لا تختلف كثيرا صلاحيات البرلمان التونسي التي حددها له دستور البلاد الصادر في 26 يناير 2014 عن الصلاحيات المنصوص عليها في دستور 1959 الصادر تحت حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة واستمر في زمن حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي أطاحت به ثورة 2011.
في المقابل، سيمكن التعدد المنتظر للأطياف الحزبية التي ستشكل البرلمان التونسي المقبل، النواب من لعب دورهم بشكل حقيقي وتأدية المهام وومارسة الصلاحيات المناطة بعهدتهم بشكل فعلي ما سيجسد ميلاد “أفضل برلمان تونسي منذ الاستقلال” (20 مارس 1956) عن المحتل الفرنسي، حسبما أوضح أستاذ القانون الدستوري، التونسي، “صادق بلعيد” الأستاذ المتخصص في القانون الدستوري بجامعة الحقوق والعلوم السياسية بتونس.
وينص دستور 2014، بموجب المادة 64 على أنه “يصادق مجلس نواب الشعب بالأغلبية المطلقة لأعضائه على مشاريع القوانين الأساسية، وبأغلبية أعضائه الحاضرين على مشاريع القوانين العادية، على ألّا تقل هذه الأغلبية الأخيرى عن ثلث أعضاء المجلس”.
في هذا الصدد، لفت الأستاذ صادق بلعيد إلى أن دستور 1959 كما الدستور الحالي وفي جميع الدول، يكرس في مواده فكرة ممارسة البرلمان للسلطة التشريعية (إصدار القوانين).
وتظهر المادة 55 من دستور الجمهورية التونسية لعام 2014 نقاط تشابه مع دستور 1959 حيث تنص على أنه: “ينتخب أعضاء مجلس نواب الشعب انتخابا عاما، حرا، مباشرا، سريا، نزيها، وشفافا، وفق القانون الانتخابي”، وهي الصياغة ذاتها تقريبا في دستور 59.
ويعلق “بلعيد” على ذلك بالقول أن السلطة التشريعية دائما ما تمتلك القدرة على السيطرة على السلطة التنفيذية، سواء كانت نابعة من البرلمان بشكل مباشر أو إن لم تكن كذلك، وأنها (السلطة التشريعية) تسيطر على سلطة برأسين (الرئيس والحكومة)، أو على الحكومة بمفردها.
في هذا الصدد، كانت المادة 60 من دستور 1959 تنص على أن المعارضة هي مكون أساسي من مجلس نواب الشعب وأنها تمتلك الحق في القيام بمهمتها في إطار العمل البرلماني كما أكدت المادة على وجوب ضمان تمثيلية ملائمة للمعارضة في أجهزة وأنشطة المجلس على المستويين الداخلي والخارجي.
غير أنه وفقا لـ “بلعيد”، يكمن الفرق حاليا أن البرلمان المقبل سيتمكن، استنادا لنصوص الدستور، من لعب دوره بشكل كامل ومن إسماع صوته “الذي كان مخنوقا قبل أن يصدح” عقب ثورة 2011.
وواصل الخبير القانوني والدستوري تحليله قائلا: “سيكون بوسع النواب انطلاقا من الآن الاعتماد على النصوص وتأويلاتها المتعددة وتفعيلها وتشكيل تحالفات وأغلبيات داخل المجلس، فيما كان دستور 59 يطبق بطريقة أحادية كون معظم النواب بقوا خاضعين للتحكم عن بعد من السلطة التنفيذية ويأتمرون بأوامر فوقية وهو ما كان يمنعهم من استعمال صلاحياتهم التي ظلت حبرا على ورق”.
“بلعيد” يعتبر أيضا أن “الآليات التي رصدها الدستور يمكن من الآن فصاعدا ان تطبق بفضل تعدد أطياف النواب”، كما تطرق إلى إمكانية دعوة البرلمان لرئيس الجمهورية او رئيس وأعضاء الحكومة إلى جلسات استماعية للمساءلة، يمكن أن تتطور إلى حجب الثقة، وهي آلية يكرسها الدستور التونسي الجديد.
