كان لافتًا حضور القائد العام لكتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، محمد الضيف بكلمة مقتضبة نشرت على لسانه قبل أيام، تحدّث فيها عن متابعة ما يجري في حي الشيخ جراح شرق القدس المحتلة عن كثب، وعن رفض ما يجري هناك واستعداد المقاومة للدخول في مواجهة إذا لم يتراجع الاحتلال عن تصعيده.
وجاءت هذه التصريحات بعد قرابة 7 سنوات على آخر كلمات مسجلة تحدث بها “الشبح”، كما يطلق الاحتلال الإسرائيلي عليه نظرًا إلى كونه مطلوبًا ومطاردًا منذ أكثر من 3 عقود، فشل الاحتلال خلالها في اغتياله أكثر من مرة رغم استهدافه عدة مرات.
وترافقت هذه التهديدات مع أخرى مشابهة أطلقتها فصائل فلسطينية كالجهاد الإسلامي، ثم عاود الناطق العسكري باسم القسام أبو عبيدة ليؤكد على تصريحات الضيف، وأنه سيوفي وعده الذي وجهه لأهالي القدس المحتلة عمومًا وحي الشيخ جراح على وجه الخصوص.
ورفعت هذه التصريحات وتيرة التوقعات في الساحة الفلسطينية عن طبيعة التدخل العسكري الذي قد تلجأ إليه حركة حماس عبر ذراعها العسكري بالإضافة إلى الأذرع الأخرى، وإمكانية دخول قطاع غزة المحاصر في حرب رابعة قد تكون أشد من سابقتها التي شنت في الأعوام الماضية.
في إطار مقابل، يرى آخرون أن المطلوب من فصائل المقاومة الفلسطينية أن تكون أكثر حكمة في التدخل العسكري، خصوصاً مع تنامي الهبّة الجماهيرية في القدس المحتلة وحالة التراجع الإسرائيلي، والتي كان آخرها تأجيل جلسة المحكمة الخاصة بتهجير العائلات لمدة شهر.
ويعكس هذا الرأي الخشية من انزلاق الأوضاع الميدانية في قطاع غزة المحاصر على حساب الهبّة الجماهيرية والشعبية في القدس والضفة الغربية المحتلتَين، واستفراد الاحتلال بقطاع غزة المحاصر كمحاولة للهرب من تدهور الأوضاع في مدينة القدس المحتلة بسبب الإجراءات والانتهاكات التي يقوم بها.
تهديدات حقيقة
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف لـ”نون بوست” إن التهديدات ذات طابع حقيقي، لكنها مرتبطة بالدرجة الأولى بتصرفات الاحتلال الإسرائيلي على أرض الواقع، وهو الأمر الذي سيحدد مسار هذه التهديدات خلال الأيام المقبلة.
يعتقد الصواف أن فكرة تجنب قطاع غزة المحاصر التدخل فيما يجري غير منطقية كونها محاولة لفصلها عن القدس المحتلة.
واعتبر الصواف أن حديث المقاومة ليس حديثًا عابرًا الهدف منه الاستهلاك الإعلامي، ولكنه مرتبط بأشياء ستتم ترجمتها واقعًا إذا واصل الاحتلال اعتداءاته بحق القدس المحتلة والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، مشيرًا إلى أن الأيام المقبلة ستكون بمثابة الاختبار الحقيقي لهذه المواقف.
وبحسب المحلل السياسي فإن محاولة الاحتلال اقتحام الأقصى بعدد كبير سيكون له الأثر السلبي وسيؤدي إلى اشتعال الجبهات أكثر، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الحاصلة في حي الشيخ جراح ومحاولة الاحتلال إخلائه من سكانه الأصليين.
