أصدر المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف تقريرًا حول قانون الإرهاب الجديد الذي أصدرته حكومة الإمارات العربية المتحدة.
التقرير الذي صدر أمس بتاريخ 21 أكتوبر، وحصل نون بوست على نسخة منه، جاء بعنوان “سلاح الإرهاب لتبرير القمع”، وناقش فيه القانون الإماراتي الجديد بكافة تفاصيله.
وكانت الإمارات قد أقرت في أغسطس الماضي قانونًا يعد سابقة في صيغته العقابية المتشددة والإفراط والتساهل في أحكام الإعدام والسجن المؤبد، وبحسب المركز الحقوقي فإنه “مهما كانت المبررات التي تحتم حماية الأمن القومي والحد من ظاهرة الإرهاب، فإن بعض مواد القانون حادت عن هذا الهدف لتصبح تجريمًا للمعارضة السلمية وإبداء الرأي المجرد ولكل من يدافع عن حقوق الإنسان”.
وبالتوازي مع القانون، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا اتهمت دولة الإمارات العربية المتحدة باعتقال نحو 10 ليبيين، لافتة أن السلطات ربما قد أخفت 2 منهم على الأقل قسرًا، بالإضافة إلى 6 إماراتيين آخرين.
وبحسب بيان أصدرته المنظمة الدولية، فإن الظروف المحيطة بعمليات الاحتجاز متفقة مع حالات سابقة قامت فيها السلطات باحتجاز مواطنين إماراتيين تعسفًا، وكذلك أشخاص من غير المواطنين لهم روابط مزعومة بالإخوان المسلمين، وقد تعرضت المجموعتان لمحاكمات غير عادلة وسط مزاعم ذات مصداقية عن التعذيب، على حد قول المنظمة.
وفي تقرير نشره مركز الإمارات للدراسات والإعلام (ايماسك) فإن عدد المعتقلين الذين مازالوا يقبعون في السجون الرسمية والسرية يبلغ في إحصائية دقيقة 204 معتقل يحملون 13 جنسية وهي (الإمارات، مصر، ليبيا، اليمن، قطر، تركيا، سوريا، فلسطين، لبنان، الأردن، تونس، جزر القمر، الجزائر)، فيما تفوق حالات الاعتقال منذ 2012 وحتى أكتوبر 2014، 500 حالة اعتقال.
وجاء الناشطون الإماراتيون أولاً بواقع 108 معتقل، بينهم 79 من النشطاء المطالبين بالإصلاحات السياسية، وشنت السلطات عليهم حملات متعاقبة منذ 2012 ،وجرى الحكم على 69 في أحكام سياسية فجّة تتعلق بحرية الرأي والتعبير في البلاد، فيما ينتظر عشرة آخرون محاكمتهم فيما تجري محاكمة واحد فقط منهم وهو الناشط أسامة النجار. وجميع هؤلاء المعتقلين أكدوا أنهم تعرضوا للتعذيب أثناء التحقيقات، فيما يقبع 23 سلفياً بتهمة دعم الثورة السورية، واثنين آخرين يجري محاكمتهم بدعم جبهة النصرة وأحرار الشام ضمن جنسيات أخرى.
وفيما يلي نص بيان المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بشأن قانون الإرهاب:
أقرت دولة الإمارات قانونًا جديدًا في شأن مكافحة الجرائم الإرهابية بتاريخ أغسطس 2014 يعد سابقة في صيغته العقابية المتشددة والإفراط والتساهل في أحكام الإعدام والسجن المؤبد، ومهما كانت المبررات التي تحتم حماية الأمن القومي والحد من ظاهرة الإرهاب فإن بعض مواد القانون حادت عن هذا الهدف لتصبح تجريمًا للمعارضة السلمية وإبداء الرأي المجرد ولكل من يدافع عن حقوق الإنسان.
ومعلوم أن الدول الموقعة على قرار مجلس الأمن رقم 60/288 التزمت أن يقوم مسار مقاومة الإرهاب على مبدأ أساسي وهو القضاء على الأسباب التي تؤدي إلى الإرهاب وهي:
- 1- غياب دولة القانون والمؤسسات وانتهاك حقوق الإنسان.
