رغم حيوية الشباب وحماسته وتضحايته النبيلة وقدراته الفائقة على الصمود والتحدي والمواجهة والثبات في مواجهة الظلم ومقاومته ومناهضته وتقديم شبابه ومستقبله وحياته رخيصة في سبيل فكرته وثورته، ورغم دوره المنشود والمأمول في بناء الأمة وعودتها إلى الجادة والصواب وارتيادها مكانها الطبيعي بين الأمم، إلا أنه قد يكون في بعض الأحيان وفي كثير من التنظيمات المغلقة التي تمتلك جيوش من الشباب المخلص، سببًا رئيسيًا من أسباب الهزيمة بل وأشد أسبابها قوةً وخطرًا.
والمتتبع لشأن الشباب الإخواني تجد سواده الأعظم – والذي لا حياة للأمة بدونه – لايختلف كثيرًا عن شيوخه وقادته، بل قد يتقدم الشباب، الشيوخ في كثير من الأمور التي أضرت بمسار الجماعة ومستقبل الأمة وثورة يناير، مثل قبول أخطاء الشيوخ وانحراف مسارات القادة واختياراتهم وآرائهم والرضا بها والتعامل معها والتبرير لها وتقديم دعم قوي لها وخلق رأى عام ضاغط لصالحها وجعلها أمرًا واقعًا لامفر منه ولا حل غيره، وقد لاحظت – وأنا ابن هذه المرحلة – عدة صفات وسمات سلبية في شباب الإخوان كانت الأهم في الانتكاسة الثورية التي لاقتها ثورة يناير2011 على أيدي أبنائها قبل أعدائها وخصومها، وأتمنى منك أخي القارىء أن تقرأني بعقلك قبل عاطفتك، وهي كلمات خرجت من قلب محب مشفق يتمنى لك ولجماعتك ولمصر والأمة كل الخير، ونحن نريد إصلاح مصر والأمة والثورة وليس معقولاً أن تريد الإصلاح لغيرك وتأباه لنفسك، وأول ما ينبغي إصلاحه هم الإخوان لأنهم الأكبر والأكثر قدرة على إحداث التغيير المنشود بإذن الله، ولن يحدث التغيير إذا لم يتغير الإخوان، ولن يتغير الإخوان طالما لا يحاسبون أنفسهم وقياداتهم.
إنهم يعولون على الشباب .. كيف والشباب نتاج الشيوخ عقلاً وفكرًا وسلوكًا؟!
(1)
السمع والطاعة العمياء لملائكة العصر وصحابة الدهر المعصومين، قادة الجماعة الربانيين الإسطوريين والذين لم تلد الأمة بأمثالهم والذين لا يخطئون أبدًا، فهم يسيرون بعين الله وبركة التنظيم!! وإن أخطأوا فالمؤامرة الكونية هي السبب، هؤلاء القادة الذين أوصلوا الجماعة ومصر والأمة – بدون مبالغة – إلى ماهي عليه الآن من انتكاسة وانحطاط سياسي وإعلامي واقتصادي واجتماعي، والسمع والطاعة أمر قيمي تعبدي يتربى عليه الأخ ليصبح مع مسئوله كالميت بين يدي مغسله، ويقول الأستاذ “حسام تمام” – رحمه الله -: “شهدت الجماعة في السنوات الأخيرة سيادة ثقافة ريفية تخالف ما نشأت عليه، ثقافة تتوسل بالقيم الأبوية، حيث الطاعة المطلقة والإذعان للمسئول التنظيمي، وانتشار ثقافة الثواب والعقاب والتخويف واللفظ وسيطرة الخوف من المختلف أو المتميز مع الميل للركون إلى التماثل والتشابه بين أعضاء الجماعة التي صارت تميل يومًا فيوم إلى التنميط! سنجد انتشار تعبيرات جديدة وغريبة عن الجماعة مثل: عم الحج، والحاج الكبير، وبركتنا، وبركة الجماعة، وشيخنا وتاج راسنا وهي تعبيرات يجاورها سلوكيات جديدة أيضًا مثل تقبيل الأيادي والرؤوس..”.
