تشير تسريبات إلى أن رئيس الاستخبارات السعودية التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد بدمشق في الثالث من مايو/ أيار الجاري بهدف استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وفقًا لعمر كريم، الباحث والمتخصص في شؤون الخليج، فإن هذه الخطوة السعودية الأخيرة تهدف أساسًا إلى احتواء النفوذ الإيراني.
اتخذت المملكة العربية السعودية مؤخرا عددا من الخطوات المفاجئة، فبعد المصالحة مع قطر في كانون الثاني/ يناير الماضي، واستئناف المحادثات مع تركيا، ورغبة ولي العهد الواضحة في تحسين العلاقات مع إيران، توشك الرياض أن تستعيد علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.
وفقا لصحيفة “رأي اليوم”، سافر وفد سعودي برئاسة رئيس جهاز المخابرات، الفريق خالد الحميدان، إلى دمشق في الثالث من أيار/ مايو للقاء بشار الأسد. قد تمهد هذه الزيارة لإعادة فتح السفارة السعودية في العاصمة السورية بعد عطلة عيد الفطر يوم 13 أيار/ مايو. إلى حد الآن لم تعلق الرياض ولا دمشق على هذه التسريبات.
منذ 2012، قطعت الرياض علاقاتها مع سوريا بعد أن انحازت إلى المعارضة وطردت دمشق من جامعة الدول العربية. بالنسبة لعمر كريم، الباحث في جامعة برمنغهام والمتخصص في شؤون الخليج، فإن سياسة إعادة التموضع التي تنتهجها الرياض حاليا هي في الآن ذاته جيوسياسية وظرفية واقتصادية.
وقال عمر كريم لموقع سبوتنيك: “في الوقت الحالي، تعتبر العلاقات مقطوعة بشكل تام ولا توجد أي اتصالات سياسية أو اقتصادية. أدرك صناع القرار في السعودية أن الأسد باق في السلطة ولن يتخلى عنها، وأنهم قد يضطرون يوما ما للتواصل معه”.
لم تكن السعودية أول دولة خليجية تدرك ذلك. في كانون الأول/ ديسمبر 2018، أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة ذاتها، قرر الأردن إعادة فتح نقطة حدودية مع سوريا. من خلال “انتصاره” في الحرب، قد يجبر بشار الأسد جيرانه العرب على التصالح معه. ستعود سوريا إلى الساحة العربية ويمكن أن تسهل الاستثمارات الخليجية إعادة إعمار البلاد.
بغض النظر عن الضغوط التي يرجّح أنها لعبت دورا في هذا التحول الدبلوماسي، فإن المملكة العربية السعودية ستحافظ على هدفها الأساسي وهو احتواء النفوذ الإيراني في سوريا
مشاريع إعادة الإعمار
يعيش الاقتصاد السوري وضعا متأزما حاليا، فالبلد مدمر والعقوبات الغربية تمنعه من التبادل تجاريا مع الخارج. وبحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، فإن التكلفة الإجمالية لإعادة إعمار سوريا تقدر بنحو 388 مليار دولار. وبينما تشترط الدول الغربية إطلاق عملية سياسية “شاملة” مقابل تقديم المساعدة، فإن دول الخليج ستختار اتخاذ قرار أكثر براغماتية.
ويرى عمر كريم أن “الرياض مهتمة بإعادة إعمار سوريا”، ويقول في هذا السياق: “منذ زيارة الملك سلمان لروسيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، قلصت المملكة العربية السعودية بشكل كبير من الدعم الذي كانت تقدمه للمعارضة السورية. أما فيما يتعلق بإعادة الإعمار، فقد تكون نقطة تفاوضية، لكن المملكة العربية السعودية لن تفعل ذلك إلا بعد أن تسمح لها الولايات المتحدة”.
غير أن واشنطن ليست الدولة الوحيدة التي تؤثر على الرياض. في أعقاب زيارة سيرغي لافروف للخليج العربي في آذار/ مارس الماضي، أعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير أن “سوريا تستحق العودة إلى الساحة العربية. نحن ندعم كل الجهود لحل الأزمة”. لذلك، تستغل روسيا نفوذها الدبلوماسي لإعادة علاقات سوريا مع محيطها الإقليمي.
وبغض النظر عن الضغوط التي يرجّح أنها لعبت دورا في هذا التحول الدبلوماسي، فإن المملكة العربية السعودية ستحافظ على هدفها الأساسي وهو احتواء النفوذ الإيراني في سوريا.
رغم نية ولي العهد محمد بن سلمان الواضحة في إقامة علاقات دبلوماسية ودية مع إيران، فإن طهران ستظل الخصم الإقليمي الأبرز للسعودية
احتواء النفوذ الإيراني
شاركت إيران في الحرب السورية منذ 2011 وقدمت دعما كبيرا لبشار الأسد. وبفضل انتشارها الواسع، ساعدت القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية النظام السوري على استعادة حلب وأطراف دمشق والمناطق الحدودية مع لبنان، وكذلك عدة مناطق في الرقة ودير الزور.
في الوقت الراهن، ترغب إيران في الحفاظ على مكاسبها في سوريا وإنشاء ممر بري يمتدّ من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط.، خاصة أنهم استحوذوا على إدارة ميناء اللاذقية سنة 2019.
وكانت المملكة العربية السعودية قد اختارت منذ بداية الحرب الاصطفاف إلى جانب المعارضة السورية بهدف منع إيران من تحقيق أهدافها في المنطقة. وبعد أن اتضح فشل تلك الاستراتيجية، يبدو أن الرياض اختارت الاقتراب من دمشق من أجل إعادتها إلى الحضن العربي.
ويرى عمر كريم أن من أبرز أهداف الرياض من إعادة فتح سفارتها في دمشق الحد من النفوذ الإيراني، ويضيف: “يعدّ ذلك هدفا رئيسيا لكنه سيكون صعب التحقيق مع استمرار وجود قوات إيرانية على الأراضي السورية. سيكون السعوديون على استعداد لدعم مثل هذه الأنشطة في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ما سيساعدهم أيضًا على نيل رضا الأمريكيين”.
في الواقع، يُعتبر احتواء النفوذ الإيراني من أولويات واشنطن، وقد فهمت الرياض هذه النقطة ولم تكن هذه محاولتها الأولى في هذا الاتجاه. خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى المملكة العربية السعودية في 31 آذار/ مارس الماضي، تحدثت تقارير عن خطط سعودية لاستثمار 3 مليارات دولار في العراق. بشكل غير مباشر، يعتبر ذلك وسيلة لتقويض نفوذ الميليشيات الموالية لإيران في العراق.
ورغم نية ولي العهد محمد بن سلمان الواضحة في إقامة علاقات دبلوماسية ودية مع إيران، فإن طهران ستظل الخصم الإقليمي الأبرز للسعودية. وقد يكون من شروط الرياض لاستئناف العلاقات مع النظام السوري هو أن تنأى دمشق بنفسها عن حليفها الإيراني.
المصدر: سبوتنيك نيوز