بدأ الخناق يزداد حول حفتر في الفترة الأخيرة داخليًّا وخارجيًّا، بعد أن كان يمنّي نفسه بالسيطرة على ليبيا وتقديمها على طبق من ذهب لحلفائه الأجانب، حتى أن عملية التخلص منه قد بدأت وفق العديد من المتابعين للشأن العام الليبي، رغم أن هذا الأمر سيكون صعبًا بعض الشيء في ظل بقاء العديد من المرتزقة تحت إمرته.
تضييق الخناق على حفتر داخليًّا
يظهر تشديد الخناق الممارس على اللواء المتقاعد خليفة حفتر داخليًّا من خلال تصريح رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي قال إنه لا يوجد أي تنسيق في بنغازي بينهم وبين حفتر، وإن حكومته تنسق مع عميد البلدية وأجهزة الشرطة هناك.
أراد الدبيبة أن يقول من خلال هذا التصريح إنه لا يوجد داعٍ للتنسيق مع حفتر عند زيارة بنغازي شرق البلاد، فهو لا يحمل أي صفة رسمية والتنسيق فقط يكون مع المجالس البلدية والأجسام العسكرية والأمنية عند زيارة أي مدينة ليبية، ولا وجود لحفتر من بين هذه الأجسام.
وذلك ردًّا على قول أتباع حفتر إنه تم منع وفد الحكومة من دخول بنغازي قبل أسبوعين لأنها لم تنسق مع حفتر الذي يسيطر على المدينة من خلال المرتزقة والميليشيات العاملة معه، والمتهمة بارتكاب مجازر حرب ضد المدنيين في ليبيا.
استثمرت فرنسا بقوة في حفتر واعتبرته الأداة المثلى لفرض توجهها ومشروعها في ليبيا وفي منطقة الساحل والصحراء الإفريقية.
عرقلت ميليشيات حفتر في نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي اجتماعًا وزاريًّا كان مبرمجًا أن يعقد في بنغازي بقيادة رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة، بذريعة عدم وجود اتفاق حول الترتيبات الأمنية، حيث وجهت الميليشيات تهديدات للدبيبة عقب دعوة وزرائه لاجتماع أول للحكومة في مدينة بنغازي، دون أن يضع على جدول أعماله لقاء مع حفتر.
كما حاول مرتزقة منع وفد حكومي يقوده دبيبة من الهبوط في مطار مدينة سرت (450 كيلومترًا شرق طرابلس) التي تخضع لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وينتشر فيها مرتزقة روس من شركة فاغنر الأمنية يقاتلون مع تلك القوات.
بالتزامن مع ذلك، حذّر رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري خلال لقائه في طرابلس رئيسَ البعثة الأممية إلى ليبيا يان كوبيش، من تداعيات عدم خضوع اللواء المتقاعد خليفة حفتر للسلطة المدنية ممثلة في حكومة الوحدة الوطنية.
حلفاء الخارج يرفعون يدهم
إلى جانب ذلك يجد حفتر صعوبات خارجية كبيرة، فحلفاء الأمس بدأوا في رفع يدهم عنه، فحتى مصر حليفه الوفي قررت مؤخرًا التخلي عن نهجها ودخول ليبيا عبر حكومة الوحدة الوطنية في العاصمة طرابلس، حيث أدى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي زيارة عمل للعاصمة الليبية هي الأولى من نوعها منذ عام 2010.
وسرّعت التفاهمات المصرية-التركية وتيرة هذه الزيارة التي تهدف إلى فتح الأبواب أمام الشركات المصرية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار، بالتوازي مع العملية السياسية التي تدعمها القاهرة، وهو ما يعني فك الارتباط بحفتر.
وتختتم اليوم فعاليات الدورة الثالثة عشرة للجنة القنصلية المصرية الليبية المشتركة، ويتضمن جدول أعمال اللجنة بحث عدد من الموضوعات القنصلية والعمالية وأوضاع المواطنين المقيمين في كلتا الدولتين، وموضوعات التعاون القضائي، وتعزيز التعاون في مجالات النقل والجمارك والصيد، وتيسير حركة انسياب الأفراد والبضائع بين الجانبين، وبحث سبل تعزيز التعاون في شتى المجالات.
رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري :
حفتر لا يخضع لأي سلطة مما يهدد إمكانية إجراء انتخابات حرة نزيهة، ووجود المرتزقة التابعين لحفتر هو السبب الرئيسي المعرقل لفتح الطريق الساحلي.#ليبيا
— أحمد خليفة (@ahmad_khalifa78) May 2, 2021
ذكرت بعض التقارير الإعلامية أن القاهرة أبلغت حفتر مؤخرًا بصعوبة استمراره في المشهد الليبي الحالي بالآليات السابقة نفسها، في ظل التوجه الدولي للوصول إلى الاستحقاقات الانتخابية نهاية العام الجاري بسلطة موحدة، الأمر الذي يرفضه حفتر.
