نهاية مارس/آذار الماضي، تسلمت تونس، دفعة ثالثة من أقارب مواطنين لها قاتلوا في صفوف تنظيم داعش، كانوا موجودين بمراكز إيواء في ليبيا، بعد تنسيق مع السلطات الليبية، بناءً على القوانين الدولية والوطنية التي تنص على حق كل شخص في العودة إلى بلده.
النساء في الإيقاف والأطفال في الرعاية
عودة هؤلاء إلى تونس جاءت نتيجة توصل مسؤولي البلدين إلى اتفاقات لإعادة تفعيل اتفاقية موقعة منذ 1971، تقضي بتبادل المساجين والتقارير الأمنية، إذ تعمل تونس منذ فترة على تسوية أوضاع المساجين التونسيين في ليبيا.
حال وصولهن إلى تونس، تم توقيف النساء لاستكمال عمليات التحري الأمني ومعرفة حقيقة وجودهن في صفوف تنظيم داعش والأعمال التي ارتكبنها هناك وكيف تحولن من تونس إلى مناطق النزاع والتحقن بالتنظيم المتطرف.
فيما تم نقل الأطفال إلى مراكز خاصة بالرعاية النفسية والاجتماعية، تابعة للجنة الوطنية التونسية المهتمة بهذا الملف “اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب/ حكومية”، وكان المجتمع المدني في تونس قد عمل منذ سنوات على إيجاد حلول تمكن من استعادة أطفال عناصر داعش العالقين في السجون الليبية، لا سيما في مصراتة وطرابلس، خصوصًا بعد أن طال القصف الجوي محيط السجون.
نُقلت النساء العائدات إلى مراكز الإيقاف مباشرة على أن يتم التحري معهن بأساليب قانونية تحفظ لهن كرامتهن
لم يحدد العدد الإجمالي للمواطنين التونسيين الموجودين بمراكز إيواء أقارب ين في ليبيا، لكن في الدفعة الأولى في مارس/آذار الماضي تسلمت تونس 8 من أقارب مواطنين لها قاتلوا في صفوف تنظيم داعش ، وفي الدفعة الثانية تسلمت أيضًا مجموعة تتكون من 8 أشخاص: 5 أطفال و3 نساء.
أما الدفعة الثالثة والأخيرة، التي تمت في نفس الشهر، فقد تسلمت السلطات التونسية خلالها مجموعة تتكون من 8 أشخاص: 4 أطفال و4 نساء، بعضهم كان محتجز في السجون الليبية منذ أكثر من خمس سنوات، بسبب صلات تربطهن بأشخاص مشتبه بانتمائهم للجماعة المسلحة المتطرفة “تنظيم الدولة الإسلامية”.
عمليات التسليم لم تنته هنا، فمن المنتظر أن تتواصل، فالاتفاق مع الجانب الليبي نص على تسليم بقية أقارب ين التونسيين الموجودين في مراكز إيواء ليبية على دفعات أخرى في فترات قادمة، ولا تزال عشر نساء تونسيات أخريات و21 طفلًا، معظمهم من اليافعين، ينتظرون إعادتهم من ليبيا بحسب المرصد التونسي لحقوق الإنسان الذي يتعقب قضايا مواطنين تونسيين يشتبه في صلتهم بأعضاء من تنظيم داعش في الخارج.
تواصل الاحتجاز
كانت هؤلاء النسوة ينتظرن أن يتم التحقيق معهن في فترة وجيزة وبعدها يتم إطلاق سراحهن، خاصة أن القضاء الليبي برأهن من أي تهم قبل تسليمهن إلى السلطات التونسية، فقد تم اعتبارهن ضحايا لأزاوجهن، لكن تونس لم تطلق سراحهن بعد.
تستند السلطات في تونس في استمرار احتجاز هؤلاء النساء دون توجيه تهم إليهن إلى قانون البلاد لمكافحة الإرهاب لعام 2015، الذي يُمدد الحبس الانفرادي من ستة أيام إلى 15 يومًا للمشتبهين بالإرهاب، ويسمح للمحاكم بإغلاق الجلسات أمام الجمهور وببقاء الشهود مجهولين بالنسبة إلى المتهمين، كما يسمح القانون للشرطة باستجواب المشتبه بهم دون محام لمدة 15 يومًا.
قانون الإرهاب تعتبره العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية على غرار هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية مهددًا لحقوق الإنسان ويفتقر إلى ضمانات ضد الانتهاكات، وينبغي تعديله حتى يتلاءم مع القوانين الدولية في هذا الشأن.
معاملة لا إنسانية
كما أسلفنا، جرى نقل النساء العائدات إلى مراكز الإيقاف مباشرة على أن يتم التحري معهن بأساليب قانونية تحفظ لهن كرامتهن، لكن تبين وفق “هيومن رايتس ووتش” أن هؤلاء النسوة تلقين معاملة سيئة ولا إنسانية، وذلك بعد تواصل المنظمة مع عائلاتهن.
