ترجمة وتحرير: نون بوست
داخل جدران البرلمان الإسرائيلي وفي شوارع القدس، تثير جماعات يهودية متطرفة أعمال العنف، حيث سئم عدد متزايد من الشباب الإسرائيلي القومية اليهودية متقلبة المواقف التي لطالما اضطلعت بأدوار مهمة في “إسرائيل” منذ عقود.
في الأسبوع الماضي، وجّه اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش – الشريك الحيوي لخطط رئيس الوزراء المؤقت بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومة جديدة – وزعيم حزب “الصهيونية المتدينة”، تهديدًا ضمنيا للأقلية الفلسطينية الكبيرة في “إسرائيل”.
أشار سموتريتش إلى مساعي طرد 1.8 مليون فلسطيني، الذين يمثلون خمس السكان الإسرائيليين ولا يتمتعون بكامل حقوق المواطنة. وأوضح سموتريتش لحزبه أن “العرب مواطنون في إسرائيل – حاليًا على الأقل”، “ولديهم ممثلون في الكنيست [البرلمان الإسرائيلي] – في الوقت الحالي على الأقل”. كما أشار إلى المشرعين الفلسطينيين – الممثلين المنتخبين للأقلية الفلسطينية في “إسرائيل”، على أنهم “أعداؤنا في الكنيست”.
يمثّل سموتريتش اليهود المتعصبين والوقحين الآخذ عددهم في الازدياد، بعد أن فاز حزبه بست ولايات في البرلمان المؤلف من 120 عضوا خلال شهر آذار/ مارس. كما حصل إيتمار بن غفير، رئيس حزب “القوة اليهودية” الفاشي الجديد، على مقعد برلماني. في الوقت الحالي، يعد أنصار بن غفير الآن متحمسين، حيث نزلوا الشهر الماضي إلى شوارع مدينة القدس القديمة المحتلة وهم يهتفون “الموت للعرب” بعد كانوا قد توعّدوا خلال محادثات أجروها على واتساب بمهاجمة الفلسطينيين و”كسر وجوههم”.
لعدة أيام، صعّدت هذه العصابات اليهودية التي تتكون في الغالب من الشباب من حجم أعمال العنف المخالفة للقانون المتفشية منذ فترة طويلة ولكنها غير ملحوظة بشكل كبير في تلال الضفة الغربية المحتلة ووسط القدس. هذه المرة، لم تُعرض هجماتهم في شكل مقاطع فيديو على يوتيوب، بل بثها التلفزيون الإسرائيلي في أوقات الذروة. ولم تتوان هذه العصابات اليهودية عن مهاجمة العرب خلال شهر رمضان، شهر الصيام المقدس للمسلمين.
هجمات إحراق الممتلكات
أثارت أعمال العنف التي ترتكبها هذه العصابات بشكل واضح ومتعمّد ريبة وارتباك الكثير من الإسرائيليين، لكنها أعطت نظرة عن كثب على مدى جاذبية المذاهب العنيفة والمعادية للعرب التي نظّر لها الحاخام الراحل مائير كاهانا – الملهم الأيديولوجي الذي يقف وراء القوة اليهودية – بين صفوف شريحة كبيرة من الشباب اليهودي في “إسرائيل”.
تحدثت إحدى الشابات، التي كانت ترتدي قميصا كتب عليه “كاهانا كان على حق” نيابة عن أقرانها أثناء استجوابها في التلفزيون الإسرائيلي حول الهتافات الصاخبة التي تقول “أتمنى أن تحترق قريتك” – في إشارة إلى هجمات حرق الممتلكات المزعومة تحت اسم “دفع الثمن” التي ارتكبتها الجماعة اليمينة الإسرائيلية المتطرفة ضد التجمعات الفلسطينية في الأراضي المحتلة وداخل “إسرائيل”. أحرِقت بساتين الزيتون والمساجد والسيارات والمنازل بشكل متعمد من قبل هؤلاء المتطرفين اليهود، الذين يزعمون أن الأراضي الفلسطينية حقهم الشرعي حسب الكتاب المقدس.