ولعل أكثر الآليات وزنا واهمية في دستور 2014 هي تلك التي تضمنتها المادة 88 حيث تنص على انه : “يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه”، وعادة ما يتعلق هذا الخرق بـ”الخيانة العظمى”.
ورغم أن الصلاحيات التي أقرها الدستور الجديد لرئيس الجمهورية لا تختلف كثيرا كما وكيفا عن صلاحياته في الدستور 1959 (تمثيل الدولة، المادة 77، اتخاذ تدابير استثنائية في حال خطر داهم مهدد لكيان الوطن، المادة 80) فإن المعادلة التي ستتمخض عنها انتخابات أكتوبر ونوفمبر 2014 لن تكرس نظاما رئاسويا وإنما بالاحرى مختلط.
ويوضح بلعيد في هذا السياق أن غياب الهيمنة الرئاسية سيكون بالأحرى نتاجا للمناخ الديمقراطي السائد ولتنوع القوى السياسية التي ستحول دون تطابق التطلاعات البرلمانية والرئاسية، كما كان الأمر في السابق، حيث كان هذا التطابق في صالح “رئيس جمهورية مهيمن”.
ويضيف قائلا: “حتى في حال توافق هذه التطلعات، فإن المعارضة البرلمانية، حتى وإن كانت لا تمثل فيه إلا أقلية، بالإضافة إلى نشاط المجتمع المدني، كل ذلك سيحول دون هيمنة رئاسية ويقيد جموح المؤسسة الرئاسية”.
ويخلص بلعيد إلى أن كل ذلك يحد عمليا من صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح الحكومة التي ستنبثق عن الأغلبية البرلمانية، وأن الرئاسة المقبلة للجمهورية ستبدو إذا ما قارناها بالوضع السابق، “مقيدة اليدين”.
وعلى المستوى الدستوري، يكرس الفصل 92 من الدستور هذا المبدأ وينص على التالي: “يتصرف رئيس الحكومة في الإدارة، ويبرم الاتفاقيات الدولية ذات الصبغة الفنية”.
ويخلص الخبير القانوني إلى أنه بصرف النظر عن النصوص، فإن الشأن السياسي هو الذي سيمكن نظيره القانوني من التواجد على الأرض، وهو ما سنيعكس إيجابا في الظرف الحالي على البرلمان المقبل، مشيرا إلى أن هذا التواجد غاب فعليا في فترتي حكم زين العابدين بن علي (1987 – 2011 ) والحبيب بورقيبة (1957-1987).
أهم القوى السياسية
ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التشريعية المقبلة الأحد الـ 26 من أكتوبر، يعتبر حزبا “حركة النهضة” و”نداء تونس”، أبرز القوى السياسية في المشهد التونسي، مع “الجبهة الشعبية”، ليشكلوا معا الثالوث الذي يحظى بأوفر الحظوظ، فيما يتصدر الاتحاد من أجل تونس والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات والحزب الجمهوري فحركة الشعب، أحزاب ما يمكن أن يطلق عليه “الخط الثاني”.
وتعدّ حركة النهضة، ذات التوجه الاسلامي المعتدل، رأس الترويكا التي مارست الحكم في أعقاب انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011. حيث لا تزال تحظى بتموقع مركزي على الخارطة السياسية، ودعم شعبي معتبر في أغلب جهات البلاد، لا يختزلها في شخص رئيسها “راشد الغنوشي”، إذ تعول الحركة على طبقة سياسية يضمها مجلس الشورى ولا يسعها.
ويتميز برنامج النهضة بسعيه إلى تحقيق منوال تنموي اندماجي يرتكز على خيار اقتصاد السوق كخيار استرتيجي والانتقال إلى اقتصاد المنافسة عبر القطع النهائي مع ظواهر سلبية كالواسطة والمحسوبية. كما يطمح إلى اعتماد مقاربة أمنية وقضائية جديدة للقضاء على الارهاب إضافة إلى مقاربة وقائية شاملة تعالج مختلف الأبعاد الفكرية والتربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تتغذى منها هذه الظاهرة.
