تضع الولايات المتحدة الأمريكية اليوم السبت حدًا لأطول حروبها بناء على قرار من الرئيس جو بايدن، فقد بدأت واشنطن في سحب كامل لقواتها المتمركزة في أفغانستان، دون شروط رغم المخاوف الدولية من مستقبل الوضع هناك، فهل حققت واشنطن أهدافها في أفغانستان بعد 20 سنة من التدخل العسكري هناك؟
إنهاء الحرب الأطول
في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2001، أي قبل 20 سنة، خاطب الرئيس الأمريكي حينها جورج بوش الابن شعب بلاده من غرفة المعاهدات بالطابق الثاني بالبيت الأبيض، معلنًا أن الحرب في أفغانستان قد بدأت، وها هي اليوم تبدأ الولايات المتحدة سحب جميع قواتها المتبقية هناك.
بدأت الولايات المتحدة سحب قواتها غير المشروط من أفغانستان بناء على أوامر من الرئيس بايدن، بهدف إعادة تحديد أولويات وزارة الدفاع الأمريكية، على أن يتم التركيز في البداية على إخراج المعدات غير الضرورية التي لن يتم تدميرها أو تحويلها إلى قوات الأمن الأفغانية.
في هذا اليوم، سيتم تسليم بعض القواعد الأمريكية في البلاد إلى الحكومة الأفغانية، مع استمرار جرد المعدات العسكرية، على أن تصنف هذه المعدات إلى أربعة أقسام، فبعضها سيتم شحنه للولايات المتحدة أو لبعض دول الجوار، في حين سيسلم بعضها للقوات الأفغانية، بينما سيتم إتلاف بعضها.
وتعتزم الحكومة الأمريكية سحب كل قواتها من أفغانستان بحلول 11 من سبتمبر/أيلول القادم، وهو تاريخ الذكرى الـ20 لهجمات عام 2001، وكان بايدن قد أعلن في 14 من أبريل/نيسان الحاليّ أنه سيسحب قوات بلاده بشكل كامل من أفغانستان، لينهي بذلك أطول حروب الولايات المتحدة.
تقول الإدارة الأمريكية إن الانسحاب من أفغانستان تم بعد تحقق النجاح المطلوب وانتصار واشنطن على ما تصفه بالإرهاب
لتأمين هذا الانسحاب، وضعت الإدارة الأمريكية خطةً متكاملةً، إذ وافق البنتاغون على نشر المئات من القوات البرية والبحرية في المنطقة لضمان أمن وسلامة القوات الأمريكية وقوات التحالف والمتعاقدين خلال الانسحاب، كما أرسل وزير الدفاع لويد أوستن قاذفتين إضافيتين من طراز “بي-52” (B-52) إلى الخليج، ومدد مهمة حاملة الطائرات “يو إس إس أيزنهاور” (USS Dwight D. Eisenhower) في المنطقة.
لم يستبعد البنتاغون إرسال تعزيزات أخرى للمشاركة في العملية اللوجستية الهائلة المتمثلة بسحب نحو 2500 عسكري أمريكي، يضاف إليهم أكثر من 16 ألف متعاقد مدني مع تجهيزاتهم، كما لم يستبعد السكرتير الصحفي لدى وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي “احتمال أخذ إجراءات إضافية مؤقتة لحماية القوات”.
وجاء القرار الأمريكي بناء على نص الاتفاق الموقع في الدوحة، الذي لم تشارك حكومة كابل في مفاوضاته، على أن تسحب الولايات المتحدة كل قواتها من أفغانستان بحلول مايو/أيار 2021 مقابل تعهد طالبان بعدم السماح لمجموعات “إرهابية” بالعمل من المناطق التي تسيطر عليها.
مستقبل غامض
تقول الإدارة الأمريكية إن الانسحاب من أفغانستان تم بعد تحقق النجاح المطلوب وانتصار واشنطن على ما تصفه بالإرهاب في أفغانستان، خاصة بعد انهيار تنظيم القاعدة ومقتل زعيمه الأول أسامة بن لادن ومعظم قادة التنظيم الذي كانوا ينشطون في أفغانستان.
وتقول الولايات المتحدة الأمريكية إنها كانت تهدف إلى القضاء على تنظيم القاعدة وإنها حققت ذلك بدرجة كبيرة، كما أن واشنطن أدركت بعد كل هذه السنوات من الحرب أن تنظيم طالبان جزء من المجتمع الأفغاني لا يمكن لها القضاء عليه عسكريًا.
لكن بعض الأصوات في أمريكا تقلل من هذا الانتصار، إذ ترى أن هذا الانسحاب غير المشروط الذي يتزامن أيضًا مع انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، سيؤدي إلى عكس مسار التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي حاربت المجتمع الدولي من أجله طوال عقدين من الزمن.
