ترجمة وتحرير نون بوست
بحسب تقرير جديد، فإن الضخامة والحجم الهائل لمخططات مدينة نيوم في المملكة السعودية تسببت برحيل الكثير من الموظفين.
هذا المشروع الذي تبلغ قيمته 500 مليار دولار، والذي أعلنت السلطات السعودية أن حجمه سيكون 33 ضعف مدينة نيويورك عند اكتماله، لا يعوزه الطموح.
إذ أن وثيقة من 2300 صفحة نشرت لأول مرة قبل عامين، كشفت أن هذه المدينة الجديدة سوف تحتوي على مركبات تاكسي طائرة، وروبوتات حربية، وديناصورات متحركة.
ثم في كانون الثاني/ يناير أعلن ولي العهد محمد بن سلمان أن أول عملية إنشاء ضخمة في هذا المشروع ستكون مدينة بطول 170 كيلومترا في خط مستقيم، ستطلق عليها تسمية “ذا لاين”، ولن تكون فيها أية سيارات أو طرقات أو انبعاثات كربونية.
إلا أن تقريرا جديدا نشرته وول ستريت جورنال، كشف عن هجرة جماعية لموظفي مشروع نيوم، الذين يعانون من ثقل هذه الأفكار الضخمة.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن مهندسي التخطيط الحضري عرضوا على ولي العهد مخططات أكثر بساطة لمدينة خالية من الانبعاثات الكربونية، خلال اجتماع مجلس إدارة نيوم في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. إلا أن الحاكم الفعلي للمملكة السعودية كان رده بحسب التقارير “أريد بناء أهراماتي”، داعيا المهندسين إلى التفكير بطريقة أكثر جرأة.
رؤية ولي العهد السعودي ترقى إلى كونها جنون العظمة، ومعنى ذلك الرغبة في إنشاء أعمال ضخمة بشكل غير طبيعي، وهذه كانت دائما من مظاهر المجتمعات الشمولية
المقارنة بالفرعون
أدت تعليقات ولي العهد إلى ظهور مقارنات بينه وبين الفراعنة المصريين في التاريخ القديم، بينما يسعى ولي العهد البالغ من العمر 35 عاما لترك بصمته في التاريخ.
وفي اتصال مع ميدل إيست آي، قالت عنه الناشطة السعودية علياء الحويطي: “إنه يعتقد أنه مركز العالم. كما لو أنه إله يرغب في خلق حضارة جديدة. وتماما مثل الفراعنة، فإن أي شخص يرفض رؤيته سوف يموت أو يختفي.”
يشار إلى أن علياء الحويطي المتواجدة في لندن، هي معارضة تنحدر من قبيلة الحويطات، الذين عاشوا في محافظة تبوك السعودية لعدة قرون، ولكنهم يواجهون الآن خطر الطرد من منازلهم لفسح المجال لهذه المدينة العملاقة.
كما كتب ناشط حقوق الإنسان عبد الله العودة تغريدة قال فيها: “إن قتل الصحفيين والمعارضين، وتهجير السكان الأصليين، وتعذيب النساء المدافعات عن حقوق الإنسان، واستعباد المواطنين لن يمكنك من بناء هرم في العالم الحديث.”
كما أضاف العودة: “إن الهرم الحقيقي هو الشخص الذي يتمتع بالكرامة والعدالة وحقوقه وحريته.”
وفي الأثناء قال خالد الجبري، إبن ضابط المخابرات السعودية السابق سعد الجبري، “إن رؤية ولي العهد السعودي ترقى إلى كونها جنون العظمة، ومعنى ذلك الرغبة في إنشاء أعمال ضخمة بشكل غير طبيعي، وهذه كانت دائما من مظاهر المجتمعات الشمولية، على غرار الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية.”
كما قارن بعض المعلقين بين محمد بن سلمان و أوزيماندياس، وهو الاسم الذي أطلقه اليونانيون على الفرعون المصري رمسيس الثاني.
هذه التسمية باتت الآن رديفة للحكام المستبدين والمهووسين بالإنشاءات العملاقة دون أن يستمر حكمهم طويلا. وقد اشتهرت هذه العبارة بفضل قصيدة تحمل هذا الاسم، كتبها في القرن التاسع عشر الشاعر بيرسي بيش شيلي.
وقد نشرت الأكاديمية لاليه خليلي جزء من قصيدة شيلي، وهي تحتوي على إسقاطات على مشروع ولي العهد محمد بن سلمان في وسط الصحراء.
