ترجمة وتحرير: نون بوست
تبيع الفتيات الصغيرات النرجس عند إشارات المرور، بينما يدفع الأولاد عربات تحمل فواكه أو مكعبات ثلج ويقدمون الشاي ويساعدون في تفريغ الشاحنات وإجراء المهمات لأصحاب المتاجر. إن عمالة الأطفال جزء من الحياة اليومية في العراق، ولكن منذ بداية جائحة كوفيدـ19 السنة الماضية وصل العدد إلى مستوى قياسي.
قالت تانيا جيلي خيلاني، مديرة مؤسسة “سيد”، إنه “ليس من أولويات السلطات معالجة هذا الأمر”، مشيرة إلى أحد أسباب تنامي هذه الظاهرة المستمرة: إن غياب الإلحاح في التعامل مع هذه المشكلة يعود إلى نقص الإحصاءات الرسمية. وقد دعت المنظمات غير الحكومية في العراق ومنظمة العمل الدولية إلى ضرورة التحرك من أجل الحد من هذه الظاهرة.
إلى جانب آخر رقم معروف لعمالة الأطفال في العراق وهو 7.3 بالمئة الذي يعود تاريخه إلى 2018، وجدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أنه من بين 1600 نازح داخلي ولاجئ استجوبتهم في العراق، لجأ 17 بالمئة منهم إلى إرسال أطفالهم إلى العمل لتوفير دخل للعائلة، بينما خفّض 42 بالمئة آخرون التكاليف عن طريق تزويج بناتهم القاصرات.
أشارت جيلي من مكتبها في أربيل عاصمة كردستان إلى أن الدافع الرئيسي وراء تزايد عمالة الأطفال هو الفقر المتزايد. ووفقا للأرقام العراقية الأخيرة، ارتفعت نسبة العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى ما يقرب من الثلث (32 بالمئة) بعد أن كانت في حدود 20 بالمئة في سنة 2018. وبسبب عمليات الإغلاق والتدابير الأخرى المتعلقة بفيروس كوفيد-19، فقد العديد من العراقيين دخلهم. وحسب جيلي: “جزء كبير من المجتمع العراقي فقير، ولعدد من الأسباب”. قبل الأزمة، كان واحد من كل خمسة أطفال ومراهقين فقيرًا. والآن، بات هذا الرقم اثنان من كل خمسة – أي ما يقرب من 38 بالمئة من إجمالي الأطفال في العراق.
أشارت جيلي إلى أن الأمهات اضطررن إلى إرسال أطفالهن للعمل خاصة في الأسر التي فقدت معيلها. ووفقا للقانون العراقي، فإن عمل الأطفال دون سن الخامسة عشرة غير قانوني. وصرحت جيلي: “لا يزال بعض الناس يشعرون أنه ليست كل الأعمال سيئة للأطفال. ولكن أين يجب رسم الحدود؟”، موضحة أن عمالة الأطفال لا تمنع الصغار من أن يعيشوا طفولتهم وأن يلعبوا فحسب بل تبعدهم أيضا عن المدرسة، وبالتالي تحرمهم من فرصة الحصول على مستقبل أفضل.
قال لوين هاوزي، كبير المستشارين الفنيين لمنظمة العمل الدولية في العراق، إن “عمالة الأطفال خطيرة ويجب معالجتها لأنها تحرم الأطفال من طفولتهم وإمكانياتهم وكرامتهم، كما أنها تضر بنموهم البدني والعقلي. لنكون أكثر دقة، عمالة الأطفال خطرة ومضرة عقليا وجسديا واجتماعيا وأخلاقيا بالأطفال”.
وضعت منظمة العمل الدولية خطة عمل وطنية ضد عمالة الأطفال ستدعم ما لا يقل عن 1500 طفل عراقي قاصر يعملون أو معرضين لخطر الاضطرار إلى العمل
أشار هاوزي إلى أنه بصرف النظر عن العمل العادي، قبل انتشار الوباء، كان ما يقرب من 6 بالمئة من الأطفال يشاركون في أعمال خطرة وذلك يعني “استِعباد الأطفال والانفصال عن عائلاتهم وتعريضهم لمخاطر وأمراض خطيرة وتركهم ليعيشوا في الشوارع”.