يرى بعض القادة المدنيين والعسكريين أن الانسحاب العسكري ممكن أن يؤدي إلى استعادة الوضع لما كان عليه قبل 11 من سبتمبر/ أيلول 2001، رغم تأكيد طالبان عدم السماح للإرهابيين بالنشاط هناك.
ووفقًا للرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة ديفيد بترايوس الذي أصبح لاحقًا مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية، والجنرال جوزيف دانفورد القائد السابق للقيادة العسكرية الوسطى، فإن الانسحاب سيجعل أمريكا أكثر عرضة للتهديدات الإرهابية.
بدوره يقول زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل إن الولايات المتحدة تعطى أفغانستان “كهدية وتسلمها مباشرة إلى طالبان”، ما يعني وفق وجهة نظره أن الانسحاب يمثل انتصارًا لحركة طالبان.
من جانبه، اعتبر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، في مقال له كتبه بالمشاركة مع الجنرال جوزيف كين، أن قرار الانسحاب ضد رغبة كبار القادة العسكريين و”سيعود ليطارد الأمة والعالم، كما حدث في العراق عام 2011 في الأشهر والسنوات المقبلة”.
يعتبر العديد من الأمريكان أن حرب بلادهم في أفغانستان هي الأطول والأكثر عبثية وغير الناجحة
توقع الاثنان أن تسيطر حركة طالبان على كل أفغانستان، في حين “سيبدأ الإيرانيون في السيطرة على غرب أفغانستان، وستبدأ حركة طالبان في إدارة المنطقة الجنوبية من البلاد، وسيعود التحالف الشمالي القديم للظهور، وسيكون شرق أفغانستان تحت سيطرة شبكة حقاني، وهي منظمة صنفتها وزارة الخارجية منظمة إرهابية”.
ويخشى مسؤولون أمريكيون من عدم قدرة قوات الأمن الأفغانية على السيطرة على البلاد دون دعم اعتادته سنوات مديدة، خاصة أن قدرة القوات الجوية الأفغانية على التحليق ضعيفة جدًا، ما سيجعلها في حاجة لدعم جوي متواصل.
وسجلت الأشهر الأخيرة صعود أسهم حركة طالبان، فقد انتصرت في معارك كبرى واستعادت السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الأفغانية، كما استعاد التنظيم أغلب قادته بعد عودتهم من باكستان، وطور معداته العسكرية.
هل حققت واشنطن أهدافها؟
يرى أنصار قرار الانسحاب، أن جو بايدن فعل ما عجز عنه أسلافه الثلاث: جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب، فقد اختار مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، فوفقًا لتقارير مختلفة كلفت الحرب في أفغانستان الخزانة الأمريكية تريليونات الدولارات، فيما أدت إلى مقتل أكثر من 2400 من أفراد القوات الأمريكية، وما لا يقل عن 100 ألف مدني أفغاني.
لكن تنسحب أمريكا من أفغانستان ووراءها تركة ثقيلة للحكومة، فالجيش الأفغاني رغم التدريبات الطويلة التي تلقاها والعتاد الذي خُصص له ما زال ضعيفًا، ونفس الشيء بالنسبة لقوات الأمن ما زالت ضعيفة على تأمين الحماية الداخلية للبلاد.
ليس هذا فحسب فمؤسسات الدولة الأفغانية تعتبر “متخلفة” بعض الشيء وغير متطورة بما فيه الكفاية، ما يجعل الحكومة في مأزق كبير، كما أن المساعدات الأمريكية صنعت اقتصادات بأكملها مبنية على الفساد الحكومي.
في مقابل ذلك، زادت قوة تنظيم طالبان أكثر وأصبح التنظيم أمرًا واقعًا لا يمكن إقصاؤه من المعادلة السياسية في البلاد، رغم الحملات التي شنت ضده بهدف إنهاكه في مرحلة أولى والقضاء عليه في مرحلة قادمة.
أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية خلال 20 سنة تريليون دولار بهدف القضاء على تنظيم طالبان، لكن ذلك لم يمنع التنظيم من أن يكون في موقع قوة اليوم، وأن يفرض شروطه على المجتمع الدولي للجلوس معه في طاولة الحوار.
نتيجة ذلك، يعتبر العديد من الأمريكان أن حرب بلادهم في أفغانستان هي الأطول والأكثر عبثية وغير ناجحة، فالتكلفة البشرية لهذه الحرب كانت عالية والتكلفة المالية بلغت أرقامًا فلكيةً، أما التكلفة التي تكبدها المدنيون الأفغان فقد كانت مروعة.