في خطوة جديدة تدل على تصعيد جديد وتوتر في العلاقات بين البلدين، استدعى المغرب سفيرته في برلين للتشاور وأرجعت المملكة ذلك إلى وجود تباين في وجهات النظر بين البلدين بشأن مسألة الصحراء الغربية والقضية الليبية ومسائل أمنية أخرى فضلًا عن تقليل ألمانيا من قيمة المغرب.
خطوة اعتبرها العديد من المتابعين رسالة مغربية لألمانيا بضرورة إعادة تقييم دور المملكة الإقليمي، خاصة أن هذه الخطوة تأتي قبل مغادرة ميركل الحكم التي لم يسبق لها أن التقت محمد السادس – بصفة رسمية – طوال فترة حكمها، وأيضًا بعد الاعتراف الأمريكي بأحقية المغرب في الصحراء والتطبيع مع الإسرائيليين.
أسباب التوتر
قالت الخارجية المغربية في بيان لها إن ألمانيا راكمت المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة، لذلك استدعت الرباط سفيرتها في برلين زهور العلوي للتشاور، وعددت الوزارة 3 مستويات لهذا التصعيد، وعلى رأسها ما قالت الرباط إنه موقف سلبي لألمانيا تجاه قضية الصحراء الغربية.
وأوضحت الوزارة أن “الموقف العدائي لبرلين جاء في أعقاب الإعلان الرئاسي الأمريكي الذي يعترف بسيادة المغرب على صحرائه، وهو ما يعتبر موقفًا خطيرًا لم يتم تفسيره حتى الآن”، وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في أواخر ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، اعترافها بسيادة المغرب على الإقليم المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو.
ورغم عدم صدور موقف ألماني رسمي خاص للرد على قرار ترامب حينها، فإنها دعت مجلس الأمن الدولي للاجتماع لأجل مناقشة قرار ترامب، وهو ما اعتبره المغرب رفضًا ألمانيًا ضمنيًا للقرار الأمريكي، كما سجّلت تلك الفترة رفع برلمان بريمن (ولاية ألمانية) علم ما يسمى “الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية” التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد ولا تعترف بها الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، وذلك في ذكرى “تأسيسها”.
توتر العلاقات بين البلدين أو لنقل ضعف التنسيق بينهما تبيّن من خلال عدم برمجة أي لقاء بين قادة الدولتين
أما السبب الثاني الذي ذكرته الخارجية المغربية لقرارها أن السلطات الألمانية كشفت معلومات حساسة قدمتها أجهزة الأمن المغربية لنظيرتها الألمانية، وذلك في ملف مقاضاة أحد المدانين السابقين بارتكاب أعمال إرهابية، دون ذكر اسمه.
ويتعلق الأمر في الغالب بمحمد حاجب وهو مواطن مغربي ألماني أدين سنة 2010 في قضية إرهاب بالسجن 10 سنوات في المغرب إلا أنه تم إطلاق سراحه في 17 من فبراير/شباط 2017، ثمّ عاد إلى ألمانيا بعد الإفراج عنه، حيث اشتهر ببث فيديوهات على يوتيوب تتضمن انتقادات حادة للسلطات المغربية.
والسبب الثالث هو استمرار ألمانيا في “محاربة الدور الإقليمي الذي يقوم به المغرب، وتحديدًا في الملف الليبي، وذلك بمحاولة استبعاد المملكة من دون مبرر من المشاركة في بعض الاجتماعات الإقليمية المخصصة لهذا الملف، كتلك التي عقدت في برلين”، في إشارة إلى المؤتمر الدولي بشأن ليبيا الذي عقد في برلين في يناير/كانون الثاني 2022.
وترى السلطات المغربية أن ألمانيا تجاوزت المملكة التي كانت دائمًا في طليعة الدول الساعية لحل الأزمة الليبية، وسبق أن احتضنت مدينة الصخيرات المغربية، قبل 5 سنوات، مختلف الأطراف الفاعلة في ليبيا على طاولة واحدة، لبحث حل لأزمة بلدهم المنكوب، فكان أن توصلوا لاتفاق سياسي لتسوية الأزمة الليبية في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2015.
الخارجية المغربية ??
ألمانيا كشفت معلومات حساسة قدمتها أجهزة الأمن المغربية لها خلال مقاضاة مدان سابق بالإرهاب #المغرب— AHMED HAFSI – حفصي أحمد (@hafsi_ahmed1) May 6, 2021
كما استضافت مدن المملكة جولات عدة من المفاوضات بين مختلف الفرقاء الليبيين، ما يجعل دورها مهمًا في حل الأزمة الليبية، إلا أن ألمانيا اختارت عدم استدعائها واستدعاء تونس والجزائر، ما يؤكد سعي ألمانيا لتهميش المغرب.