من جهتها، ذكرت جيلي أن بعض الأطفال يقع تجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة مثل تنظيم الدولة: “وهذا أسوأ مظاهر عمالة الأطفال على الإطلاق”. وقال هاوزي إنه لمعالجة المشكلة، وضعت منظمة العمل الدولية خطة عمل وطنية ضد عمالة الأطفال ستدعم ما لا يقل عن 1500 طفل عراقي قاصر يعملون أو معرضين لخطر الاضطرار إلى العمل.
لوحظ تطور آخر مثير للقلق يتمثل في أن الأطفال باتوا يعملون في سن أصغر. ففي السابق، كان سن الأولاد المراهقين الذين يقع إرسالهم للعمل في حدود 14 سنة تقريبا، ولكنهم الآن لا يتجاوزون سن السابعة أو الثامنة، وذلك حسب ما أفادت به أفراح موسى، مسؤولة حماية الطفل التابعة للجنة الإنقاذ الدولية؛ وهو اتجاه تؤكده منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
من مكتبها في أربيل، أشارت موسى إلى أن فيروس كوفيد-19 لم يكن السبب الوحيد في تنامي عمالة الأطفال، وإنما أيضا الإغلاق المفاجئ لأكثر من عشرة مخيمات للنازحين من قبل الحكومة العراقية. منذ تشرين الأول/ أكتوبر، أُجبر عشرات الآلاف من النازحين داخليا على ترك المخيمات. وقدرت مجموعات الإغاثة عدد الذين تركوا دون إعانة بسبب عمليات الإغلاق بنحو 100 ألف. وذكرت موسى أن معظم الأطفال المتضررين انتهى بهم المطاف إلى العمل: “لم تكن العائلات مستعدة للمغادرة. لقد فقدوا بالفعل مصدر دخلهم ومنازلهم. الآن، يستخدمون أطفالهم للبقاء على قيد الحياة”.
لا يزال ما يصل إلى 3.4 مليون نازح ولاجئ في العراق يحتاجون إلى المساعدة، وذلك وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية؛ من بينهم 2.4 مليون في حاجة ماسة للإعانة لأنهم فقدوا وظائفهم وتراكمت ديونهم ولا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية.
قالت موسى إن العديد من الأطفال الذين أصيبوا بصدمات نفسية بسبب الحرب يشعرون الآن بضغوط إضافية لاضطرارهم إلى رعاية أسرهم: “بالنسبة للأولاد، تسبب هذه المسؤولية الكثير من التوتر، خاصة إذا كانت الأم بمفردها”. وأضافت أن الكثير من عمالة الأطفال مخفية، ولا يذكرها الطفل أو الوالدان للغرباء لأنهم يعلمون أنها جريمة يعاقب عليها القانون. في الوقت نفسه، غالبا ما يفخر الأولاد بوضعهم الجديد: “إنه جزء من الثقافة. هم الآن رب الأسرة وعليهم حماية أمهاتهم وإخوتهم”.
منظمة العمل الدولية تقوم بإنشاء نظام مراقبة عمالة الأطفال في العراق. سيشمل النظام العمال السابقين من الأطفال بالإضافة إلى المجتمعات والسلطات المحلية
تؤكد مؤسسة “سيد” أن الأطفال يجب أن يكونوا قادرين على اللعب والذهاب إلى المدرسة، وهي تعمل مع الشرطة والسلطات الكردية لزيادة الوعي وتغيير القوانين لتعكس اللوائح الدولية المتعلقة بعمالة الأطفال وحماية الأطفال. وأضافت جيلي أن هناك حاجة إلى وضع برامج رعاية للأسر الفقيرة، إلى جانب تدريب الأمهات العازبات حتى يتمكّن من العمل وتوليد الدخل لأسرهن.
بينما تدعو جيلي إلى توثيق المشكلة بشكل أفضل في العراق، ذكر هاوزي أن منظمة العمل الدولية تقوم بإنشاء نظام مراقبة عمالة الأطفال في العراق. سيشمل النظام العمال السابقين من الأطفال بالإضافة إلى المجتمعات والسلطات المحلية من أجل التأكد من أن الأطفال والشباب والعاملين بشكل قانوني في مأمن من الاستغلال والمخاطر في العمل.
المصدر: المونيتور