وعُرفت القيادة المصرية في السنوات الأخيرة بدعم الانقلابي خليفة حفتر بعدة أشكال بهدف السيطرة على ليبيا، في إطار توجهها العام المناهض لثورات الربيع العربي، حيث أمدته بالأسلحة المتطورة وأشرفت على تدريب قواته ودعمته دبلوماسيًّا، لكن يبدو أن بعض التطورات حصلت أخيرًا في الموقف المصري من الأزمة الليبية جعلتها تعدل موقفها قليلًا.
حتى فرنسا التي كانت إلى وقت قريب إحدى أبرز الدول الداعمة لحفتر، يبدو أنها ستغيّر سياستها تجاهه خاصة بعد ما حصل في تشاد، إذ قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين تشاديين قادمين من جنوب ليبيا، حيث كانوا يعملون مع حفتر وتلقوا تدريبات هناك.
استثمرت فرنسا بقوة في حفتر واعتبرته الأداة المثلى لفرض توجهها ومشروعها في ليبيا وفي منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، حيث قدمت له الاستشارات العسكرية والدعم الدبلوماسي ومكنته من أسلحة متطورة ومدته بعناصر استخباراتية وجنود، لكن تبين لها في النهاية أنها لم تحسن قراءة الواقع الليبي.
طموحات حفتر تصطدم بآمال الليبيين في أن تحقق السلطة الانتقالية الجديدة التوافق والمصالحة وتنهي الخلافات والأزمات.
بينت الأحداث في تشاد والتطورات هناك أن فرنسا أخطأت التعويل على حفتر في مسألة حماية الحدود الليبية الجنوبية، فقد كانت تعتبره حارسًا للحدود لكنه فشل في ذلك، ليس هذا فحسب بل سهّل تنقلات المجموعة المتمردة “جبهة التناوب والوفاق” التي وجهت الضربة القاتلة للرئيس ديبي.
ليس هذا السبب الوحيد حتى ترفع فرنسا يدها عن حفتر، فهزائمه الأخيرة في حرب طرابلس وفشله في الوصول إلى العاصمة وتنفيذ أجندات الدول الداعمة له، من شأنه أيضًا أن يجعل باريس تغير نظرتها إليه، فهي لا تدعم ورقة خاسرة لذلك ستعجّل قريبًا في رفع يدها عنه.
أي ردة فعل لحفتر؟
في خضم ذلك، يتساءل العديد من الليبيين عن ردة فعل حفتر إزاء ما يجري في شأنه والتطورات الحاصلة في البلاد، خاصة أنه لم يبدِ إلى الآن تجاوبًا يذكر مع السلطات الجديدة الممثلة في حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي.
يبدو أن ورقة حفتر ما زالت قائمة وتشكل تهديدًا حقيقيًّا للتسوية في ليبيا، ذلك أن حفتر ما زال يعتمد على الميليشيات المحلية والمرتزقة الأجانب، فهو حتى الآن يطمح في حكم البلاد مهما كلفه الأمر رغم خسارته العسكرية القاسية على يد قوات حكومة الوفاق.
أعلنت القوات الليبية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية أنها رصدت هبوط طائرة شحن عسكرية تابعة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مطار القرضابية بمدينة سرت اليوم السبت.
— الدكتور طارق العزابي. Dr. Tareq Azabi (@TareqAzabi) May 2, 2021
دائمًا ما يعلن المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب رصد تحرك لآليات مسلحة تابعة لميليشيات حفتر مدعومة بمرتزقة روس، ومؤخرًا تم رصد رتل قوامه 62 آلية مسلحة وثلاث شاحنات محملة بالذخيرة، بالإضافة إلى منظومتي نظام دفاع جوي متنقل “بانتسير إس ون” الصاروخية المدفعية المضادة على متن هيكل شاحنة ألمانية الصنع، وهو في طريقه شرقًا إلى الشويرف.
وتظهر عديد المؤشرات أن خليفة حفتر ماضٍ في خططه الرامية إلى تعزيز الشرخ في ليبيا دون رجعة، حتى يستطيع إعادة تقديم نفسه في معمعة الانقسام كشخصية قادرة على توحيد ليبيا وقيادتها إلى بر الأمان بعيدًا عن الحكومة الجديدة والمجلس الرئاسي.
طموحات حفتر تصطدم بآمال الليبيين في أن تحقق السلطة الانتقالية الجديدة التوافق والمصالحة وتنهي الخلافات والأزمات التي خلفتها الصراعات المسلحة في البلاد، فهم سئموا الحروب والانقسامات التي تسببها حفتر طيلة السنوات الماضية.