رئيس الجمهورية قيس سعيد – قدس الله سره – من أسراره أنه لا يحتفل أيضًا بعيد الشغل! فبعد عدم الاحتفال بأعياد الاستقلال والجمهورية والثورة، جاء الدور على عيد الشغل لكي لا يحتفل به أيضًا الرئيس، ولربما يرغب فخامة الرئيس قيس سعيد في إعادة وضع برنامج الأعياد والعطل الرسمية في تونس من جديد على مزاجه وحسب نظريته الخاصة، تمامًا كما يفكر في إعادة تشكيل النظام السياسي برمته من جديد طبق أفكاره الخاصة المبتكرة، تمامًا كما أعاد مثلًا القذافي تشكيل النظام السياسي في ليبيا بنظرية جديدة وأعاد ترتيب الأعياد الوطنية وحتى الدينية، بل وأعاد حتى تسمية شهور السنة باختراع أسماء جديدة.
في الحقيقة فإن الرئيس قيس سعيد ربما احتفل على طريقته بعيد الشغل بعدم الاشتغال طيلة 8 أيام! إذ لم يظهر رئيس الجمهورية في أي نشاط رسمي منذ 22 من أبريل/نيسان الماضي، ليكون أمس يومه الثامن دون أي نشاط أو ظهور خاص أو عام! وهي ليست المرة الأولى التي يبقى فيها الرئيس سعيد لبضعة أيام دون ظهوره أو الإعلان عن أي نشاط له، لكن الفترات السابقة كانت أقصر ولم تتجاوز بضعة أيام.
لا وجود في دولة ديمقراطية لرئيس لا يظهر ولا يمارس عملًا أو نشاطًا معلنًا لمدة 8 أيام كاملة إلا في حالة خروجه في إجازة أو عطلة معلنة أو لسبب وجيه معروف أو أن يكون مريضًا، والرئيس الأسبق الباجي قايد السبسي اختفى بدوره أحيانًا لعدة أيام وكان معلومًا حينها أن كبر سنه وأمراضه تقعده عن العمل والظهور في عدة أوقات.
بعيدًا عن المرض والإجازات والموانع المعلنة فإنه فقط في الأنظمة الديكتاتورية يمارس حكامها عادة الاختفاء المفاجئ لمدة أيام دون أي إعلام أو تفسير أو تبرير، ذلك أن الحاكم الفرد لا يشعر أنه مسؤول أمام الشعب ومطالب بالعمل والنشاط كل يوم لتأدية وظيفته التي انتخبه لأجلها، ولا أنه موضوع محاسبة من أي طرف، ولا أن عليه واجب إعلام الشعب بتوقفه عن النشاط.
وربما يعتبر الحكام الديكتاتوريون أن لعبة الاختفاء تقوي سلطتهم وشعبيتهم بما تثيره من غموض وشكوك وتساؤلات وبحث واهتمام، ومن الحكام الذين كانوا معروفين باختفائهم المفاجئ لفترات قد تطول أو تقصر بما يثير الشكوك والريبة بشأن وضعهم أو مرضهم أو إصابتهم أو حياتهم، العقيد معمر القذافي في ليبيا ماضيًا وكيم جونغ أون في كوريا الشمالية حاضرًا.
كانت غلطة بالتأكيد وما دمت أنت قيس سعيد سعيدًا ومرتاحًا لغيابك، فالبلاد سعيدة ومرتاحة أيضًا طالما فخامتك غائب وصائم عن النشاط والأخطاء والكوارث
على كل وإن كنا نرجو السلامة الصحية لرئيس الجمهورية قيس سعيد، فإنما نثير الموضوع كخبر ليس إلا، خاصة في ظل الظروف العصيبة والخطيرة التي تمر بها البلاد، ولا نلح عليه للرجوع للعمل أو النشاط لمجرد سماع أسطواناته المشروخة وتهديداته وخطاب العدوانية والكراهية الذي يبثه ولا تفسيراته المطاطية المغشوشة للدستور ولا الصلاحيات والسلطات الجديدة التي يحاول اختراعها لنفسه في كل مرة، فليلازم قيس سعيد الراحة والغياب ما بدا له ذلك، ومسامحينه في الشهرية.
لعل ما يؤكد كلامنا أنه وبعد 8 أيام كاملة من الغياب، ذهب الرئيس سعيد اليوم ليتناول الإفطار مع قوات الأمن والجيش المرابطة في جبل الشعانبي، ويطلع علينا كعادته بخطاب شعبوي ضحل وعدواني، فيكرر على مسامع الأمنيين إعلان نفسه أنه قائدهم الأعلى ويساوي بين التأويلات الدستورية التي تعارض تأويله للدستور وبين الإرهاب في الشعانبي! وقد نسي أو تناسى قيس سعيد أنه من يحاول خلق الفتنة بالسعي لاختراق المنظومة الأمنية وتأليب الأمنيين بطريقة ملتوية وخطيرة للانشقاق عن أصحاب السلطة السياسية عليهم دستورًا والدخول تحت “قيادته”، وذلك بمجرد تأويل وإعلان أحادي منه ليس محل إجماع وغير مسبوق قبل وبعد الثورة.
عفوًا يا فخامة الرئيس عن كل من تساءل عن غيابك، كانت غلطة بالتأكيد وما دمت أنت قيس سعيد سعيدًا ومرتاحًا لغيابك، فالبلاد سعيدة ومرتاحة أيضًا طالما فخامتك غائب وصائم عن النشاط والأخطاء والكوارث.