميزانيتها لتفادي هذه الأزمة من خلال مصادقتها على الميثاق العالمي للاجئين، الذي يقدم لها الخبرات المناسبة حول كيفية دمج اللاجئين في خطط التنمية المحلية وأطر الحماية الاجتماعية.
يعتبر مثل هذا الدعم الفني للمجتمعات المضيفة الضعيفة، التي تنقلب حياتها رأسًا على عقب، تعويضًا نسبيًّا عن إهمال المجتمع الدولي للاستجابة الإنسانية اللازمة، إذ يقدم الحلول التنموية لمعالجة القضايا الأساسية لحماية اللاجئين وحقوقهم، في ظل ترسيخ الوضع الراهن الذي يتوقع استمراره لفترة طويلة، بسبب استمرار قادة الجيش في تعنتهم وإرهابهم لمسلمي ميانمار.
من يساعد؟
على المستوى الدولي، أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تزامنًا مع شهر رمضان المبارك، حملة عالمية لجمع التبرعات للروهنيغا في بنغلاديش تحت عنوان “كل ثانية مهمة” سواء على شكل زكاة أو صدقة من العالم الإسلامي، أو عطاء عام من أي مجتمع آخر، من أجل تخفيف العبء على العائلات النازحة قسرًا عن منازلها ووطنها.
قال فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، خلال الترويج للحملة: “معًا يمكننا مساعدة اللاجئين والنازحين داخليًّا في الحصول على سقف فوق رؤوسهم، ووجبة إفطار دافئة، ومياه نظيفة، ومستقبل أفضل وأكثر أمانًا”.
لا تجد بنغلاديش مفرًّا من التعايش مع الوضع الصعب الذي وجدت نفسها فيه، وتحاول عدم الضغط على ميزانيتها لتفادي هذه الأزمة من خلال مصادقتها على الميثاق العالمي للاجئين.
كما أوضح أن هناك حاجة ماسة لتقديم الدعم المالي للمفوضية لمواصلة تقديم المساعدات لإنقاذ حياة الأسر الضعيفة والأيتام والأمهات وكبار السن، والمساعدة في تلبية الاحتياجات المتزايدة الناجمة عن جائحة كوفيد-19.
على مستوى دول العالم الإسلامي، تحاول بعض الدول المساهمة فك خيوط العزلة عن المسلمين في بنغلاديش خلال الشهر الكريم، وتصدّر المشهد الجمعيات الخيرية التركية التي أرسلت آلاف الوجبات الغذائية للاجئي الروهينغا ومضيفيهم على السواء، في مخيمات كوكس بازار أو الجزيرة النائية التي رحّلتهم السلطات إليها.
بحسب البيانات الرسمية التركية، هناك 80 ألفًا من الروهينغا المضطهدين إلى جانب الآلاف من السكان المحليين، حيث يوجد في المتوسط سبعة أفراد من كل عائلة من الروهينغا في مخيمات بنغلاديش، لهذا بجانب استعدادات رمضان تعمل الجمعيات من الآن على توفير احتياجات عيد الأضحى المبارك والشتاء، وتعتمد مؤسسات مثل مؤسسة ديانت التركية على خبرتها الطويلة في هذا الملف، إذ تقدم خدماتها لبنغلاديش منذ عام 2012 ولديها العديد من المشاريع التنموية والخيرية هناك.
تساعد أيضًا جمعية قطر الخيرية في تقديم مساعدات إغاثية للاجئي الروهينغا خلال شهر رمضان ضمن حملتها “رمضان الأمل”، للتخفيف من معاناتهم وإعانتهم خاصة في ظل تواصل انتشار فيروس كورونا، وتضم خطط المساعدات مخيمات كوكس بازار وجزيرة بهاسان شار.
وقد وزعت جمعية قطر الخيرية قبل حلول شهر رمضان مباشرة مساعدات إغاثية عاجلة على حوالي 5 آلاف لاجئ مسلم في الجزيرة المنكوبة بهاسان شار، شملت المساعدات مياه الشرب الآمنة والخدمات الطبية المجانية وتوزيع الملابس على المتضررين من الحرائق التي أدت إلى نزوح آلاف الورهينغا من مخيماتهم وملاجئهم، وبسببها نقل مئات الآلاف إلى بهاسان شار خلال الأشهر الأخيرة.
أرسل أيضًا الهلال الأحمر الإماراتي مساعدات إنسانية للاجئين في مخيمات كوكس بازار، وشملت الطرود الغذائية ومواد الإيواء والتدفئة والملابس ومواد النظافة والمكملات الغذائية للأطفال، إضافة إلى مستلزمات تعليمية ومعينات دراسية.
أما مشاهير العرب والمسلمين، فلم يبرز منهم أي اهتمام بالقضية باستثناء مسعود أوزيل، اللاعب الألماني من أصل تركي، الذي يبدي اهتمامًا دائمًا بالقضايا الإسلامية، وتبرع بمبلغ 101 ألف يورو للهلال الأحمر التركي ضمن حملة مساعداته خلال شهر رمضان المبارك.
بحسب جمعية الهلال الأحمر التركي، سيتسخدَم تبرُّع أوزيل في تقديم آلاف الطرود الغذائية للمحتاجين في تركيا وإندونيسيا ومسلمي الروهينغا في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش، كما سيساهم في تقديم وجبات الإفطار للأيتام في إدلب السورية والعاصمة الصومالية مقديشو طوال الشهر الكريم.
تعتبر مساهمة أوزيل ليست الأولى، حيث يحرص اللاعب من سنوات على نشر الابتسامات على وجوه آلاف الأطفال في العديد من البلدان التي تفرقت السبل بأهلها، ولم يعد لهم أنصار ولا سند.