وكان النجاح الانتخابي الذي أحرزته النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي (41 ٪ من المقاعد) العامل المحدد لتأسيس “نداء تونس” في أبريل 2012، والذي أسسه في 2012 الباجي قائد السبسي، رئيس وزراء في فترة ما بعد الثورة، حيث اعتمدت في هيكلته على عدد من الوجوه السياسية في نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إضافة إلى مجموعة من الشخصيات ذات التوجهات اليسارية وبعض المستقلين والشخصيات المعروفة بتوجهاتها اليبيرالية.
يرى الحزب الذي لايزيد أعضاء كتلته في المجلس التأسيسي على ضرورة دعم التنمية والحد من الفقر بتخصيص ميزانية ضخمة للاستثمارات خلال 5 سنوات بما يمكن من تحقيق نمو قوي وثابت. كما يعد الحزب بتسخير كل الموارد البشرية والمادية للجيش وقوات الأمن واعطائها الاولوية في اعتمادات الميزانية، بهدف محاربة الارهاب واستتباب الأمن، أحد مطالب التونسيين الحثيثة.
أما الجبهة الشعبية فهي ائتلاف سياسي يجمع ما لا يقل عن 11 حزبا يساري راديكالي، وقومي عروبي، بالإضافة إلى عدد من الجمعيات والشخصيات المستقلة. ولئن لا يتجاوز عدد نوابها في المجلس التأسيسي الأربعة، فإن هذا الحزب الذي جعل من الدفاع عن حقوق العمال أحد محاور سياسته، يتمتع بحظوة في عدد من الجهات الداخلية، ولا سيما ولاية قفصة (وسط غربي البلاد). كما ساهم اغتيال اثنين من أبرز مناضليه، شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013، في تنامي شعبيته.
وترتبط حظوظ التكتل من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية بتقييم أداء زعيميهما الحالي، مصطفي بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي، والسابق المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية المؤقت. وإذ يعتبر التكتل، الحائز على العضوية الدائمة في العالمية الاشتراكية، ذا نفس يساري معتدل، فإن المؤتمر يندرج في نسق ثوري، حسب تصريحات قيادييه. وبناء، يرمي “المؤتمر” الذي لا يزيد عدد مقاعده في المجلس التأسيسي على 12 بعد أن انشق عنه أكثر من نصف نوابه، إلى وضع نمط تنمية جديد يتحاشى ما أفرزه النمط السابق من فجوة اجتماعية وخلل في التوازن بين الجهات.
أما “التكتل”، صاحب الـ 12 نائبا بعد انشقاق 8 من ممثليه، فيهدف إلى توفير مناخ ملائم للاستقرار السياسي والاقتصادي بتوضيح الرؤية السياسية للمنوال التنموي المنشود واستقرار الإطار القانوني والجبائي للإستثمار.
وتنضوي أربعة أحزاب من الوسط واليسار المعتدل تحت لواء الاتحاد من أجل تونس ويعد المسار الديمقراطي الاجتماعي، الذي يتولى أمانته العامة سمير الطيب، أهمها، بتمثيلية تعادل سبعة نواب في المجلس التأسيسي. يرى الاتحاد ضرورة تشريك المجتمع المدني والفاعلين في المجال الاقتصادي في أخذ القرار في مختلف السياسات ودعم استقلالية عدد من المؤسسات الجمهورية. أما الحزب الجمهوري، الممثل في المجلس التأسيسي بـ 7 نواب منبثقين عن أحزاب وسطية واجتماعية ليبيرالية، فتتزعمه مية الجريبي ويتمثل أهم ملمح في برنامجه في إصلاح القطاع البنكي ورفع القدرة الشرائية
أما حركة الشعب، ذات التوجه القومي، والتي يتولى أمانتها العامة زهير المغزاوي، فتدعو إلى تكثيف الاستثمار في المشاريع الكبرى وفي الجهات الداخليّة وإرساء منوال تنمية قائم على الشراكة بين القطاع العام والخاص.