- 2- ألا تتعارض القوانين التي قد تصدر لمكافحة الإرهاب مع التزامات الدول بالمواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة باحترام حقوق الإنسان.
وبالنظر إلى القانون الصادر في الإمارات مؤخرًا نلاحظ العديد من الاختلالات التي تهدد الحريات العامة في البلاد.
تعريف الإرهاب والإرهابي
يحتوي قانون الإرهاب الصادر في أغسطس 2014 على تعريف مبهم وفضفاض لمفهوم الإرهاب يمكن أن يؤدي إلى تجريم أي شخص يعارض ممارسات الحكومة في إطار سلمي بدعوى ارتكابه لجريمة إرهابية.
إذ تجرم المادة 14 من القانون “كل من ارتكب أو امتنع عن فعل من شأنه أو قصد به تهديد استقرار الدولة أو سلامتها أو وحدتها أو سيادتها أو أمنها، أو مناهضًا للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم فيها، أو قصد به قلب نظام الحكم فيها أو الاستيلاء عليه، أو تعطيل بعض أحكام الدستور بطريقة غير مشروعة، أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي”.
وبذلك توحي هذه المادة أنه يشمل المعارضة السياسية والاحتجاج على نظام الحكم بالطرق السلمية لأنه قد يعتبر شكلاً من أشكال “تهديد استقرار الدولة” و”إضرارًا بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي” و”مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم”. ومعلوم أن القانون الدولي الخاص بمقاومة الإرهاب يشدد على أن يقتصر تعريف الإرهاب على الأعمال التي تتسبب في القتل أو الضرر الجسدي أو الأسر دون أن تشمل الاعتداء على الملكية أو المس من نظام الحكم أو النقد، ولا يقتصر الأمر على التعريف بل على العقاب الذي يقابله ليصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد وهي عقوبات قاسية يفترض أنها تنفذ على الجرائم الخطيرة والتي تعرض حياة الناس أو مجموعة بشرية ما إلى الخطر.
بينما المفهوم الشامل للإرهاب في القانون الإماراتي قد يستعمل لإدانة أي تحرك سياسي معارض أو مطالب بالإصلاحات بتعلة أنه نشاط “يهدد السلم الاجتماعي” أو “يمنع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها”، وقد يندرج ضمن هذا البند كل من يتظاهر في الطريق العام أو أمام مؤسسة عمومية أو يعطل سلطة من السلطات العامة في إطار عمل احتجاجي أو مطالبة بحق من الحقوق وإن لم يكن ذي صبغة سياسية.
وقد أشار المقرر الخاص لحقوق الإنسان إلى أنه لا يجوز أن تحتج الدولة بالأمن القومي مسوغًا لاتخاذ تدابير ترمي لقمع المعارضة أو لتسويغ الممارسات القمعية ضد سكانها.
مفهوم الغرض الإرهابي
كما يبدو مفهوم الغرض الإرهابي عامًا ويفتقد إلى الدقة بما قد يؤدي إلى إحالة أي عمل أيًا كانت طبيعته إلى دائرة العمل الإرهابي واعتباره يهدف إلى “تحقيق نتيجة إرهابية”(الفصل 1 المادة 1)، ويؤكد هذا الاحتمال ما جاء في تعريف “النتيجة الإرهابية” في الفصل الأول باعتبارها “إثارة الرعب بين مجموعة من الناس، أو إزهاق الأرواح أو التسبب في أذى بدني جسيم، أو إلحاق ضرر ذي شأن بالممتلكات أو البيئة، أو الإخلال بأمن المجتمع الداخلي أو الدولي، أو معاداة الدولة، أو التأثير على السلطات العامة في الدولة أو دولة أخرى أو منظمة دولية في أدائها لأعمالها…” ويمكن تحت هذا البند إدراج أي عمل معارض ضمن “معاداة الدولة” أو “التأثير على السلطات العامة”؛ فتصبح المنشورات أو الكتابة التي تكشف انتهاكات النظام وتجاوزاته والمطالبة بالحريات وبإطلاق سراح المعتقلين ضربًا من “الإرهاب”.
