في وقت سابق من هذا العام، وحين استمرت الموجة من الثورات المضادة والقمع في محاولة دحر الثورات الشعبية الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وجد أحد نشطاء الربيع العربي الأكثر شعبيةً على شبكة الإنترنت نفسه قابعاً في زنزانة السجن.
إياد البغدادي، وهو مدون وناشط على موقع تويتر برز لأول مرة خلال الثورات في مصر وتونس، اعتقل من قبل السلطات في دولة الإمارات العربية المتحدة في إبريل/نيسان. اعتقل، وسجن، ومن ثم طرد من البلاد، وهو يعيش في ماليزيا منذ ذلك الحين.
وحافظ البغدادي، وهو مواطن فلسطيني ولد ونشأ في الإمارات العربية المتحدة، على حضور نشط للغاية في وسائل الإعلام الاجتماعي خلال ثورات الربيع العربي إلى أن توقف فجأة عن نشاطه هذا في وقت سابق من العام الحالي، وبعد وقت قصير من وفاة صديقه الناشط المصري المعروف، باسم صبري. وكان آخر تويت للبغدادي، عن وفاة صبري، في 30 إبريل.
Don't call this a virtual world. The ideas are real, the friendships are real. The tears are real.
— İyad el-Baghdadi | إياد البغدادي (@iyad_elbaghdadi) April 30, 2014
وفي اليوم التالي، استدعي البغدادي إلى مكتب الهجرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تم اعتقاله، وإبلاغه بأنه سيرحل فوراً من البلاد. ويقول البغدادي: ” في صباح اليوم الذي تم فيه اعتقالي، استيقظت وأنا لا أزال أبكي خسارته … لم أتمكن من إقامة الحداد له مثلما فعل الأخرون“.
وعلى الرغم من إقامته طيلة حياته في الإمارات العربية المتحدة، كمواطن فلسطيني، لم يكن بإمكان البغدادي اللجوء إلى استئناف هذا القرار. وبما أنه لم يكن بالمستطاع ترحيله إلى فلسطين، فقد أعطي خياراً إما الاعتقال إلى أجل غير مسمى أو الترحيل إلى ماليزيا. واختار ماليزيا.
وسجن البغدادي في ظل ظروف صعبة لعدة أسابيع في الإمارات العربية المتحدة قبل ترحيله. وعند وصوله إلى مطار كوالالمبور الدولي في 13 مايو، كان يفتقر حتى إلى امتلاك وثائق سفر سليمة أو بطاقة هوية. ولدى وصوله، رفضت السلطات الماليزية منحه حق الدخول إلى البلاد، وهو ما اضطره لقضاء ثلاثة أسابيع كاملة في المطار، قبل أن تقوم السفارة الفلسطينية في البلاد بإقناع السلطات بأن تعترف به كحالة استثنائية.
ولم يتم اتهام البغدادي بارتكاب أي جريمة خلال أي نقطة من محنته، وقد أبلغه مسؤولو الهجرة في الإمارات الذين قاموا بطرده أنه لم يكن هناك أي شكوى جنائية ضده. ولكن البغدادي يعتقد أن المسؤولين في الإمارات العربية المتحدة كانوا غاضبين من نشاطه على الإنترنت. وعند القبض عليه، ورداً على أسئلة بخصوص سبب احتجازه، قال له أحد المسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة ببساطة: “عليك أن تحاول أن تتذكر إذا ما كنت قد قلت أي شيء قد يسبب شيئاً من هذا القبيل“.
ولم يستجب أي من العاملين في السفارة الإماراتية في الولايات المتحدة على طلب معدو التقرير للتعليق على هذه القضية. إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعاملت بقسوة مع المعارضة وأنصار الحريات المدنية. وفي العام الماضي، حكمت البلاد على 69 من المعارضين السياسيين بالسجن لمدد طويلة، هي 10 سنوات لمعظمهم، بتهمة التآمر “لإسقاط النظام السياسي في البلاد”، وذلك في أعقاب محاكمة جماعية شابتها مزاعم التعذيب وحدوث انتهاكات لمعايير المحاكمة العادلة.
ويقول نيكولاس مكغيهان، وهو باحث من هيومن رايتس ووتش: “قضية إياد هي من أعراض جنون العظمة الذي تعاني منه دولة الإمارات العربية المتحدة، وخوفها من الفكر النقدي وحرية التعبير”.