11 ألف مراقب
ويشرع نحو 11 ألاف ما بين مراقب وملاحظ في رصد التجاوزات القانونية خلال الانتخابات التشريعية التونسية المقررة الاحد القادم.
وقالت “لمياء الزرقوني” عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إن ” العدد الإجملي للملاحظين المعتمدين من الهيئة يبلغ 9605 تابعين لجمعيات ومؤسسات تونسية ودولية، كما كلفت الهيئة من جانبها 1200 مراقبا تابعين لها ينتشرون في 27 دائرة انتخابية موزعين على 24 محافظة”، ليصبح إجمالي عدد المراقبين 10 آلاف و805.
وتؤكد الهيئة العليا المستقلة على أن “الملاحظين” سيقومون بـ”رصد أي تجاوزات محتملة يوم الاقتراع” وتدوينها في تقارير يرفعونها للهيئة، أما “المراقبين” التابعين لها فهم فقط من “يحق لهم التدخل فورا في حال ما تم الكشف عن تجاوزات، واللجوء لقوة القانون إن لزم الأمر”.
ويتوزع الملاحظون التونسيون (9142 ملاحظا ) على 14 جمعية غير حكومية أما الأجانب ( 463 ملاحظا) فينتمون ل 9 جمعيات ومؤسسات عربية وأمريكية وأوروبية، من بينها بعثة الاتحاد الاوروبي ( 100 ملاحظ) ومركز كارتر (الولايات المتحدة – 80 ملاحظا) والمعهد القومي للديمقراطية ( الولايات المتحدة – 50 ملاحظا) وبعثة الجامعة العربية 21 ملاحظا) والاتحاد الافريقي (60 ملاحظا).
أما الجمعيات التونسية فتتصدرها جمعية “مراقبون” ( 3015 ملاحظا) ثم الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات ” عتيد” ( 1764 ملاحظا) و القطب المدني للتنمية وحقوق الانسان ( 952 ملاحظا) و جمعية ” أنا يقظ” ( 150 ملاحظا).
وتتدخل الهيئة بصفة مباشرة لاتخاد اجراءات فورية والتحقق بنفسها في حال ما ترفع لها أحد الجمعيات المراقبة ( التونسية أوالأجنبية ) تقريرا عاجلا ترصد فيه تجاوزا صارخا للقانون، يتعلق مثلا بمحاولة تأثير أحد المرشحين او أنصاره بطريقة أو باخرى على النوايا التصويتية للناخبين، وفقا لما أفادت بع عضوة الهيئة لمياء الزرقوني.
ونظم القانون الانتخابي الصادر مؤخرا عملية مراقبة الانتخابات حيث نص في الباب الثالث منه (مراقبة الحملة)، وفي المادة 71 تحديدا، على أنه “تتعهد الهيئة من تلقاء نفسها او بطلب من أي جهة كانت، بمراقبة احترام المترشح أو القائمة المترشحة أو الحزب، لمبادئ الحملة والقواعد والإجراءات المنظمة لها، وتتخذ التدابير والإجراءات الكفيلة بوضع حد فوري للمخالفات، ولها في ذلك حجز الإعلانات الانتخابية أو المتعلقة بالاستفتاء، ويمكنها الاستعانة بالقوة العامة عند الاقتضاء لفض الاجتماعات والاستعراضات والمواكب والتجمعات” غير المرخصة.
أما المادة 72 من القانون نفسه فتنص على أنه “تنتدب الهيئة أعوانا (مراقبين تابعين لها) محلفين”، أي يؤدون اليمين القانونية المتعلقة بالتزام الحياد والاستقلالية والكفاءة، وتكلفهم بمعاينة المخالفات ورفعها”، ويؤدون أمام قاض الدائرة الانتخابية المعنية اليمين التالية: “أقسم بالله العلي العظيم أن أقوم بمهامي بكل اخلاص وحياد واستقلالية، وأتعهد بالسهر على ضمان نزاهة العملية الانتخابية”.
المصدر: وكالة الأناضول