أسباب قديمة أخرى
إضافة إلى هذه الأسباب، توجد أخرى قديمة متجدّدة منها تباعد المواقف بين البلدين إزاء قضايا مثل الهجرة والأمن، رغم توقيع مذكرة تفاهم بشأن “شراكة إستراتيجية” بين الطرفين، ومن الأسباب أيضًا أن الرباط لم تكن راضية عن عمل الرئيس الألماني الأسبق هورست كولر الذي تولى مهمة مبعوث أممي للصحراء الغربية، فكولر قاد محادثات لم تحرز اختراقًا في الملف الذي شهد جمودًا لسنوات.
توتر العلاقات بين البلدين أو لنقل ضعف التنسيق بينهما تبيّن من خلال عدم برمجة أي لقاء بين قادة الدولتين، فخلال أكثر من عقدين أي منذ تولي الملك محمد السادس العرش لم يقم بأي زيارة رسمية إلى ألمانيا، وبدورها لم تقم المستشارة أنجيلا ميركل منذ توليها الحكم بزيارة المغرب إلا في مناسبة واحدة هي المؤتمر الدولي للهجرة في ديسمبر/كانون الأول 2018، وحتى على هامشه لم تلتق المستشارة الألمانية بالعاهل المغربي، وكانت آخر زيارة لرئيس حكومة مغربي (إدريس جطو) لبرلين في سنة 2006 مع بداية حكم المستشارة ميركل.
المغرب بعد الاعتراف الأمريكي بأحقيته في الصحراء أكثر قوة كما أنه أصبح رقمًا صعبًا في القارة الإفريقية في معظم المجالات
وتعود أهم زيارة ثنائية على مستوى عال تمت بين البلدين خلال العقدين الماضيين، إلى سنة 2000 عندما زار رئيس الحكومة المغربية الراحل عبد الرحمن اليوسفي رفيقه في الاشتراكية الدولية، المستشار السابق غيرهارد شرودر، واتسمت معظم الزيارات التي تبادلها مسؤولو البلدين بطابع تشاوري أو تفاوضي بخصوص ملفات جزئية مثل الطاقة أو الهجرة أو الأمن.
سعي مغربي لإثبات الذات
استدعاء السفيرة للتشاور يعتبر رسالة مغربية لألمانيا بضرورة إعادة تقييم دور المملكة الإقليمي، خاصة أن هذه الخطوة تأتي قبل مغادرة ميركل الحكم، وبداية الحديث عن ملامح السياسة الخارجية الألمانية في المرحلة المقبلة.
في هذا الشأن يقول الأستاذ في الجامعة المغربية رشيد لزرق: “المغرب دولة ذات سيادة والمفروض في ألمانيا التعامل معها كشريك، كما أن السياسة الدبلوماسية تقوم على التعامل بالمثل والخطوة المغربية الثانية هي تنبيه لصانع القرار في ألمانيا لضرورة الوضوح والجلوس معًا لإعادة تقييم العلاقات الثنائية”.
ويرى المغاربة أن ألمانيا في عهد ميركل لا تضع تقديرًا كبيرًا للدور القيادي المتنامي للمملكة على الصعيد الإقليمي والإفريقي، وهو ما يفسّر تهميش برلين للرباط، لذلك عليها مراجعة سياستها الخارجية تجاه المملكة.
الشائع والمتداول في العلاقات الدولية أن الدول التي تعتبر نفسها وازنة هي التي تلجأ إلى توقيع العقوبات الدبلوماسية على الدول الأخرى وفقا لنزعة متعالية ورغبة في إذلال هذه الدول بشكل أوبآخر. pic.twitter.com/AjDXxsFrrQ
— For Western Sahara (@WesternSaharaQ) May 7, 2021
يرى لزرق في حديثه مع نون بوست أن “المغرب قوة إقليمية صاعدة وله العديد من الملفات التي يمكن تحريكها كملف تجميد التعاون الأمني وملف الهجرة غير شرعية، فعلاقات المغرب مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي يجب أن تكون في إطار علاقة الشركاء، ويحرص كل طرف على احترام مصالح شريكه”، وفق قوله.
وأضاف محدثنا، “قوة كل الدولة تقوم على ما تملكه من معطيات والمغرب حقق تقدمًا بشهادة كل الخبراء وعليه لا شك أن قرار الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، واعتبارًا لمكانة الدولة الأمريكية كدولة عظمي فإن الاتحاد الأوروبي باعتباره شريكًا مدعو بضرورة الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية”.
يعتبر هذا الأمر بمثابة السعي المغربي لإثبات الذات وإثبات قوة الدولة، ودفع السلطات الألمانية إلى إعادة تقييم الدور المغربي في المنطقة في ضوء المعطيات الجديدة، فالمغرب بعد الاعتراف الأمريكي بأحقيته في الصحراء أكثر قوة كما أنه أصبح رقمًا صعبًا في القارة الإفريقية في معظم المجالات.