تعاني المملكة المغربية من ظاهرة الطبقية الاجتماعية والتفاوت الكبير بين الفقراء والأغنياء، نتيجة استمرار عدم استفادة جميع سكان المملكة من ثروات بلادهم، لكن هذه الظاهرة ازدادت وضوحًا في السنة الأخيرة نتيجة جائحة كورونا التي عمّقت التفاوت الطبقي في المملكة.
الغني يزداد غنى
يظهر هذا التفاوت الطبقي من خلال العديد من المؤشرات، إذ ارتفعت أسهم أغنياء المملكة عما كانت عليه قبل جائحة كورونا، حيث ازدادت ثروة الملياردير عزيز أخنوش وعائلته بقيمة 900 مليون دولار دفعة واحدة، لتسجّل 1.9 مليار دولار، وفق آخر إحصاءات مجلة فوربس الأميركية الشهيرة.
يشغل أخنوش منصب وزير الفلاحة، كما ينشط في مجال توزيع الوقود والإنتاج الطاقي بفضل استثمارات مجموعته الاستثمارية أكوا، كما تملك زوجته، سلوى أخنوش، استثمارات كبيرة أيضًا ضمنها موروكو مول، الذي يعد أكبر مركز تجاري في المغرب.
أغدقت الحكومة على الفئات المحظوظة عديد الامتيازات، خاصة على مستوى الدعم الذي استفادت منه بشكل كبير.
كما ارتفعت ثروة رجل الأعمال المغربي عثمان بنجلون، مالك مجموعة بي إم سي إي أفريكا ورئيس شركة فينانس كوم، حيث بلغت قيمة ثروته خلال السنة الحالية 1.3 مليار دولار، بينما كانت السنة الماضية في حدود 1 مليار دولار.
إلى جانب نشاطه المالي، الذي يشمل إدارة أحد أكبر البنوك المغربية، ظل بنجلون يشغل مناصب أخرى ضمنها مستشار في جامعة الأخوين بمدينة إفران المغربية، بموجب تعيين من الملك الراحل الحسن الثاني.
يضاف إلى ذلك، أوضحت دراسة نشرتها مؤخرًا المفوضية العليا للتخطيط، احتكار خُمس أغنى المغاربة أكثر من نصف الدخل الذي يحصلون عليه سنويًّا على المستوى الوطني، متجاوزين “العتبة المقبولة اجتماعيًّا”، بينما يمتلك 20٪ من الأفقر 5.6٪ فقط من الدخل الذي تجمعه الأسر المغربية، حسب المعهد المغربي المسؤول عن الإحصاء.
ارتفاع نسبة الفقر
كما تكشف الدراسة أن خُمس الأغنياء يكسبون -بمتوسط دخل سنوي للفرد 57400 درهم (حوالي 5300 يورو)- 10 مرات أكثر من 20٪ من السكان الأقل ثراءً (6000 درهم أو حوالي 550 يورو).
وسبق أن أكدت تقارير رسمية تضاعُف معدل الفقر 7 مرات في المغرب ومعدل الهشاشة مرتين، إذ قالت المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيئة الإحصاءات الرسمية: “في سياق الأزمة الصحية، تضاعف معدل الفقر 7 مرات على الصعيد الوطني، حيث انتقل من 1.7% قبل هذه الأزمة إلى 11.7% خلال الحجر الصحي”، الذي استمر أزيد من ثلاثة أشهر.
كما تضاعف معدل الهشاشة “بأكثر من مرتين حيث انتقل من 7.3% قبل الحجر الصحي إلى 16.7% أثناء الحجر الصحي”، خصوصًا في الأرياف، رغم المساعدات الحكومية التي استفادت منها نحو 5 ملايين أسرة خلال ثلاثة أشهر.
كان الفقر قديمًا في المغرب “ظاهرة قروية بامتياز”، حيث ترتكز النسبة الأكبر من الفقراء في الريف فيما تتقلّص النسبة في المدينة، لكن الآن نتيجة تأثيرات جائحة كورونا المتواصلة في المملكة منذ أكثر من سنة، فإن الفقر أصبح منتشرًا في كل البلاد.