القوانين العقابية في دولة الإمارات اشتملت على معظم الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون لكن هذا القانون أضفى عليها صفة الإرهاب، فكل فعل مهما كان حجمه وخطورته فقط وبمجرد إضافة “وكان ذلك لغرض إرهابي” يتحول إلى جريمة أمن دولة والفاعل إرهابي.
بل إن المادة 39 من قانون الإرهاب اعتبرت كل الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والقوانين العقابية الأخرى تصبح جرائم إرهابية فقط بمجرد إضافة عبارة “لغرض إرهابي” أمامها.
التنظيم الإرهابي
كما يعرف القانون التنظيم الإرهابي بشكل واسع وقابل للتأويل وقد يدفع إلى تصنيف أي منظمة تمارس حقها في حرية التعبير ضمن المنظمات الإرهابية باعتبار شمولية مفهوم الفعل الإرهابي وما ينتج عنه وتوسعه ليشمل المعارضين وكل من ينتقد سياسة الحكم، فكل مجموعة ترتكب جريمة إرهابية أو تشارك فيها أو تهدد بارتكابها أو تهدف أو تخطط أو تسعى لارتكابها أو تروج أو تحرض على ارتكابها، تندرج ضمن مسمى “التنظيم الإرهابي” ويعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد كل من “أنشأ أو نظم أو أدار أو تولى قيادة” في هذا التنظيم، وتسلط نفس العقوبة على كل من انضم أو التحق بهذا التنظيم أو شارك في أعماله، بينما تسلط عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت على كل من “يسعى للانضمام أو الالتحاق بتنظيم إرهابي أو المشاركة في أعماله بأية صورة مع علمه بحقيقته أو بغرضه”؛ وبناء على ذلك يصبح كل من يشتبه في علاقته من قريب أو من بعيد بمنظمة تصنفها الدولة “اعتباطيًا” كمنظمة إرهابية، محل تتبعات ومهددًا بالإعدام وهو أقصى العقوبات، وكل من “سعى” فقط للانضمام إليها يعاقب بالسجن المؤبد بما يعني أن مجرد التفكير أو النية تعتبر جرمًا خطيرًا يعادل القيام بالفعل، ويصبح من سعى ومن نفذ كلاهما سواء في الجرم والعقوبة.
كما تطال العقوبات السجنية كل من يدعم ماديًا أو معنويًا بأي شكل من الأشكال تنظيمًا أو شخصًا على صلة بالإرهاب، وتشمل أشكال المساعدة كل من “أمد تنظيمًا إرهابيًا أو شخصًا إرهابيًا بمهمات أو مستندات صحيحة أو مزورة أو وسائل اتصال أو أي أدوات أو معلومات أو مشورة أو سكن أو مأوى أو مكان للاجتماع أو غير ذلك من التسهيلات التي تعينه على تحقيق غرضه”، وتتراوح العقوبة بين العشر سنوات سجنًا والمؤبد، أي شخص يقدم نصحًا أو دعمًا بسيطًا كان أو كبيرًا لمعارض سياسي قد يجد نفسه محاكمًا تحت طائلة قانون الإرهاب.
كما يعطي القانون صلاحيات مطلقة لمجلس الوزراء لإصدار قرار يتضمن إنشاء قائمة أو قوائم تدرج فيها التنظيمات أو الأشخاص الإرهابيون والتي تشكل خطرًا على الدولة، وقد يفتح ذلك المجال واسعًا للحكومة كي تحشر أي تنظيم معارض ضمن قائمة الإرهاب دون تحديد مقاييس واضحة، وقد شدد القانون الدولي في هذا الخصوص على ضرورة “اعتماد إجراءات شفافة ومقاييس واضحة لهذه القائمات مع تقديم إثباتات دامغة وآليات عملية لدراسة الملفات تكون مستقلة ومعروفة”.