ردت هذه الشابة بعبارات كانت تعتقد أنها ذات طابع تصالحي قائلة: “أنا لم أقل إنه ينبغي حرق هذه القرية فلسطينية، لكن يجب على الفلسطينيين مغادرة القرية التي سنعيش فيها”. في الحقيقة، يبدو أن الشباب الإسرائيلي قد نفذ صبره ويريد تسريع قدوم اليوم الذي ينبغي أن “يغادر” فيه الفلسطينيون.
جهاز قمع
لم تظهر هذه المشاعر – في البرلمان وفي الشوارع – من العدم، بل تعد هذه الحركة قديمة قدم الصهيونية نفسها، لاسيما عندما أشرف قادة “إسرائيل” الأوائل على التطهير العرقي للفلسطينيين من معظم أراضيهم في سنة 1948 وافتكاكها فيما يعرف بالنكبة. ظلّ استخدام العنف لطرد الفلسطينيين من أراضيهم في جوهر مشروع بناء الدولة اليهودية منذ ذلك الحين. ويرتكز الأساس المنطقي لقيام العصابات بالاعتداء بالعنف على الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة على الإجراءات البيروقراطية التي تتبعها “إسرائيل”: التي تشمل قواتها الأمنية والمسؤولين والمحاكم.
في الأسبوع الماضي، خضع جهاز القمع الإسرائيلي لفحص دقيق في تقرير مكون من 213 صفحة صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”. أعلنت المنظمة الحقوقية الدولية الرائدة أن “إسرائيل” ترتكب جرائم فصل عنصري بحسب ما جاء في نصوص القانون الدولي.
وجادل التقرير بأن “إسرائيل” قد استوفت الشروط الثلاثة للفصل العنصري في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تتمثل في هيمنة مجموعة عرقية على أخرى، والقمع المنهجي للمجموعات المهمشة، والأعمال غير الإنسانية. وتشمل هذه الأعمال النقل القسري، ومصادرة ملكية الأراضي، وإنشاء مجمعات منفصلة وأحياء معزولة للأقليات، ناهيك عن إنكار الحق في مغادرة بلدهم والعودة إليه، وإنكار الحق في الجنسية.
في حال وقع ارتكاب عمل واحد من هذه الأعمال يمكن تصنيف هذه الممارسات بأنها جريمة فصل عنصري، وحسب ما أوضحته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، فإن “إسرائيل” مذنبة بارتكابها كل هذه الجرائم.
يُسحبون من أسرّتهم
ما وثّقته “هيومن رايتس ووتش” وجماعات حقوقية أخرى وما تدركه العصابات التي تجوب شوارع القدس واضح. تشترك الإجراءات الرسمية الإسرائيلية في هدف مشترك يبعث رسالة واضحة إلى هؤلاء الشباب حول ما تسعى إليه الدولة – والأيديولوجية الصهيونية الوطنية ل”إسرائيل”.
إنهم يرون كيف أعيد تصنيف الأراضي الفلسطينية على أنها “أراضي تابعة للدولة” اليهودية، ناهيك عن التوسع المستمر للمستوطنات التي تنتهك القانون الدولي. ويرون أن الفلسطينيين محرومون من الحصول على تصاريح بناء منازل في قراهم. إنهم يرون أوامر تقضي بهدم منازل فلسطينية أو حتى مجّمعات بأكملها. وهم يشاهدون حالة التمزق التي تعيشها العائلات الفلسطينية، حيث حرم الأزواج أو أطفالهم من الحق في العيش تحت سقف واحد.
في غضون ذلك، يُطلق الجنود الإسرائيليون النار على الفلسطينيين دون محاسبة، ويسحبون الأطفال الفلسطينيين من أسرتهم في منتصف الليل. تقيم “إسرائيل” نقاط تفتيش في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، مما يقيّد حركة تنقل الفلسطينيين. ويطلقون النار أو “يعتقلون” الفلسطينيين الذين يحاولون البحث عن عمل خارج الأحياء المعزولة التي فرضتها “إسرائيل” عليهم. يقف الجنود كحراس أو مساعدين، بينما يعيث المستوطنون فسادا في الأرض، ويهاجمون منازل الفلسطينيين وحقولهم.