كورونا ومنوال التنمية
يرى الناشط في المجتمع المدني عبد الوهاب الحسيمي أن جائحة كورونا زادت من تعميق التفاوت الاجتماعي في المغرب، فالملاحظ أن الفئات التي أدت الثمن أكثر هي الفئات الهشة والفقيرة، وفق قوله، أما الفئات الغنية الميسورة فلم تتأثر.
حيث يقول الحسيمي في حديث لـ”نون بوست”: “لوحظ استغلال الفئة الغنية للوباء لتحقيق أرباح خيالية”، ويضيف: “عدم تبني الحكومة المغربية، لسياسة عمومية تحمي الفئات الفقيرة من تداعيات كورونا، خاصة خلال فترة الإغلاق الشامل بسبب الحجر الصحي، جعل أزمة هذه الفئات تتعمق وتستفحل أكثر”.
في مقابل ذلك، أغدقت الحكومة على الفئات المحظوظة عديد الامتيازات، خاصة على مستوى الدعم الذي استفادت منه بشكل كبير من صندوق تدبير جائحة كورونا، وكذلك تم تمكينها من امتيازات ضريبية مهمة، وفق قول عبد الوهاب الحسيمي، وحسب إحصاءات رسمية تستفيد 20% من الأسر الغنية في المغرب من 30% من ميزانية الدعم، في حين يستفيد 20% من الأسر الفقيرة من 13% من ميزانية الدعم.
في ظل غياب تام للحماية الاجتماعية، أثّرت جائحة كورونا على أفقر شرائح السكان في المغرب.
يشدد محدثنا على أن التفاوت الاجتماعي في المغرب في الظروف العادية، أي قبل الجائحة، كان صارخًا. فباعتراف الدولة مؤخرًا، يعرف المغرب أزمة اجتماعية عميقة، وهو ما تجلى في إعلان أعلى سلطة في البلاد عن فشل النموذج التنموي الذي كان معمولًا به لعقود، وتشكيل لجنة تضع تصورًا لنموذج تنموي جديد.
وسبق أن عيّن الملك محمد السادس أواخر عام 2019 لجنة عهد إليها صياغة نموذج تنموي جديد يعمل على الحد من الفوارق الصارخة في المملكة، لكن إلى الآن لم يحصل جديد بل العكس حيث التفاوت الاجتماعي زاد حدة، وفق ما تبينه عديد التقارير.
وتؤكد التقارير الوطنية والرسمية العديدة والتقارير الصادرة عن مؤسسات دولية تحظى بمصداقية عالية، أن الأزمة الاجتماعية في المغرب هي أزمة كبيرة وعميقة، فحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، سنة 2018 (يعني قبل الجائحة)، أن 2.4 مليون شخص مغربي يعملون في القطاع غير المهيكل لا يستفيدون من التعويضات العائلية، 60% من الفئات النشيطة لا يستفيدون من أي حق في المعاش، و54.5% من السكان المغاربة ليس لهم أي تغطية صحية.
هذا الوضع ازداد سوءًا مع جائحة كورونا، ففي ظل غياب تام للحماية الاجتماعية، أثّرت الجائحة على أفقر شرائح السكان في المغرب، إذ أكد تقرير صادر مؤخرًا عن البنك الدولي حول الوضع الاجتماعي في المغرب، أن الجائحة كان لها وقع على نحو لا يتناسب مع ظروف وكسب الرزق للآلاف من الأسر.
وتشير التقديرات إلى أن جائحة كورونا تسببت في فقدان نحو 712 ألف مواطن مغربي لوظائفهم في القطاع المهيكل، وما لا يقل عن 4 ملايين وظيفة في القطاع غير المهيكل. بالإضافة إلى تأثيرها على الدخل، فقد شكلت جائحة كورونا تحديًا أمام كثير من الأسر المغربية الهشة وأطفالها على متابعة دراستهم، وفق عبد الوهاب الحسيمي.
صحيح أن جائحة كورونا أثرت كثيرًا على المجتمع المغربي، لكن تفاقم التفاوت الاجتماعي في البلاد يؤكد أن السياسات العمومية في هذا المجال غير ذات جدوى، وفيها الكثير من السياسات الفاشلة، ونتيجة استمرارها استفاد الأغنياء من مساعدات الدولة وازدادوا غنى فيما ازداد الفقراء فقرًا.