منظمة “هيومن رايتس ووتش“، قالت في بيان لها أمس إن عائلات النساء والأطفال الذين تربطهم صلة بأشخاص مشتبه بانتمائهم لـ”تنظيم الدولة” الذين أعيدوا مؤخرًا إلى تونس، تقول إن بعضهن تعرضن لسوء المعاملة والتقطن فيروس كورونا وحُرمن من حقوقهن.
موضوع عودة نساء المقاتلين ضمن صفوف تنظيم داعش يثير حساسية كبيرة لدى الرأي العام التونسي
ووفقًا للمنظمة الحقوقية نقلًا عن أقارب ومحاميي أربعة من النساء المحتجزات في سجن منوبة، لم يُسمح لأي من هؤلاء الأربعة بالتواصل مع محامٍ في أثناء الاستجواب، وقال أحد الأقارب إن الأسرة لا يمكنها تحمل تكاليف توكيل محامٍ، فيما أخبرت امرأة أقاربها أنها تعرضت للضرب على أيدي المحققين في أثناء الاستجواب وأُجبرت على التوقيع على محضر استجواب، وقال الأقارب والمحامون إنه لم توجه إلى اللحظة تُهم رسمية ضد النساء.
إلى جانب ذلك، قال اثنان من الأقارب: “ظروف الاحتجاز كانت مُزرية وثلاث نساء عائدات على الأقل قلن إنهن التقطن فيروس كورونا ويعتقدن أن بعض النساء الأخريات العائدات التقطن الفيروس أيضًا”، وتقول المنظمة إنه غالبًا ما يكون المحتجزون في خطر متزايد لالتقاط فيروس كورونا بسبب التقارب الشديد وعدم القدرة على ممارسة التباعد الاجتماعي والافتقار إلى مرافق ملائمة للصرف الصحي والنظافة وارتفاع نسبة الحالات الطبية الكامنة ونقص الرعاية الطبية المناسبة.
تحسين المعاملة
ترى منظمة هيومن رايتس ووتش ضرورة أن تحسن السلطات التونسية معاملة هؤلاء النسوة، ففي بيانها تقول “ينبغي للسلطات التونسية أن تضمن فورًا معاملة جميع النساء العائدات معاملة إنسانية وتلقيهن العلاج الطبي اللازم ومنحهن كامل حقوقهن في الإجراءات القانونية الواجبة في أثناء الاحتجاز”.
تقول حنان صلاح، باحثة أولى في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “ينبغي للسلطات تقييم وضع هؤلاء النساء بشكل فردي ومحاكمة من ارتكبت منهن جرائم خطيرة، ما من عذر لحرمانهن من حقوقهن”.
وأضافت “على سلطات السجون إنهاء جميع الانتهاكات المزعومة بحقهن، وضمان تواصلهن مع محامين، والتأكد من وجود تدابير وقائية ورعاية صحية ملائمة لمنع انتشار فيروس كورونا”، وتقول المنظمة الحقوقية: “احتواء فيروس كورونا وتقديم العلاج الطبي المناسب للمتضررين ينبغي أن يكون من أولويات السلطات”.
ترى المنظمة أن على السلطات التونسية، كخطوة فورية، منح حق التواصل غير المقيد مع محامين والسماح لأفراد أسَر النساء المحتجزات بزيارتهن، وباعتبارها دولة طرف في “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” و”الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب”، ينبغي عليها ضمان معاملة أي شخص محروم من حريته معاملة إنسانية وبكرامة وتمكينه من كامل حقوقه في الإجراءات القانونية الواجبة.
توجس في الشارع التونسي
موضوع عودة نساء المقاتلين ضمن صفوف تنظيم داعش يثير حساسية كبيرة لدى الرأي العام التونسي لا سيما بعد وقوع اعتداءات دموية ارتكبها تونسيون تدربوا في ليبيا، وراح أمنيون وجنود تونسيون ضحيتها.
يرفض الكثير من التونسيين عودة المقاتلين من ليبيا وسوريا والعراق أو حتى نسائهم، ذلك أنهم يخشون أن يرجع هؤلاء لاستهداف بلادهم مجددًا، رغم أن العديد من هؤلاء خاصة النسوة يؤكدن أنهن ضحايا ولم يقاتلن في صفوف التنظيم.
وترى العديد من عائلات أفراد الأمن والعسكريين الذين قتلوا في عمليات إرهابية، أن عودة المقاتلين ونسائهم “استفزاز لمشاعرهم”، ووجب عدم قبولهم في تونس، لكن العديد من المنظمات الحقوقية تطالب بتقبل إعادة لبلادهم وتأهيلهم للعيش في المجتمع من جديد.