كما أن الاستراتيجية الأممية لمكافحة الإرهاب تقيد تصنيف جمعية ما ضمن قائمة الإرهاب بأن يكون القرار صادرًا عن جهة قضائية مستقلة وليس عن مؤسسات حكومية كما هو واقع الحال في الإمارات، وأكد أيضًا المقرر الخاص بحقوق الإنسان على أن تنصيب جهة قضائية مستقلة تراقب مدى شرعية تدابير مكافحة الإرهاب وتشرف على تطبيقها دون ضغط أو تدخل، هو مبدأ أساسي في سياق مكافحة الإرهاب حتى لا تختبئ الحكومات خلف شعار المعلومات السرية للحد من حرية التجمع أو التكوين السلمي للجمعيات بناء على معلومات سرية لا يمكن التحقق منها أو الاعتراض عليها ومن شأن هذا الإشراف القضائي أن يضمن تحميل المسئولية للحكومة وخضوعها للمساءلة عند حدوث أي انتهاك أو تجاوز.
المحاكم المختصة
تحال قضايا الإرهاب حسب القانون إلى المحكمة المختصة بجرائم أمن الدولة وهي التي تقوم بالبت في الأحكام، ومعلوم أن هذه المحاكم تختص في قمع المعارضين وممارسة أحكام ترهيبية لردع كل من تخول له نفسه أن ينتقد سياسيات الدولة أو أحد رموزها، فهي محاكم استثنائية تستخدم لمقاضاة كل من ترى فيهم الحكومة تهديدًا لها وتوفير تغطية قضائية لاضطهاد النشطاء.
فبتعلة “الإضرار بالوحدة الوطنية” و”مناهضة سياسة الدولة” أصدرت محكمة أمن الدولة في صائفة 2013 أحكامًا جائرة في حق عشرات المواطنين الذين طالبوا بالإصلاح السياسي وبإطلاق الحريات في البلاد.
وفي هذا القانون نلاحظ إمعانًا من السلطة الحاكمة في مزيد من دعم صلاحيات محكمة أمن الدولة وجهاز أمن الدولة فبمجرد أن يضاف “اُرتكب لغرض إرهابي” يتحول أي فعل إجرامي إلى قضية أمن دولة، وبهذا القانون أصبح سيف الأمن مسلطًا على رقبة أي مواطن ولو ارتكب جنحة يمكن أن ترقَّي إلى درجة جريمة إرهابية تهدد أمن الدولة.
عقوبات غير مسبوقة
يبدو جليا من خلال المواد 9 و10 و11 و12 و15من القانون الاتحادي أن هناك نية التنكيل بالمعارضة السياسية والجمعيات الحقوقية تحت مظلة مكافحة الإرهاب، حيث تجيز عقوبة الإعدام أو المؤبد لكل من شرع أو قام بالاعتداء على سلامة رئيس الدولة أو نائبه أو أحد أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد أو أولياء عهودهم أو نوابهم أو أفراد أسرهم، بينما يعاقب بالسجن المؤقت كل من يعلن بإحدى الطرق العلانية عداءه للدولة أو لنظام الحكم فيها أو عدم ولائه لقيادتها، وقد يعتبر نشر بيان معارض لسياسة الحكومة أو فيه انتقاد لرئيس الدولة أو أي نوع من المعارضة السلمية شكلاً من أشكال “العداء للدولة ونظام الحكم”.
كما تجيز عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت لمجرد مد تنظيم أو شخص مهمة أو مستندًا صحيحًا أو مزورًا أو وسائل اتصال أو أي أدوات أو معلومات أو مشورة أو سكن أو مأوى أو مكان للاجتماع، ويعاقب بالسجن المؤقت لا تزيد مدته عن عشر سنوات كل من روج أو حبذ بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة أخرى لأي تنظيم إرهابي أو شخص إرهابي أو جريمة إرهابية؛ وبالتالي يقرر القانون عقوبة المؤبد على النوايا وليس على أساس الجرائم المرتكبة.
إن نزوع المشرع لتبنى تعريفات غير منضبطة للعمل الإرهابي والنزوع لتوسيع نطاق التجريم على أفعال لا تشكل بالضرورة جريمة إرهابية، يضع نصوص القانون بشقيه العقابي والإجرائي خارج إطار قواعد المشروعية الجنائية، ويزيد من خطر ذلك عدم تناسب العقوبات مع الأفعال المجرمة، ويتبدى ذلك على وجه الخصوص في المواد 9 و12 التي تعاقب على مجرد الشروع في أي من الجنايات والجنح في جرائم الإرهاب بالعقوبة ذاتها المقررة للجريمة التامة.