تحظى كل هذه الأعمال بتصديق روتيني صوري على أنها “قانونية” من قبل المحاكم الإسرائيلية. فهل من المفاجئ إذن أن يتساءل عدد متزايد من المراهقين الإسرائيليين عن الجدوى من كل هذه الإجراءات العسكرية والقانونية والإدارية؟ لماذا لا نكتفي بضرب الفلسطينيين و”كسر وجوههم” حتى يدركوا أن عليهم المغادرة؟
عزة السكان الأصليين
في الأيام الأخيرة، تمركزت جبهة القتال في القدس – التي وصفت بشكل مضلل في معظم وسائل الإعلام بأنها موقع “اشتباكات” – في الساحة المدرّجة لباب العامود، وهو أحد المداخل الرئيسية للبلدة القديمة المسوّرة والمقدسات الإسلامية والمسيحية الواقعة داخلها.
اليوم، قد تكون البوابة آخر الأماكن العامة البارزة التي لا يزال بإمكان الفلسطينيين القول إنها ملكهم وسط القدس، بعد عقود من تطوي الاحتلال الإسرائيلي لأحيائهم ومحاصرتها تدريجيًا مما أدى إلى فصلهم عن البلدة القديمة. وخلال شهر رمضان، تشكّل ساحة باب العامود موقعا شعبيا للممارسات الاجتماعية، حيث يتجمع الفلسطينيون في المساء بعد الإفطار.
من خلال إقامة حواجز عند باب العامود لإغلاق المنطقة في بداية شهر رمضان، كانت الشرطة الإسرائيلية هي من وتّرت الأجواء المحمومة الحالية في القدس حيث تذرعت بمنع الاكتظاظ. ولكن الفلسطينيين – بالنظر إلى خبرتهم الطويلة في الاحتلال – أدركوا أن الحواجز ستنضم إلى قائمة الإجراءات “المؤقتة” الأخرى التي سرعان ما تصبح دائمة، مما يصعّب عليهم الوصول إلى البلدة القديمة ومقدساتهم. فقد تم بالفعل “تهويد” بوابات رئيسية أخرى للمدينة القديمة المحتلة.
بالنسبة للفلسطينيين، لا يمكن فصل قرار الشرطة الإسرائيلية بإقامة الحواجز عن السياق الأكبر المتمثل في الجهود المستمرة التي تبذلها السلطات الإسرائيلية لطردهم من المناطق المحيطة بالبلدة القديمة. في الأسابيع الأخيرة، لوحظ تنقّل موجة جديدة من المستوطنين اليهود المسلحين إلى سلوان، وهي بلدة فلسطينية ملاصقة لأسوار المسجد الأقصى، في الوقت الذي تستعد فيه “إسرائيل” لتدمير حي فلسطيني كامل هناك، مستخدمة سيطرتها المطلقة على قضايا التخطيط.
وبالمثل، وافقت المحاكم الإسرائيلية على إخلاء الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، وهو حي آخر خاضع للاحتلال العسكري بالقرب من البلدة القديمة تعرض لحملة طويلة الأمد ومدعومة من الدولة شنها المستوطنون اليهود بهدف السيطرة عليه. في الشهر الماضي، صبّ مسؤولون في القدس الزيت على النار بالموافقة على خطة لبناء نصب تذكاري لقتلى الجنود الإسرائيليين في وسط المجتمع الفلسطيني.
في أعقاب ذلك، كان من المحتم أن يُقابل قرار إغلاق باب العامود بمقاومة من جانب الفلسطينيين الذين واجهوا الشرطة لإزالة الحواجز، والتي ردّت من جهتها بإطلاق الغاز المسيل للدموع واستخدام قنابل الصوت وخراطيم المياه.
مثلت تلك المشاهد التي تصوّر سكانا أصليين معتزين يرفضون محاولات طردهم من منازلهم جزءًا من الحافز الذي أخرج العصابات اليهودية إلى الشوارع في استعراض للقوة. سمحت الشرطة للعصابات بنشر العنف إلى حد كبير، حيث ألقى الشبان الحجارة والزجاجات على الفلسطينيين وهاجموهم.