(2)
التبرير للأخطاء والموافقه عليها والتعايش معها وكأنها هي الحقيقة والصواب، بل ودعمها وتأييدها وتكوين جيش جرار من اللجان الإلكترونية للحشد لها والدفاع عنها، وسنجد – كما يقول أستاذنا/حسام تمام (بتصرف) – أيضًا انتشار هذه الازدواجية الريفية في العلاقة بالسلطة من حيث الخوف والسرية وإعلان الرضوخ الشكلي للسلطة الشرعية في الجماعة وتبني خطابين: خطاب للمجتمع وخطاب للسلطة.
وهناك قبول أو عدم معارضة للوائح الجماعة وقوانينها المنظمة، كما ليس هناك اعتراض مباشر على ما تقوله قيادة الجماعة وخاصة الخطاب السياسي، لكن الأمور تدار على الأرض وميدانيًا بعيدًا عن هذا كله ويتم فلترة ذلك كله لقواعد الجماعة من خلال قيادات وسيطة والتي ترجعها إلى اجتهادات شخصية لقيادات تاريخية أو لزوم الخطاب الإعلامي والصحفي.
(3)
“الشطارة في الخسارة” منهج حياة عند بعض الشباب، و”موتوا بغيظكم” أسلوب تفكير لدى جلهم، فهم ممتازون في خسارة الأصدقاء والمؤيدين ولديهم القدرة الخارقة في تكثير سواد الخصوم والأعداء والمتربصين ولا أدري لماذا؟! لكنهم – إلا قليلاً – قليلي التسامح وكثيري النبش في الأخطاء والعيوب وينسون كل جميل ويذكرون كل سيء ويبيعون صديقهم ومؤيديهم بنقد لتنظيمهم زائل أو كلام فى حق قادتهم فان، ولا يخفى على أحد ما يحدث لناقد محب مشفق من كيل الاتهامات والتشويه تصل للتنقيب في النوايا وأعمال القلوب، فماذا سيحدث للمخالف الآخر؟!
(4)
وجدت جل شباب الإخوان أسرى التنظيم (جنة الفردوس في الأرض) وهذه مشكلة كبيرة ومعضلة مجتمعيه قاسية أن يعيش الأخ الإخواني حالة الأسر الفردوسي الأرضي، والذي يظن فيها – وقد كنت أظن سابقًا مثلهم – إن خرجت خارج سياج أسوار هذه الجنة الفردوسية الأرضية سأهلك وأترك الصلوات وانغمس مع أهل الضلال والأهواء وأعداء الإسلام وخصومه، وهذا الإحساس وذلك الشعور يفصلك عن المجتمع ويعزلك عن معايشته والإحساس بهمومه ومشاكله والغرق في طوباوية أفكارك وأحلامك، والأخ الإخوانى يعذر – فقط لفترة الحضانة الإيمانية (ما يسمى بإيقاظ الإيمان المخدر في الأدبيات الإخوانية) – لأنه ينسج حوله خيوط مجتمعية وروابط اجتماعية كثيفة وكبيرة تجعله كالسمك في الماء لا ينفك منها إلا بموته ودخوله الجنة؛ فيصبح بالفعل أسير هذا التنظيم وينشغل به حتى يتملك حياته فيدفع حياته لحمايته والحفاظ عليه والبقاء بداخله حتى لا يتلوث بغبار الهواء الخارجي فيتسمم جهازه التنفسي فيموت، فيقوى التنظيم بداخله ويتغول حتى يصبح أهم من أمه وأبيه وأقوى من رابطة إخوة النسب وإخوة الإسلام.
