لاتزال قضية إخلاء بيوت أهالي حي الشيخ جراح تتصدر المشهد السياسي وسط حراك شعبي كبير، وذلك بسبب خطر طردهم من منازلهم بعد قرار محكمة إسرائيلية بإجلاء 12 عائلة بشكل فوري.
العائلات التي يهددها القرار الإسرائيلي تعيش في “حي كرم الجاعوني” منذ عام 1956، فقد سكنوا الحي باتفاق بين الحكومة الأردنية، ممثلة بوزارة الإنشاء والتعمير، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، واتفق الطرفان على توفير المسكن لـ 28 عائلة لاجئة في حي الشيخ جراح، مقابل تخلي العائلات عن بطاقة الإغاثة، وكان من شروط العقد “دفع أجرة رمزية، على أن يتم تفويض الملكية للسكن بعد 3 سنوات”.
ومنذ عام 1972 بدأت قوات الاحتلال تضيّق على السكان، بزعم أن الأرض التي بنيت عليها منازلهم من طرف الحكومة الأردنيّة كانت مؤجرة في السّابق لعائلات يهودية، وفي العام ذاته توجهت جمعية استيطانية لتسجيل الأراضي بورقة مزورة، وسجلت لهم دون وجه حق، وبعدها بدأت برفع دعاوي على السكان.
يذكر أن حي الشيخ جراح يعد من أوائل الأحياء الجديدة نشأة خارج سور البلدة القديمة في القدس، وتقول الإحصاءات العثمانية إن منطقة الشيخ جراح ضمت 167 عائلة بحلول عام 1905.
وباستمرار يخطط الاحتلال الاسرائيلي لتوسيع مشاريع الاستيطان في حي الشيخ جراح، بهدف تطويق البلدة القديمة، واختراق الأحياء الفلسطينية بالبناء الاستيطاني، ففي أيلول/سبتمبر 2020 صدر قرار محكمة الاحتلال بإخلاء أربع عائلات من الحي، وهي: (اسكافي، والكرد، والجاعوني والقاسم)، وتبعه قرار آخر في الشهر الذي يليه يقضي بإخلاء ثلاث عائلات أخرى، وهي: (حماد، والدجاني، وداوودي).
قدمت العائلات طلب استئناف لمحكمة الاحتلال العليا، التي رفضت الاستئناف حينها، ثم أصدرت قرارًا في شباط 2021 بإخلاء المجموعة الأولى من العائلات في 2 مايو لكن أجلته إلى اليوم الخميس والذي تأجّل بدوره إلى الشهر المقبل.
ولابد للإشارة إلى أن الحكومة الأردنية سلمت السلطة الفلسطينية في عام 2019 بعض صور عقود هذه المنازل، والتي كانت تخضغ لما يسمى وزارة الإنشاء والتعمير، وقبل أيام قامت بتسليم باقي الوثائق الموجودة للسلطة، وهي عقود إيجار الوحدات السكنية في منطقة الشيخ جراح، وهذا إثبات على حق المقدسيين في هذه المنازل.
بالنسبة لموقف السلطة الفلسطينية، ترى عودة أنها تعتمد نهج القانون الدولي والدبلوماسية لمقارعة (إسرائيل) بالإضافة إلى محاولة تقديم دعم قانوني ومادي لسكان الشيخ جراح
دعم قانوني ومادي
واشتعلت الأحداث الأخيرة بعد دعوة السكان إلى تصعيد المقاومة الشعبية في الحي الذي يتعرض إلى أبشع سياسات التطهير العرقي في القدس، والعمل على تكثيف التضامن مع أهالي الحي، حيث يشارك في تلك الفعاليات المئات من المتضامنين الذين يأتون من أراضي الـ 48 والقدس والبلدات المجاورة للتعبير عن رفضهم لقرارات الاحتلال، وهم يرددون شعارات ضد الاستيطان وطرد السكان.
ويبدو واضحًا أن ما يدور هو محاولة الاحتلال لفرض سيادته على القدس وتنفيذ مخططاتها التهويدية تحت غطاء القانون بحجة أنها عاصمة دولته ومن حق تنفيذ القوانين فيها.
وتعلق ريهام عودة الكاتبة والمحللة السياسية بالقول: “هناك تناقض كبير في السياسة والقوانين الإسرائيلية فهم يريدون تطبيق قانون أملاك الغائبين في منطقة الشيخ جراح لمصلحة اليهود ولا يطبقون هذا القانون على الغائبين الفلسطينيين الذي هجروا من اراضيهم في يافا وحيفا عام 1948”.
أما بالنسبة لموقف السلطة الفلسطينية، ترى عودة أنها تعتمد نهج القانون الدولي والدبلوماسية لمقارعة “إسرائيل” بالإضافة إلى محاولة تقديم دعم قانوني ومادي لسكان الشيخ جراح، لافتة إلى أنه يمكن للسلطة التنسيق مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص للشرق الأوسط من أجل اصدار موقف أممي رسمي يدين الانتهاكات الإسرائيلية في الشيخ جراح والتأكيد على أن القدس الشرقية هي أراضي فلسطينية محتلة عام 1967 وهي جزء من الحل النهائي ولا يمكن التلاعب بها.
