ترجمة وتحرير نون بوست
خلال الأسبوع الماضي، التقطت عدسات الكاميرا مشاهد لمستوطنين يهود يتحدثون بلهجة مدينة بروكلين الغليظة، وهم يتنمرون على الناس عندما كانوا في طريقهم إلى منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة. في هذا السياق، قال أحد المستوطنين لمنى الكرد، وهي فلسطينية تم اقتحام منزلها، في مقطع فيديو انتشر منذ ذلك الحين على نطاق واسع: “إذا لم أسرق منزلك، سيسرقه شخص آخر”.
من جانب آخر، شوهدت الشرطة الإسرائيلية، وهي تقتحم الحي، وتفرّق الوقفات الاحتجاجية بعنف، وتضرب وتخنق الناشطين الذين ينظمون اعتصامات احتجاجًا على تهجير اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة، والذين يواجه الكثير منهم مصير الطرد خلال الأيام المقبلة. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، شارك الناشطون عبر الإنترنت هاشتاغ #أنقذوا حي شيخ الجراح في محاولة لجذب الاهتمام الدولي والتأكد من أن العالم يشهد على جريمة إسرائيلية أخرى.
ينبغي ألا يساورنا أدنى شك في أن هناك عملية تطهير عرقي تجري في الوقت الراهن في الحي الذي تقطنه أغلبية فلسطينية على مرأى ومسمع من العالم. في المقابل، تعاطت وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية مع هذا الأمر كما وأنه لم يحدث شيء على الإطلاق. في هذا العالم الموازي، قوبلت المحاولة غير القانونية والشريرة لإخراج الفلسطينيين من منازلهم بالإضافة إلى الأعمال العنيفة التي شنتها القوات الإسرائيلية لوقف المظاهرات المناهضة لأوامر المحكمة الأخيرة التي تدعم عمليات الإخلاء، بصمت مدوي.
عمليات ترحيل متعددة
بعد إلقاء نظرة خاطفة على صحيفة “نيويورك تايمز” و”إن بي آر” و”سي إن إن” ومجلة “تايم”، لم تكن هناك أية تقارير حول الأحداث التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية. بدلا من ذلك، استمروا في التركيز بشكل أساسي على عدم قدرة “إسرائيل” على تشكيل حكومة. على سبيل المثال، عندما غطت وكالة أسوشيتد برس عمليات الترحيل والعنف التي تعرض لها سكان الشيخ جراح، وقعت صياغة القضية على أنها نزاع شبه تجاري بين طرفين ووصفت بأنها “معركة قانونية طويلة الأمد” بين الفلسطينيين والمستوطنين، متجاهلة الإشارة إلى أنه بموجب القانون الدولي، لا تتمتع المحاكم الإسرائيلية بصلاحية توطين المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لاسيما وأن تهجير العائلات الفلسطينية يتعارض مع مبادئ القانون الإنساني الدولي.
لطالما شهدت العائلات التي تقطن في هذا الحي الكثير من الهجمات، ذلك أن هذا الحي يعد في صميم المشروع الإسرائيلي غير المتناهي للاستعمار الاستيطاني للأراضي وطرد الفلسطينيين، أو كما وصفه الفلسطينيون: استمرار لنكبة 1948. يضم حيّ الشيخ جراح حوالي ثلاثة آلاف لاجئ هُجّروا بشكل قسري من منازلهم الأصلية في أجزاء أخرى من فلسطين في عام 1948. منذ أوائل السبعينات، كان الفلسطينيون في الحي يخوضون صراعا مع سلسلة من منظمات المستوطنين اليهود الذين رفعوا دعاوى قضائية للاستحواذ على الأرض. وقد طُرد عشرات الفلسطينيين من الحي وأخذ مستوطنون إسرائيليون مكانهم.