(5)
ضعف الطهرانية والانسلاخ منها تدريجيًا، ويقصد بالطهرانية هنا قدرة الشباب على التحصيل الإيماني والارتواء من نهري القرآن والسنة وقدرتهما على صقل السلوك الحركي بماء وردهما، وظهور المحصلات التفاعلية والمنتوج الخلقي والسلوكي والحياتي من خلال الأوراد التعبدية الثابتة والمتغيرة كمسلك حياتي ثابت يقتات عليه من يريد ثواب الدنيا والآخرة، ورصد الأستاذ/حسام تمام – رحمه الله – ضعف الطهرانية لدى الصف الشبابي الإخواني فقال: “الإخوان أنفسهم صاروا أقل حرصًا على هذه الطهرانية بعدما زادت مساحة السياسة فعلاً وقولاً وعملت عملها فيهم، فصاروا أقرب لأهل السياسة منهم لأهل الدعوة”.
(6)
الحماسة المسلوبة من الشباب والموجهة من خلال بوصلة التنظيم والذي يدير دفتها ويحركها كيفما شاء وأينما أراد، حيث كانت هذه الحماسة الشبابية الصلبة في مقدمة الصفوف في 28 يناير وموقعة الجمل وجمع الشرعية والشريعة الكثيرة، ولم تكن موجودة في محمد محمود وماسبيرو والعباسية – إلا من القليل ممن رفضوا قرار التنظيم – وكانت أيضًا هذه الحماسة الشبابية في الاتحادية ولم تكن في القرصاية مثلاً، وكنت استغرب كثيرًا عندما كنا ننزل للمظاهرات لقضايا كبرى كفلسطين والعراق – على أهميتهم – ولا ننزل لقضايانا المصيرية والمصرية كحكم مبارك ومشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ثم ننزل نفرغ شحناتنا وطاقاتنا – وكأنها مقصودة – ولا شيء جديد.
(7)
بات لديّ يقينًا لا يساوره شك فشل تجربتي الإصلاح التدريجي من الداخل بالبقاء في التنظيم أو الإصلاح من الخارج بترك الجماعة لعدم القدرة على التغيير التدريجي لا من الداخل ولا من الخارج إلا بتغيير شامل بإحداث ثورة كبيرة داخل الإخوان، ثورة في السلوك والنهج والفكرة، وأكاد أجزم أنه لا ثورة حقيقية في مصر بدون الإخوان ولا ثورة حقيقية للإخوان بدون ثورة داخلهم، والشباب في الداخل هم الأقدر على هذه الثورة على قادتهم وأفكارهم وآرائهم.
(8)
ضعف الجانب الثقافي التكاملي الشامل بل وندرته وانعدامه في بعض الأحياء والشعب والمناطق (توزيعات جغرافية في الهيكل الإداري للتنظيم الإخواني) وترييف الثقافة وعلومها لأن المثقف بين صفوف الشباب الإخواني من يقرأ لمجدي الهلالي وخالد أبو شادي، والأخ المثقف جدًا من يقرأ للأستاذين/محمد أحمد الراشد وعصام شويخ، ولا تجد من يبحث ويقرأ – مؤسسيًا (من خلال التنظيم) ولا فرديًا ذاتيًا (من خلال الفرد ذاته) – في السياسة الشرعية والمدارس السياسية العالمية والاقتصاد وعلومه والإعلام ووسائله وتاريخ الأمم والمشاريع النهضويه لبناء الأمم وكيفية إدارة الأمم والشعوب.
وأخيرًا أخي القارىء الكريم أقولها وبكل صراحة ولدى يقين كامل أن لا حياة للأمة عامةً ومصر خاصةً بدون شباب الإخوان المخلص لدينه وأمته وثورته، ولا حياة للإخوان بدون ثورة شبابها على قادتهم وسلوكهم ونهجهم وفكرهم، وللإخوان أخطاء لابد أن تصوب احترامًا للدماء التي سالت والأنفس التي ظُلمت بالسجن والتشريد والطرد، ولا أحد يدعي أن هذا ليس وقته بل هذا هو وقته لأن كلمة ليس وقته هي أسوأ كلمة يمكن أن يقولها من يريد إصلاحًا له وللأمة، وتوجيه النقد للإخوان لا يخص الشهداء والمعتقلين وإنما يخص من بيده الأمر، وهؤلاء ليسوا شهداء أو معتقلين وما لم يواجهوا نقدًا على أفعالهم فلن يستقيموا أبدًا ولن ينصلح الحال.