ففي الوقت الذي يتجه فيه المجتمع الدولي لإبطال عقوبة الإعدام أو على الأقل الحد من الجرائم التي تقضى التشريعات الوطنية بتطبيق عقوبة الإعدام فيها، أجاز المشرع عقوبة الإعدام في 53 حالة وهي سابقة خطيرة؛ “مما يليق أن نطلق على هذا القانون مسمى قانون الإعدام”.
ومن الملفت للانتباه أن عقوبة الإعدام في العديد من الحالات تسري حتى وإن لم يترتب على الفعل وفاة أشخاص، وذلك دون تفرقة في العقوبة بين الأفعال التي تستهدف القتل العمد أو إلحاق أكبر ضرر بالأرواح، وتلك الأفعال التي قد يترتب عليها بصورة غير متعمدة أو مخطط لها سقوط الضحايا.
استقر مبدأ العقوبة على قدر الجريمة كمبدأ للعدالة الدولية، وتغليظ العقوبات المقررة في مشروع القانون هذا مخالف لهذا المبدأ.
كما يجرم القانون ويعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من يمنع إحدى مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها وكل من يشارك في إعداد اجتماع أو تجمع أو يشترك فيه؛ ولذلك يمكن أن تكون مجرد مسيرة احتجاجية سلمية سببًا في منع مؤسسات الدولة من أداء أعمالها ويعاقب بالسجن المؤبد من شارك واشترك فيها على حد السواء.
كما يكفي أن يهدد شخص ما بتعطيل مرفق عمومي أو أحد رجال الدولة والعائلة الحاكمة أو يكسر نافذة إحدى البنايات أو يهدد بارتكاب أي من الأعمال المذكورة في حركة احتجاجية حتى تتم محاكمته على أنه إرهابي ويكون مصيره الإعدام.
وقد نص قرار مجلس الأمن رقم 1566 لسنة 2004 على تحديد تعريف دقيق للعمليات الإرهابية بحصرها في الجرائم التي:
- 1- ترتكب ضد المدنيين بقصد القتل أو إلحاق إصابات جسمانية خطيرة.
- 2- أخذ الرهائن، بغرض إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين، أو لتخويف جماعة من السكان.
- 3- إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به.
- 4- تشكِّل جرائم في نطاق الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة بالإرهاب.
ويشدد القرار على أنه وفقًا لهذا التعريف، لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف تبريرها بأي اعتبارات ذات طابع سياسي أو فلسفي أو عقائدي أو عنصري أو عرقي أو ديني أو أي طابع آخر من هذا القبيل.
بينما المتأمل في نصوص قانون الإرهاب الإماراتي يلاحظ كثافة المواد التي تشير إلى معارضة الدولة تلميحًا أو تصريحًا وإدراجها في خانة الجرائم الإرهابية الخطيرة بتسليط أشد العقوبات، وهو تعدي صارخ على حرية التعبير وحق المواطنين في ممارسة أي نشاط سياسي يهدف إلى إرساء نظام حكم ديموقراطي تعددي.
الإيقاف التحفظي
يعطي الفصل 49 صلاحيات موسعة للنيابة لتقوم بتمديد فترة التحقيق والإيقاف كما يحلو لها على ألا تتجاوز ثلاثة أشهر وقد تتجاوزها بأمر من المحكمة لمدد مفتوحة؛ وبالتالي قد يبقى المعتقل رهن الإيقاف لشهور تحت ذمة التحقيق مما قد ينتج عنه تعذيب وسوء معاملة في استنطاق الموقوفين ولفترات طويلة دون حضور محامي أو إطلاع على ظروف التحقيق، عدا عن وجود أشكال في صلاحية المحكمة للتمديد بلا حدود وهو انتهاك واضح في تقييد الحرية لمدد غير معلومة وغير منصوص عليها في القانون.
