ترجمة: حفصة جودة
فشل برنامج التطعيم العراقي في مواكبة الارتفاع الشديد لحالات الإصابة بفيروس كورونا الذي أدى إلى وصول عدد الحالات المسجلة لفيروس كورونا بالبلاد لأعلى مستوى في العالم العربي، أصبح الأطباء أكثر إحباطًا، فقد تسبب انهيار البنية التحتية وتراخي الحكومة وانتشار الأخبار الزائفة عن مدى أمان اللقاحات، إلى تقويض أي محاولات للحد من انتشار المرض.
سجلت آخر إحصاءات وزارة الصحة أكثر من مليون إصابة في البلاد بالإضافة إلى 15465 حالة وفاة على الأقل، ومع ذلك حذر خبراء الصحة من أن الرقم قد يكون أعلى من ذلك لأن الكثير من العراقيين يتأخرون في القدوم للعلاج عند اشتباههم في إصابتهم بالمرض.
قال طبيب يعمل في دائرة صحة بغداد الرصافة إن العراق ما زال منطقة حمراء فيما يتعلق بحالات فيروس كورونا، وأضاف “لقد لقحنا 10 آلاف شخص يوميًا، ووفقًا لذلك الرقم فإننا بحاجة لعدة سنوات لنصل إلى مناعة القطيع من خلال التطعيم وهو أمر سيئ بالطبع خاصة مع ظهور طفرات الآن”.
(يتحدث الطبيب دون كشف هويته لأن وزارة الصحة العراقية حظرت تحدث العاملين في مجال الصحة إلى وسائل الإعلام).
بدأ العراق التطعيم الشهر الماضي، فقد استلم 50 ألف جرعة من لقاح سينوفارم (المخصصة بشكل أساسي للعاملين في مجال الصحة) ثم استلم 336 ألف جرعة من لقاح أسترازينكا من خلال مبادرة تدعمها وزارة الصحة العالمية.
في العراق تتجاهل كل المباني السلامة الصناعية والسلامة المهنية وسلامة العمل
ومع ذلك لم يحصل على اللقاح إلا 100 ألف شخص فقط من بين سكان العراق البالغ عددهم 40 مليون نسمة، كانت المخاوف بشأن سلامة اللقاح التي بدأت في أوروبا قد وصلت إلى العراق.
في شهر مارس/آذار، أوقفت العديد من الدول الأوروبية استخدام لقاح أسترازينكا المصنع في المملكة المتحدة بعد ظهور عدة تقارير بتسببه في جلطات مما أدى لعدة حالات وفاة، ورغم أن وكالة الدواء الأوروبية “EMA” قررت أن مخاطر اللقاح ضئيلة، فإن الجدل أثار قلقًا دوليًا بأن هناك مخاطر صحية متعلقة به.
يقول الطبيب البغدادي: “هناك الكثير من الأشخاص الذين رفضوا اللقاح، والكثير ممن رفضوا اللقاح الصيني سينوفارم وأسترازينكا يقولون إنه قد يسبب الوفاة وأشياء من هذا القبيل”.
“إننا نحاول أن نقول لهم إنها أخبار زائفة، وإذا حصل مليون شخص على اللقاح فقد يموت 4 أو 5 منهم فقط ولا علاقة مباشرة بين الوفاة واللقاح، لكن الناس لا يصدقون ذلك، إنهم يصدقون الشائعات التي تنتشر في الشوارع، مما جعل السيطرة على الفيروس أمرًا صعبًا للغاية”.
يأتي ارتفاع الأرقام هذا في أعقاب انفجار ضخم بمستشفى كبير في بغداد تسبب فيه انفجار أسطوانات أكسجين، ما أدى إلى عشرات الوفيات، أدى الانفجار في مستشفى ابن الخطيب السبت الماضي إلى 130 حالة وفاة على الأقل، وفقًا للجنة العليا العراقية لحقوق الإنسان شبه الحكومية.
قال الطبيب البغدادي إن ما حدث يشير إلى فشل البلاد في تحقيق إجراءات الأمان ضد الحرائق وتنفيذ اللوائح، وأضاف “يخزن الأكسجين داخل الأجنحة، وفي الوقت نفسه يدخن الناس ويطبخون طعامهم داخل هذه الأجنحة، مع رفض العائلات لعزل أقاربهم المصابين داخل الأجنحة”.
في العراق تتجاهل كل المباني السلامة الصناعية والسلامة المهنية وسلامة العمل، حذر الطبيب من أن عدم التحسن في تلك المجالات مع تناقص عدد أسرة العناية المركزة، فإن البلاد ستكون في خطر الانهيار الطبي خلال أشهر قليلة.
تغيير التصورات
مثل العديد من الدول – خاصة جنوب العالم – لم يتمكن العراق من التفاوض مبكرًا للحصول على لقاحات كوفيد-19 وهذا التأخير كان مكلفًا، يقول أحمد زويتن – ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق – إن العراق سيتسلم شحنة من 500 ألف جرعة من لقاح أسترازينكا قريبًا.