جاءت الأزمة الحالية والاحتجاجات بعد أن أمرت المحاكم الإسرائيلية خلال السنة الماضية بطرد أكثر من 12 عائلة فلسطينية من الحي السكني. لم يكن من المستغرب عدم تغطية وسائل الإعلام الأمريكية السائدة للأحداث التي يشهدها الشيخ جراح، وذلك بالنظر إلى الطرق التي تغطي بها تاريخيا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، سواء كان ذلك من خلال استخدام مصطلح من قبيل “اشتباكات”، حتى عندما خرج حشود من الإسرائيليين للشوارع وهتفوا “الموت للعرب”، على غرار ما حدث الشهر الماضي، أو رسم معادلات زائفة حول مستويات العنف بين الدولة المحتلة والدولة الخاضعة للاحتلال، أو التبرير المستمر للعنف الإسرائيلي على أنه “دفاع عن النفس”، حتى في حال حدوث هجمات كثيفة. في الحقيقة، تعد وسائل الإعلام نفسها التي لا تزال تشيد بنجاح لقاح كوفيد-19 الإسرائيلي، بينما تنكر تمامًا مسؤولياتها القانونية تجاه حياة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرتها.
صورة لنبيل الكرد، أحد سكان كرم الجاعوني منذ فترة طويلة، وهو يقف بجانب جدار كُتب عليه بأحرف عربية “لن نرحل”.
في المقابل، لا يزال تجاهل الأحداث في الشيخ جراح مؤلمًا ومثيرا للاستياء. كان كان يُعتقد أنه بالنظر إلى الأحداث المضطربة التي جدّت خلال السنة الماضية، بداية من حركة حياة السود مهمة وصولا إلى جائحة كوفيد-19 التي كشفت عن أوجه عجز الولايات المتحدة وتفشي عدم المساواة في مجتمعها، ستُغيّر وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية إما موقفها أو ستعيد التفكير في مدى تورّطها في مثل هذه القضايا أو حتى تسلط الضوء على التواطؤ الأمريكي. في المقابل، يبدو أنها فضلت التزام الصمت وعدم اتخاذ أي موقف واضح.
صمت رسمي
في الحقيقة، يكمن جزء من المشكلة في أنه ليس هناك من يحاسب “إسرائيل”. في هذا الإطار، دعا نشطاء المجتمع المدني الفلسطيني المحكمة الجنائية الدولية إلى إدراج عمليات الإخلاء في الشيخ جراح كجزء من تحقيقاتها الجارية. في المقابل، رفضت كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة حق المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة “إسرائيل”.
فيما يتعلق بالشيخ جراح، رفضت الحكومة الأمريكية إدانة تصرفات المستوطنين التي ترعاها الدولة. ففي يوم الأربعاء، دعا العديد من المشرعين الأمريكيين وزارة الخارجية إلى الخروج عن صمتها. في هذا السياق، طالبت النائبة، ماري نيومان، وزارة الخارجية “على الفور بإدانة هذه الانتهاكات للقانون الدولي ذلك أنه يقع تهجير الفلسطينيين قسرا من منازلهم في القدس الشرقية”.
من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية لموقع ميدل إيست آي أنه “يشعر بقلق كبير”. وأضاف المتحدث ذاته: “كما قلنا باستمرار، من المهم تجنب الخطوات أحادية الجانب التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم التوتر أو تبعدنا عن حلول السلام، حيث يشمل ذلك عمليات الإخلاء والنشاط الاستيطاني وهدم المنازل”. في الأثناء، كان موقف الأمم المتحدة باهتا وغير واضح بشأن هذه المسألة. فضلا عن ذلك، أظهرت قيادتها أنها بالكاد قادرة على إعادة تأكيد موقفها الذي يتكرر كثيرًا، والذي يشير إلى أن “جميع الأنشطة الاستيطانية، بما في ذلك عمليات الإخلاء والهدم، غير قانونية بموجب القانون الدولي”.
في غضون ذلك، تتغير الكثير من الحقائق على أرض الواقع باستمرار، حيث ستتواصل اليوم وغدا عمليات الإخلاء، وستُزهق المزيد من الأرواح وسيقع الاستيلاء على المزيد من المنازل. ويبدو أن وسائل الإعلام الأمريكية تدرك جيدًا أنه إذا لم تكن هناك أيّة تبعات لتهجير وطرد الفلسطينيين من منازلهم، فلن تكون هناك بالتأكيد أية انعكاسات على وسائل الإعلام لمحو هذه الجرائم.
المصدر: ميدل إيست آي