وعلى الرغم من أن البغدادي تجنب انتقاد قادة البلاد مباشرةً، إلا أنه كان قد أصبح في الأسابيع والأشهر التي سبقت اعتقاله أكثر انتقاداً على نحو متزايد للجوانب المثيرة للجدل في السياسة الخارجية الإماراتية.
وعلى وجه الخصوص، كان قد أدلى بانتقادات حادة بشأن وحشية الدكتاتورية العسكرية، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في مصر، وزعيمها عبد الفتاح السيسي.
وخلال الانتفاضات العربية، اشتهر البغدادي لخلقه الهاشتاج الثوري ArabTyrantManual#، وكذلك لتوفيره الترجمة الإنجليزية لفيديو اليوتيوب الذي قامت فيه الناشطة المصرية، أسماء محفوظ، بالدعوة إلى الاحتجاجات في ميدان التحرير. وخلال الانتفاضات، تمت الإشارة إلى تغريدات وتعليقات البغدادي في صحف عالمية، مثل نيويورك تايمز والغارديان.
وقال إتش إي هيلير، وهو خبير وزميل مشارك في معهد الخدمات المتحدة الملكي، ومقره المملكة المتحدة: “مثل كثير من الناس، التقيت للمرة الأولى بإياد البغدادي على الإنترنت، وأعجبني اتساقه في انتقاد القوى السياسية المختلفة، واعتماده على المبدأ، بدلاً من التحزب”.
والبغدادي، والذي كانت زوجته حامل بالشهر السابع وقت اعتقاله وترحيله، تقطعت به السبل في ماليزيا منذ طرده من دولة الإمارات العربية المتحدة. وخلال هذا الوقت، تم فصله إلى حد كبير عن عائلته، والتي بقيت في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان غير قادر على أن يكون حاضراً عند ولادة أول طفل له.
وللعيش في بلد المنفى بدون وضع قانوني، ومع عدم القدرة على البحث عن عمل، ولا اتصالات، اضطر البغدادي إلى الاعتماد على الدعم المالي من الأهل والأصدقاء من أجل البقاء. وفي الوقت نفسه، كان قد توقف عن الحديث على الإنترنت، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى أن عائلته بقيت في الإمارات العربية المتحدة وكان يخشى عليها من العقاب.
وبينما ظل البغدادي صامتاً إلى حد كبير، واختفى بشكل واضح من وسائل الإعلام الاجتماعي، ما زال يحاول بهدوء إطْلاع جماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الربحية الأخرى على قضيته. ولتحقيق هذه الغاية، من المتوقع أن يلقي البغدادي كلمة في مؤتمر لحقوق الإنسان في أوسلو في النرويج هذا الأسبوع، وذلك في أول ظهور له أو تصريح علني منذ اعتقاله.
وكانت زوجة البغدادي وطفله الصغير قادرين على الانضمام إليه في ماليزيا للمرة الأولى منذ اعتقاله الأسبوع الماضي فقط. وقال البغدادي: “إنه يكسر قلبي أن أقابل عائلتي ومن ثم يجب أن أقول لهم وداعاً بعد ثلاثة أيام فقط“. وأضاف: “لكنني سعيد لأنني حصلت على الفرصة لرؤيتهم، على الأقل“.
وعلى الرغم من كل هذا، لا يزال البغدادي ملتزماً بثبات بقضيته، ويقول:
“على الرغم من كل ما مررت به وكل الآلام التي لحقت بعائلتي، أنا بخير. ولكن من هم ليسوا بخير هم الناس القابعين في غرفة الترحيل في سجن آل سعد في أبي ظبي، أو الناس العالقين في المطار منذ شهور ولا أحد يسمع عنهم، أو اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين يعيشون في الشوارع في كوالا لامبور، أو الناس الذين لم يصلوا وإما قتلوا في الوطن أو غرقوا خلال محاولتهم الهرب، أو الذين يتعرضون للتعذيب في السجن … إذا كان هناك شيء أريد أن يدركه العالم، فهو أن الربيع العربي هو خلاصنا الوحيد … هذا وأتعهد إلى الله، أنني وحتى آخر أنفاسي ونبضات قلبي، لن أكون إلى جانب الطغاة“.
المصدر: ذا إنترسيبت / ترجمة: التقرير