ويعتقد الصواف أن فكرة تجنب قطاع غزة المحاصر التدخل فيما يجري غير منطقية، كونها محاولة لفصله عن القدس المحتلة، بالإضافة إلى العقلانية في التصرف الميداني لقوى المقاومة ومراقبة ما يجري عن كثب وعدم الدخول السريع في مسار الأحداث المتصاعدة، حسب قوله.
ورأى أن ظهور الضيف لم يكن أمرًا غريبًا وجاء معبّرًا عن وصول الأوضاع في القدس المحتلة إلى حد غير مقبول ومرفوض فلسطينيًّا، متوقعًا أن يتراجع الاحتلال عن بعض من إجراءاته على اعتبار أنه لا مصلحة له في الدخول في مواجهة مع قطاع غزة المحاصر في المدى القريب.
صواعق التفجير
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في قطاع غزة المحاصر حسام الدجني، أن على الأطراف الدولية والإقليمية البحث عن صواعق التفجير المتمثلة في السلوك الإسرائيلي الأخير في القدس المحتلة والمسجد الأقصى.
وقال الدجني في حديثه لـ”نون بوست” إن التهديدات الأخيرة بمثابة استجابة للنداءات التي أطلقت من القدس المحتلة وحي الشيخ جراح، لكن المقاومة واضح أنها تتبع التدرج في تحركها الميداني لعدة اعتبارات، تتمثل في عدم حرف البوصلة عن الصراع في القدس المحتلة والإبقاء على حالة الإسناد الشعبي من قطاع غزة المحاصر.
وأضاف أن التدرج كان واضحًا عبر تفعيل بعض الأدوات الشعبية الخشنة، مثل الإرباك الليلي على الحدود الشرقية للقطاع وإطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة تجاه الأراضي المحتلة عام 1948، مع استمرار التلويح بالفعل العسكري إذا لم يتراجع الاحتلال عن مخططاته.
وبحسب الدجني فإن التهديدات التي أطلقها الضيف لا تأتي في سياق الذهاب المباشر نحو العمل العسكري، لكنها تأتي للفت المجتمع الدولي إلى ما يجري في القدس وإعطاء الجدية للحراك الحاصل، بأنه إذا لم يكن هناك وقف حقيقي لما يجري في حي الشيخ جراح فإن التهديدات ستدخل دائرة الفعل الحقيقي.
تحركات حكيمة
من جانبه، أكد الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو أن تحركات المقاومة الفلسطينية من خلال تهديداتها ورسائلها الأخيرة تتميز بالحكمة والعقلانية والاستفادة من الدروس الماضية، عبر متابعة ما يجري وإسناد الحراك الجماهيري المتصاعد في القدس والضفة الغربية المحتلتَين.
بنيامين نتنياهو لن يتوقف وسيذهب باتجاه قطاع غزة المحاصر لجره إلى دوامة العنف والصراع لعله يشعل النار في هشيم المنطقة بالكامل.
وقال عبدو لـ”نون بوست” إن ما يجري في القدس المحتلة هو استمرار لحالة الفشل الإسرائيلي، التي بدأت بالسواتر الحديدية ثم مرورًا بحي الشيخ جراح وانتهاء بنية اقتحام المسجد الأقصى بأعداد كبيرة من المستوطنين ورفع الأعلام بطريقة استفزازية.
وأضاف المحلل السياسي الفلسطيني أن تهديدات المقاومة الفلسطينية تعكس الرغبة في إسناد الحراك الجماهيري في القدس المحتلة، ومواصلة دعم الهبّة الحاصلة بما يمكنها من انتزاع الانتصار على حساب الاحتلال الذي يريد فرض واقع جديد في المدينة على حساب الفلسطينيين.
وأردف قائلًا: “رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لن يتوقف وسيذهب باتجاه غزة لجرها إلى دوامة العنف والصراع لعله يشعل النار في هشيم المنطقة بالكامل، وإذا ما أقدم على ذلك من المهم والضروري أن تدير المقاومة المعركة معه بحكمة ووعي وثبات لتقليل الأخطاء”.