وكما قالت إيناس عصمان المديرة والشريكة المؤسسة في مجموعة منا لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “إن رغبة محمد بن سلمان في بناء نسخته الخاصة به من الأهرامات هي فقط دليل على سخافة مشروع نيوم. إن التشبيه بالأهرامات هو تعبير مقيت، بالنظر إلى أن آلاف الرجال لقوا حتفهم أثناء بناء هذه الأهرامات. وبالتأكيد فإن المئات من العمال المهاجرين سوف يواجهون مصيرا مشابها أثناء بناء نيوم، إلى جانب أولئك الذين قتلوا بسبب احتجاجهم ضد عمليات الإخلاء القسري.”
وخلال العام الماضي كان مشروع إنشاء مدينة نيوم العملاقة قد تعرض لانتقادات لاذعة، بعد أن تم إطلاق النار على الناشط القبلي عبد الرحيم الحويطي، بسبب احتجاجه على قرار ترحيله من أرضه من أجل بناء وتوسيع المدينة.
ذكرت وول ستريت جورنال أنه عند إطلاق مشروع ذا لاين، خطط المنظمون لتركيب إضاءة قوية يمكن رؤيتها من الفضاء، لدرجة أن ولي العهد كان يأمل أن يتلقى مكالمة هاتفية من محطة الفضاء الدولية لتهنئته
مخطط لتشييد ناطحة سحاب بعرض 55 ميلا
وفي نفس تقرير وول ستريت جورنال تظهر تفاصيل أكثر غرابة حول مشروع البناء. إذ أن المهندسين في نيوم تلقوا أوامر بإنشاء حفرة بطول نصف ميل وارتفاع 30 طابقا في الجبل، لفسح المجال لبناء فنادق وإقامات.
هذه المعلومات سوف تثير الاستغراب بخصوص هذه المدينة التي يزعم أنها صديقة للبيئة، ومساعي المملكة لتحسين سمعتها كبلد يسعى لتحقيق الاستدامة البيئية.
كما ذكر التقرير أنه سيتم بناء 10 قصور في نيوم، كل واحد منها على مساحة أكبر من ملعب كرة قدم، ويصل سعر البيع إلى 400 مليون دولار لكل قصر.
وقالت إيناس عصمان: “حقيقة أن المستثمرين الدوليين لم يسارعوا لدعم هذا المشروع، هي في حد ذاتها مؤشر على عدم استدامته: ما هو عدد الأشخاص المستعدين لإنفاق 400 مليون دولار على منزل في الصحراء؟”.
كما ذكرت وول ستريت جورنال أنه عند إطلاق مشروع ذا لاين، خطط المنظمون لتركيب إضاءة قوية يمكن رؤيتها من الفضاء، لدرجة أن ولي العهد كان يأمل أن يتلقى مكالمة هاتفية من محطة الفضاء الدولية لتهنئته. ولكن بعد ذلك تم التخلي عن هذه المخططات وتقليص حجمها.
إضافة إلى ذلك فقد أشار التقرير إلى أن القائمين على مشروع نيوم كانوا يفكرون في إمكانية إنشاء ناطحة سحاب بارتفاع 1600 مترا وعرض 55 ميل، لجعلها على الأرجح أول خط في السماء في شكل مبنى واحد.
ولكن قالت علياء الحويطي حول هذه الفكرة: “إن هذا المشروع هو مجرد نكتة. ولا أحد يصدق ما يقوله محمد بن سلمان. ولا شيء من مشاريعه ورؤيته تحقق لحد الآن. عندما تتساءل أين هي السيارات الطائرة سوف يعلن عن مشروع آخر جديد خلال عشر سنوات إضافية، هكذا هو دائما يهرب للأمام”.
كما قالت الحويطي إنه في وقت تعاني فيه السعودية من ضعف البنية التحتية، كنتيجة للفيضانات الأخيرة بشكل خاص، يتم إهدار المال على مشروع نيوم.
وأضافت: “إن نيوم هي فقط حلم بوضع محمد بن سلمان في كتب التاريخ. ولكن لا شيء يحدث على أرض الواقع. إنه يحاول فقط إثارة إعجاب الغرب والتغطية على جرائمه.”
كما قالت هذه الناشطة المعارضة إنها لا تستغرب مغادرة الكثيرين من العاملين في هذا المشروع، بعد أن جربوا تحقيق تخيلات ولي العهد.
المصدر: ميدل إيست آي