الاستياء من أنصاف التدابير
وصفت بعض الجماعات اليهودية الأمريكية التقدمية مشهد العصابات اليهودية وهي تجوب شوارع القدس للاعتداء على الفلسطينيين بـ “المذبحة المدبرة”. لكن الفرق بين اليمين المتطرف والدولة الإسرائيلية في تنفيذ أجندتهما العنيفة أوضح من الحقيقة.
لقد سئِم سموتريتش وبن غفير وعصابات الشوارع من أنصاف التدابير والمماطلة والمواقف الأخلاقية التي تتخذها النخب الإسرائيلية التي أعاقت الجهود الرامية إلى “إتمام المهمة”، أي إخلاء السكان الفلسطينيين الأصليين من أراضيهم بصفة نهائية.
وفي حين أن السياسيين الإسرائيليين من اليسار واليمين قد برروا أفعالهم القبيحة والعنصرية بحجة الإجراءات “الأمنية” الشاملة، فإن اليمين المتطرف ليس بحاجة إلى تأييد المجتمع الدولي ويتوق لاختتام ما يزيد عن سبعة عقود من التطهير العرقي.
من المرجح أن تتضخم صفوف اليمين المتطرف بشكل أكبر لأنها تجذب أعدادًا متزايدة من جيل جديد من المجتمع الأرثوذكسي المتطرف، الذي يمثل الفئة الأسرع نموًا من السكان اليهود في “إسرائيل”. لأول مرة، يظهر الشباب القومي من مجتمع الحريديم رفضه لقيادة حاخامية أكثر حذرًا.
حتى بعد أن خفّت حدة أعمال العنف في القدس في الوقت الراهن، فإن الأسوأ لم يأت بعد. تتزامن الأيام الأخيرة من شهر رمضان لهذه السنة مع موكب “يوم أورشليم القدس” الشهير، وهو عيد وطني سنوي يسير فيه القوميون اليهود المتطرفون عبر الشوارع الفلسطينية المحاصرة في البلدة القديمة وهم يهتفون بالتهديدات ضد الفلسطينيين ويهاجمون أي شخص يجرؤ على الخروج.
غض الطرف
خلُص التقرير المفصل لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أنه من خلال غض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية طويلة الأمد في حق الفلسطينيين والتركيز بدلاً من ذلك على عملية سلام غير موجودة، سمحت الدول الغربية “بانتشار وترسيخ الفصل العنصري”.
إن نتائجها تمثل صدًى لنتائج منظمة “بتسيلم”، أكثر منظمات حقوق الإنسان احتراما في “إسرائيل”. في كانون الثاني/ يناير، أعلنت المنظمة أن “إسرائيل” تمارس نظام فصل عنصري تجاه مواطنيها الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وداخل “إسرائيل”.
رغم إحجام السياسيين ووسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية عن الحديث عن إسرائيل بهذه المصطلحات، يفيد استطلاع جديد أجرته “بتسيلم” بأن واحدًا من كل أربعة يهود إسرائيليين يقبل “الفصل العنصري” كوصف دقيق لحكم إسرائيل على الفلسطينيين. ولكن العدد الفعلي لمن يعتبر الفصل العنصري في السياق الإسرائيلي أمرا جيدا أقل وضوحا.
تعطي إحدى النتائج الأخرى في الاستطلاع فكرة أوضح. عند سؤالهم عن آخر مباحثات القادة الإسرائيليين حول ضم الضفة الغربية، رفض ثلثا اليهود الإسرائيليين فكرة تمتّع اليهود والفلسطينيين بحقوق متساوية في تلك الظروف.
تسعد العصابات في القدس بفرض الفصل العنصري الإسرائيلي الآن، على أمل تسريع عملية طرد الفلسطينيين. أما فئة من الإسرائيليين فما زالوا في حالة إنكار، حيث يفضلون التظاهر بأن الفصل العنصري لم يتحقق بعد، على أمل إراحة ضمائرهم لفترة أطول قليلاً.
المصدر: ميدل إيست آي