لا تخلو معظم الموائد الجزائرية خلال شهر رمضان من كل عام من بعض الأطباق التي يزداد عليها الطلب خلال هذه الفترة الدينية، ومنها حلوى قلب اللوز التي تظل حتى اليوم سيدة السفرة الجزائرية رغم مرور السنوات والقرون، فما خصوصية هذا الطبق، وما تاريخه وحكايته لدى الجزائريين؟
تعد حلوى قلب اللوز واحدة من الحلويات الأكثر استهلاكًا وطلبًا في الشهر الفضيل من قبل الجزائريين مع الزلابية، وحتى إن أدخلت بعض المقادير إلى الوصفة التقليدية، إلا انها تظل مجرد إضافات يمكن الاستغناء عنها في حلوى قلب اللوز التي يطلبها الجزائريون سواء كانوا داخل الوطن أو في ديار الغربة.
تعددت الروايات
حافظت هذه الحلوى المميزة لسنوات على تسميتها بـ”قلب اللوز“، رغم أنها تعرَف ببعض المناطق بتسميات أخرى، كـ”الشامية” في غرب الجزائر، و”الهريسة” في شرقها، غير أنها تظل تسميات لم تستطع أن تخرج من النطاق المحلي على عكس اسم قلب اللوز الذي التصق بهذه الحلوى لسنوات وقرون.
كغيرها من الأطباق والحلويات الشهيرة، تختلف القصص المتعلقة بأصل حلوى قلب اللوز، ومن أبرزها أن البعض يقول إن هذه الحلوى أصلها عثماني، كانت تقدَّم في البلاط فقط للملوك، وكانت حكرًا على الحكام والسلاطين، ولشدة تعلقهم بها لم يسمح أن تنقل هذه الوصفة إلى الخارج، لكن مع مرور الوقت استطاع بعض الطهاة أن ينقلوها إلى العامة من الناس، لتظل تقاوم النسيان والاندثار رغم مرور مئات السنين.
ويعود الوجود العثماني في الجزائر إلى سنة 1515 لما وصل الأخوان العثمانيان عروج وخير الدين بربروس إلى العاصمة الجزائر، للمساعدة في مواجهة الاحتلال الإسباني، وفي سنة 1518 أصبحت الجزائر رسميًّا تابعة للسلطنة العثمانية.
تقول بعض الروايات الأقل ترجيحًا إن أصل حلوى قلب اللوز فرنسي، أو أنها تعود إلى عهد الخليفة العباسي المأمون.
لكن بعض الروايات الأخرى تقول إن قلب اللوز حلوى قادمة من الأندلس وأصلها إسباني، ووصلت الجزائر في القرن الـ 16 عبر المسافرين القادمين من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
وتقول بعض الروايات الأقل ترجيحًا إن أصل حلوى قلب اللوز فرنسي، أو أنها تعود إلى عهد الخليفة العباسي المأمون، وحملت وقتها اسمه فعرفت بـ”المأمونية” ونقلها التجار والطهاة إلى الجزائر قبل أن تصبح معروفة بالاسم الحالي.
المكونات والتحضير
تتمثل مقادير تحضير حلوى قلب اللوز في السميد، وهو طحين القمح الصلب الذي يحبذ أن تكون جزيئاته خشنة نوعًا ما مقارنة بدقيق الخبز العادي، وفي السكر والزبدة وماء الزهر واللوز والقطر أو العسل.
وتحضر حلوى قلب اللوز بوضع السميد والسكر معًا في وعاء، ويتم خلطهما جيدًا، ثم تضاف الزبدة الذائبة إلى الخليط، ويتم الاستمرار في العجن حتى الحصول على عجينة متماسكة نوعًا ما، ويرش القليل من ماء الزهر إلى الخليط.
وبعدها يتم مد العجينة في صينية وتوضع حبات اللوز للتزيين بغرسها في العجينة، ومن هذه الحبات أخذ الطبق اسمه، فالجزائريون يطلقون على نواة حبة اللوز قبل كسر غشائها الصلب “القلب”، أي أن الثمرة قلب اللوز، وبعدها توضع الصينية في الفرن في درجة حرارة متوسطة، وبعد نضوج العجينة، تخرج من الفرن ليضاف إليها القطر، أو ما يعرَف لدى الجزائريين بـ”العسيلة”، وهو السكر المذاب داخل الماء.
وإذا كان الطبق وفق هذه الكيفية هو حلوى قلب اللوز، لكن قد يحمل اسم “محشي” عندما تقسم العجينة إلى قسمين، يوضع فوق القسم الأول طحين اللوز ثم تضاف طبقة ثالثة من العجينة، أي عندما يُحشى طحين اللوز بين قسمي العجينة، فيما تكون بعض الخطوات الأخرى نفسها.
اليوم مع انتشار محلات بيع الشاي والحلويات التقليدية التي غزت المدن الكبرى في الألفية الجديدة، ازدادت خدمات توفير هذه الحلوى التقليدية على مدار العام.
وتعد هذه الوصفة الأصلية لحلوى قلب اللوز، ورغم بساطتها إلا أنها تحتاج إلى لمسة كل طباخ الذي يجب أن يتمتع بمهارة ومعرفة بمقادير مكونات الطبق لإخراجه في حلوى لذيذة لا تقاوم.
هوية
في الوصفة الأصلية، لا يمكن الاستغناء عن اللوز في هذه الحلوى التي ينسب اسمها إلى هذه الثمرة، غير أنه مع الارتفاع الجنوني في ثمن اللوز اهتدى صانعو الحلويات إلى استبداله بالفول السوداني حتى يكون في متناول الجميع، في محاولة منهم لتبقى هذه الحلوى رمزًا للهوية الجزائرية.
ولا يرتبط هذا التغيير في الوصفات بالجانب المالي فقط، إنما أيضًا بالتطوير في الوصفة، حيث يمكن استبدال اللوز بنوع آخر من المكسرات كالفستق والجوز وغيرهما، إضافة إلى إمكانية زيادة بعض المقادير الأخرى كالحليب أو القشدة، لكنها تبقى مكونات ثانوية.
في السنوات الماضية كانت المحال لا تبيع حلوى قلب اللوز في الغالب إلا في شهر رمضان، إلا ما ندر منها المتخصصة في بيعه. أما اليوم مع انتشار محلات بيع الشاي والحلويات التقليدية التي غزت المدن الكبرى في الألفية الجديدة، ازدادت خدمات توفير هذه الحلوى التقليدية على مدار العام، لكن تبقى خصوصية تناوله في رمضان تقليدًا ترفض العائلات الجزائرية التخلي عنه، خاصة بعد أن ساهمت برامج الطبخ التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي في انتشار وصفاته، وإمكانية تحضيرها بالمنزل.
ولأن حلوى قلب اللوز في الجزائر تاريخ وهوية، وقصص إنسانية يعيشها الجزائريون لما يجتمعون على تناوله في سهراتهم الرمضانية أو لقاءاتهم العائلية، لم تتردد المخرجة إيمان عيادي أن يكون عنوان فيلمها السينمائي “الشيخ قلب اللوز”، لأن هذه الحلوى حتى إن غزت دولًا أخرى أو توجد حلويات شبيهة بها في بلدان ثانية، إلا أن وصفتها الجزائرية تبقى الألذ والأكثر معنى، لأنها مرتبطة بما تجود به الأرض من قمح ولوز، وهي خيرات متوفرة في الجزائر حتى إن تراجع إنتاجها في العقود الأخيرة.