ووفق قولها لـ “نون بوست” فإن هناك حاجة لمطالبة السلطة أعضاء الجمعية العمومية في الأمم المتحدة لعقد اجتماع عاجل ومطالبتهم على التصويت على تثبت القرار الأممي رقم 242 الذي يطالب (إسرائيل) من الانسحاب من الأراضي المحتلة بعام 1967 وبما فيها أراضي القدس الشرقي.
ولفتت عودة إلى أن هناك حاجة أيضا بأن تنسق السلطة مع وكالة الأونروا للحصول على شهادتها الرسمية ورأيها القانوني في قضية الشيخ جراح، حيث اتفقت الأونروا خلال عام 1956، مع وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية، على إنشاء 28 وحدة سكنية في حي الشيخ جراح، وعقدت اتفاقيات فردية مع الأهالي لإقامة مساكن لهم في الحي، وتعهدت بموجب الاتفاقيات أن يتم تفويض وتسجيل ملكية الوحدات السكنية بأسماء تلك العائلات ولكن نتيجة لحرب 67 فإن عملية التفويض وتسجيل الملكية لم تتم.
ومع أهمية دور الأمم المتحدة والضغط على “إسرائيل”، لابد أن يكون هناك دور فلسطيني أردني
لجنة فلسطينية أردنية
وقبل أيام خاطب المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، مسؤولي المنظمة الدولية، برسائل متطابقة، شرحت الأوضاع الفلسطينية المتوترة، جراء التصعيد الإسرائيلي الخطير، خاصة ضد مدينة القدس المحتلة.
وتطرق في الرسائل، إلى مواصلة القوات الإسرائيلية في مداهماتها لحي الشيخ جراح، واعتداءاها على السكان والمتظاهرين المتضامنين، مواصلة المستوطنين والحكومة الإسرائيلية محاولات التطهير العرقي للأحياء الفلسطينية في المدينة والاستيلاء عليها.
وانتقد استمرار الصمت على هذه الأفعال الاحتلالية، وقال: “لا يمكن للمجتمع الدولي أن يظل مشلولا في مواجهة هذه الجرائم الصارخة”، مشددًا على أنه “قد حان الوقت للعمل الدولي، ولاسيما مجلس الأمن، باستخدام الوسائل والتدابير التي يتيحها القانون الدولي لمحاسبة (إسرائيل)، القوة القائمة بالاحتلال، على انتهاكاتها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني”.
ومع أهمية دور الأمم المتحدة والضغط على “إسرائيل”، لابد أن يكون هناك دور فلسطيني أردني، وفي هذا السياق تقول المحللة السياسية عودة: “ربما تبحث السلطة الآن عن ألية استخدام تلك العقود بشكل فعال في ملف تحقيق محكمة الجنائيات الدولية وتنتظر الوقت المناسب و الآلية المناسبة لتوظيف تلك الأوراق حسب القانون الدولي”، مشيرة إلى أن هناك ضرورة عاجلة لتشكيل لجنة فلسطينية-أردنية رسمية من أجل تقدم دعم قانوني ومادي لسكان منطقة الشيخ جراح ومن أجل التنسيق بشكل مكثف مع المؤسسات الأممية بما فيها الأونروا حول ترتيب ملف قانوني قوي يتم تقديمه لمحكمة الجنائيات الدولية.
سيكون يوم الاثنين المقبل محكمة للبت في أوامر الاخلاء لعدد من بيوت حي الشيخ جراح، كان تم تأجيل النظر فيها
الأرشيف العثماني
بدوره ذكر المحامي حسني أبو حسين مسؤول الدفاع عن أهالي الشيخ جراح إنهم حصلوا إلى إثباتات تفند ادعاءات المستوطنين شراء أراضي الحي ومنازله، بعد البحث في الأرشيف العثماني في أنقرة.
وبحسب المحامي فإنهم توصلوا إلى معلومات ودلائل هامة بعدما قدمت وزارة الخارجية التركية جوابا رسميا يفيد أن “الأوراق التي بحوزة الشركات الاستيطانية ليس لها أساس لا في الأرشيف العثماني ولا في أي أرشيف آخر يخص الدولة العثمانية”.
وكشف أبو حسين في حديثه مع “نون بوست” إلى أنهم خلال التنبيش في أرشيف المحكمة الشرعية بالقدس وجدوا أوراق رسمية تثبت ملكية أراضي الشيخ جراح تعود لعائلة فلسطينية “حجازي السعدي” التي تسكن في حارة السعدية في القدس القديمة.
وسيكون يوم الاثنين المقبل محكمة للبت في أوامر الاخلاء لعدد من بيوت حي الشيخ جراح، كان تم تأجيل النظر فيها، وفيما يتعلق بذلك يؤكد أن لديهم ملف قانوني منذ فترة طويلة ولابد للقاضي أن يحكم بما يتناسب مع الأوراق الثبوتية التي بحوزة لجنة الدفاع.
وعن الحكم المتوقع أن يصدره القاضي، أكد المحامي أن كل شيء مجهول، لكنه يأمل الوصول إلى قناة قانونية لإثبات أحقية سكان حي الشيخ جراح بأرضهم وبيوتهم.
كما ويصف التحركات الشعبية بالإيجابية، لاسيما وأن القضية ليست قانونية بقدر ما هي سياسية، ولابد من معالجتها سياسيا عبر توجه السلطات ذات الاختصاص بالضغط الدولي لمنع اخلاء السكان من بيوتهم.