وأضاف “سوف تتسلم اليونيسيف – وكيلتنا في النقل – الشحنة في أوروبا اليوم وتنقلها إلى العراق في الأيام المقبلة”، تعد الشحنة الجزء الثاني من شحنات اللقاح التي تم شراؤها من خلال برنامج “Covax” الذي تدعمه منظمة الصحة العالمية، الذي يهدف إلى توصيل 1.7 مليون جرعة إلى العراق.
قال زويتن إن تلقي اللقاح من الجرعات الأولى البالغ عددها 336 ألف كان جيدًا، مع تطعيم 10 آلاف أو 12 ألف يوميًا، لكن الجدل الذي ظهر عن لقاح أسترازينكا في أوروبا تسبب في تعطيل البرنامج.
ما زال الناس يعتقدون أن النظام الصحي غير قادر على الاستجابة لاحتياجاتهم
“إن الدول لا تفكر عادة في تأثير مثل هذه السياسات على الصحة العامة عندما تقرر إيقافها في بلادها، في العراق يرفض الناس تلقي اللقاح ويقولون إنه غير آمن، لذا انخفض معدل التطعيم وأصحبت الأعداد التي تحصل عليه قليلة للغاية”.
ورغم محاولات منظمة الصحة العالمية لتعزيز سلامة اللقاحات، فإن البلاد ما زالت تعاني لرفع معدل التطعيم مرة أخرى، وازداد الأمر سوءًا بسبب وسائل الإعلام غير المسؤولة والشكوك بشأن الدولة وكفاءة السلطات الصحية.
يقول زويتن: “تسبب ذلك في انتشار الفكرة التي تقول إن الإدارة الصحية لا ترقى للمعايير القياسية، وهو أمر غير صحيح، لقد دربنا الأطباء والممرضات جيدًا، واشترينا الكثير من المواد وأجهزة التنفس الصناعي وأسطوانات الأكسجين، لن تصدق كم استثمرنا لزيادة سعة وحدات الرعاية المركزة في البلاد، ومع ذلك ما زال الناس يعتقدون أن النظام الصحي غير قادر على الاستجابة لاحتياجاتهم”.
لذا يعد تعزيز الشخصيات العامة لسلامة اللقاحات أمرًا مهمًا للغاية، في خطوة يصفها زويتن بأنها “تاريخية” لتغيير التصورات، دعا رجل الدين الشيعي المؤثر مقتدى الصدر جميع العراقيين إلى الحصول على اللقاح، ونشر مقطع فيديو له وهو يتلقى اللقاح مساء الخميس.
كان الصدر سابقًا من المشككين في الجائحة ودعا عدة مرات لتجمعات كبيرة بين أتباعه، مشيرًا إلى أن قوة الدعاء والصلاة ستدفع الوباء.
لكن تراجع عن شكوكه بعد ذلك، وهو الأمر الذي استقبله بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العراقيين بسخرية، وفقًا لـ”ناس نيوز” فقد قال الصدر: “لقد تلقيت اللقاح من أجل الشعب فلا تخذلوني، تعالو واحصلوا على اللقاح وكل شيء سيكون جيدًا”.
في يوم الجمعة قال غايب العميري عضو لجنة الصحة في البرلمان والنائب عن تحالف “سائرون للإصلاح” الداعم لمقتدى الصدر، إن عدد الأشخاص المسجلين عبر الإنترنت للحصول على اللقاح في زيادة.
ووفقًا لـ”ناس نيوز” فقد كتب العميري في تدوينة أن “أكثر من 610 آلاف شخص تقدموا للمنصة الإلكترونية للحصول على اللقاح في غضون نصف ساعة”.
إعادة بناء النظام الصحي
منذ أن ضربت الجائحة العراق لأول مرة في فبراير/شباط 2020، كانت هناك تحذيرات متكررة من خبراء الصحة والأطباء بأن النظام الصحي للبلاد قد يصل إلى أقصى حدوده، فبعد عقود من الحروب والعقوبات، أصبح النظام الصحي العراقي الذي كان يتم الإشادة به سابقًا على شفا الانهيار رغم الجهود التي يبذلها المسؤولون والعاملون في مجال الصحة.
ما زال الجدل مستمرًا بشأن انفجار مستشفى ابن الخطيب مع إصدار مذكرات توقيف لعدة موظفين في المستشفى وإيقاف وزير الصحة في البلاد عن العمل.
في النهاية، يقول الطبيب البغدادي إن النظام الصحي بأكمله يحتاج إلى إعادة بناء من نقطة الصفر، وهي عملية غير قابلة للتطبيق قريبًا لسوء الحظ، ويضيف “إننا بحاجة لإعادة بناء النظام الصحي من جديد، وهذه العملية تحتاج إلى موارد جديدة والكثير من المال”.
كما قال إن الأطباء أيضًا بحاجة إلى تحسين البيانات وساعات العمل اليومية وتحسين رواتبهم وتعليمهم وجميع أنواع التحسينات الأخرى، لأن الكثير من الأطباء يفكرون الآن في الهجرة خارج العراق.
المصدر: ميدل إيست آي