وتنص الاتفاقية الدولية حول تمويل الإرهاب على أن تلتزم الدول باحترام حقوق الموقوفين وضمان معاملة عادلة لهم، وفقًا لما ينص عليه القانون الدولي حول حقوق الإنسان. (المادة 17)
مركز المناصحة
تعتبر المواد المتعلقة بمن تحوم حوله شبهات أو يعتقد أنه يشكل “خطورة إرهابية” شخصًا محل تتبع يُمنع من السفر ويخضع للمراقبة وتُحظر إقامته في مكان معين ويُحظر عليه ارتياد أماكن معينة ويُمنع من الاتصال، كما قد يُحال إلى مركز مناصحة، ولا يحدد القانون دور هذه المراكز ولا صلاحياتها ولا محتوى برامجها ويبقى المشتبه فيه رهن الإيقاف حتى يبت مركز المناصحة في حالته ويقرر إن كانت تتوفر فيه “الخطورة الإرهابية”.
ولا يحدد القانون مقاييس تقييم المركز للشخص ودرجة خطورته ويحصر الخطورة في تبني “الفكر المتطرف”؛ وهو ما يفتح الباب أمام التأويلات والاجتهادات وقد تشمل المناصحة كل من يعارض نظام الحكم ويدعو إلى التغيير والإصلاح باعتباره “إرهابيًا” يعلن “العداء للدولة” بموجب الفصل 15 حيث “يعاقب بالسجن المؤقت كل من أعلن بإحدى طرق العلانية عداءه للدولة أو لنظام الحكم فيها أو عدم ولائه لقيادتها”، وهو فصل واضح وجلي يصنف معارضة السلطة ضمن الجرائم الإرهابية، كما نتساءل ما هو مفهوم التطرف في نظر المشرع؟ وكيف يتأكد من تبني شخص ما لفكر متطرف وما هو معيار الفكر المتطرف ومن الذي يحدده؟
والخشية هي أن يستعمل الفصل 40 لاتهام أي شخص بالتطرف لمجرد انتمائه لجماعة تتبنى منهجًا إصلاحيًا سلميًا وإن كانت وسطية الفكر، باعتبار إدراج العداء للدولة ضمن الجرائم الإرهابية، واستعمال كلمات مثل الخطورة الإرهابية هو لعب بالألفاظ واختيار مبهم لعبارات قابلة للتأويل الواسع.
إن مواجهة العمليات الإرهابية بقوانين تتعارض مع الدستور وتقنن الممارسات القمعية ليس طريقًا لمكافحة الإرهاب، وتغليب المعالجات الأمنية القمعية التي تشكل انتهاكًا فظًا لحقوق الإنسان والحريات العامة سوف يسهم في اتساع نطاق ظواهر العنف والإرهاب المسلح؛ ولذلك يعتبر المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان هذا القانون سابقة خطيرة لما يحتويه من مواد قمعية ومقيدة للحريات العامة.
توصيات
يتعين على دولة الإمارات:
- 1. مراجعة قانون الإرهاب الجديد حتى يصبح متطابقًا مع المعايير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
- 2. التخلي عن الأحكام الجائرة المتضمنة في نص القانون وأهمها أحكام الإعدام التي استعملها المشرع بشكل مفرط واعتباطي واحترام تعهداتها أمام مجلس حقوق الإنسان في 2013 حيث التزمت في البند 128 – 130 بخفض عدد الجرائم التي يمكن فرض عقوبة الإعدام على مرتكبيها، والحال أنها تزايدت بإصدار هذا القانون.
- 3. العمل على ألا تكون مكافحة الإرهاب غطاء للحد من الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان.
- 4. احترام حق المواطنين في التعبير وتجنب الخلط بين الإرهاب والمعارضة السلمية.
- 5. ضمان احترام حقوق الموقوفين في قضايا الإرهاب في محاكمات عادلة وعدم التعرض للتعذيب والمعاملة السيئة والمهينة.
- 6. التوقيع على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
- 7. ضمان استقلالية القضاء وإحداث هيئة قضائية مستقلة تراقب إجراءات التحري والتحقيق وتسهر على أن تكون كل الإجراءات المتبعة في إطار مكافحة الإرهاب تقوم على احترام حقوق الإنسان.
- 8. العمل على القيام بإصلاحات سياسية جذرية تكرس سيادة القانون واستقلال القضاء واحترام الحريات وحقوق الإنسان بدل اعتماد قوانين جائرة لتقييد حرية التعبير وقمع المعارضين بتعلة مكافحة الإرهاب.