ترجمة: حفصة جودة
تقول السلطات الدنماركية إن على مصباح مشليم أن يأخذ ثلاثة من أبنائه – أصغرهم 5 سنوات ومولود في الدنمارك – ويعود إلى دمشق، إلى منزل لم يعد موجودًا وحي دمرته الحرب وأصبح مغلقًا أمام سكانه السابقين، هناك أمل ضئيل للغاية لتعويض هذه الخسائر.
يقول مشليم – وهو واحد من بين أكثر من 100 سوري يعيشون في الدنمارك وفقدوا وضعهم كلاجئين الآن -: “لا أعلم ماذا تبقى لأعود له؟ كيف أحمي أطفالي هناك؟”، اضطر محاميه للطعن على قرار الأمر الصادر ضد ابنه ذي الخمس سنوات بمغادرة البلاد فورًا وحده.
أصبحت الدنمارك أول دولة أوروبية لا تجدد تصاريح إقامة اللاجئين، مدعية أن بعض المناطق في سوريا أصبحت آمنة الآن ويمكن للعائلات العودة لها، كان القرار صادمًا ومروعًا للسوريين في الدنمارك الذين يملكون عدة أسباب تدفعهم للخوف من العودة إلى بلادهم.
ما زالت الحرب مستعرة في بعض أجزاء سوريا، وهو ما اعترفت به السلطات في كوبنهاغن ضمنيًا، فقد منحت حق اللجوء السياسي لجميع الرجال الذين تجعلهم أعمارهم عرضة للتجنيد الإجباري، هذه القرار تسبب في حماية ولدي مشليم الأكبر – توأم بعمر 19 عامًا – من فقدان إقامتهم كلاجئين.
لا توجد حاجة عسكرية واضحة لهذا الدمار خاصة لأن هذه المناطق استعادتها الحكومة بالفعل
دفع جهاز الشرطة السوري المخيف الناس إلى الثورة ضد الأسد، وقد عذب وقتل الكثيرين خلال هذه الحرب وما زال مزدهرًا، كما أن السقوط الحر للاقتصاد يجعل من الصعب على العائدين العثور على عمل أو القدرة على إطعام عائلاتهم، خاصة مع اعتبارهم مشتبهًا بهم سياسيًا.
بالنسبة للسوريين الذين كانوا يعيشون في معاقل المعارضة حول العاصمة، فهناك سبب آخر ملّح لعدم العودة، فالحرب وما قامت به الدولة السورية جعلتهم مشردين بالفعل بسبب خطط هدم وإعادة تطوير أحياء دمشق التي عاشوا فيها.
تقول سارة كيالي الباحثة السورية في هيومن رايتس ووتش: “إننا نصنف تدمير هذه الممتلكات كجريمة حرب، لأننا ما زلنا في حالة صراع، ولا توجد حاجة عسكرية واضحة لهذا الدمار خاصة لأن هذه المناطق استعادتها الحكومة بالفعل”.
من الصعب الحكم على حجم الدمار من صور المباني التي ما زالت على وضعها، فالألغام والقنابل التي لم تنفجر بعد يمكن إخفاؤها عن الأنظار، لكن الحكومة السورية لم تتعامل مع الممتلكات بشكل فردي، ولم تسع للحصول على مساعدة خبراء إزالة الألغام، بما في ذلك خبراء الأمم المتحدة الذين يستطيعون التعامل مع الإزالة المستهدفة بدقة للمباني الخطرة والذخائر التي خلفتها الحرب.
تقول كيالي: “إزالة مبانٍ كاملة على هذا النطاق الواسع في عملية هدم فوق سطح الأرض لا تتناسب مع جهود إزالة الألغام”.
كانت أم علاء – مدربة قيادة سابقة وتقدمت لوظيفة في مستشفى للمحتضرين في الدنمارك – تمتلك منزلًا في القابون، إحدى المناطق التي تأثرت بواحدة من أكثر برامج الهدم شمولًا، تقع المنطقة بجوار حي جوبر الذي يقع فيه منزل مشليم.
تقول أم علاء: “كنت أرسل أطفالي إلى منزل أهلي بينما أحمل أنا وزوجي الحجارة بيدنا، فلم يكن بإمكاننا استئجار عمال لمساعدتنا، لقد بنينا كل شيء بأنفسنا ووضعنا كل ما نملك من مال في هذا المنزل، تحول السطح إلى شرفة جميلة مع نافورة رخامية على الطراز الدمشقي في منتصفه بالإضافة إلى النباتات والورود، كما كنا نوسع الطابق الثاني من أجل ابني عندما غادرنا”.
صمد المنزل عدة سنوات أمام القتال الشديد، فقد أظهرت الصور التي كان يرسلها أقاربهم قبل استيلاء الحكومة على الحي في مايو/أيار 2017 أن المنزل كان موجودًا، لكن المنطقة المحيطة به أصبحت مساوية للأرض بسبب انفجار وقع بين 13 و18 من سبتمبر/أيلول لهذا العام، فقد أعلنت وسائل الإعلام السورية وقوع انفجار تحت السيطرة في هذه المنطقة يوم 14 من سبتمبر/أيلول.
تمتلك أم علاء تصريح إقامة من النوع الذي لا يتم تجديده الآن، وهي تخشى أن يطلبوا منها العام القادم العودة إلى مكان لم تعد تملك فيه منزلًا أو مجتمعًا.
تظهر صور الأقمار الصناعية أن أكثر من نصف المباني التي كانت في القابون قبل الحرب تساوت بالأرض الآن، وبعضهم تضرر بشدة، وحتى المباني التي نجت من الدمار أصبحت خالية لأن المنطقة أصبحت مغلقة لأسباب أمنية.
تشير مسودات الخطط إلى أن الحكومة ترغب في إعادة البناء لتحويل هذا الحي العشوائي الفقير نسبيًا إلى ساحة للأغنياء مع أبراج سكنية شاهقة وعقارات استثمارية ومراكز تسوق، لقد وجد الكثير من سكان القابون – مثل أم علاء – أن منازلهم هُدمت دون سابق إنذار أو حتى عرض تسوية.
يتم وضع المتقدمين المرفوض إقامتهم في مراكز المغادرة، التي يقول عنها النشطاء إنها أشبه بالسجن، حيث لا يمكن للمقيمين هناك العمل أو الدراسة أو الحصول على رعاية صحية مناسبة
أما السكان السابقون لمناطق أخرى فقد عُرض عليهم الحصول على أسهم في التطويرات المستقبلية، لكن الأرقام التقديرية لا تبدو كافية ليتمكنوا من الحصول على شقة أخرى.
يقول محمد العبد الله – المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة – إنه رغم أن اللاجئين لا يملكون حقًا مضمونًا للعودة إلى بلادهم، فإنه من الواجب احترام حقوق ملكيتهم بموجب القانون الدولي.
“من الواجب اعتبار الدول غير مناسبة للعائدين عندما تتعرض منازل اللاجئين وأحياؤهم للدمار، كما هو الوضع بالنسبة للعديد من السوريين من دمشق الكبرى، إلا إذا كان هناك إطار مناسب لتعويض تلك الملكيات المتضررة، هذا الإطار غير موجود في سوريا رغم وعود الحكومة، وهو سبب آخر لضرورة عدم إجبار اللاجئين على العودة”.
كما أن الحصول على منزل آخر صعب للغاية مثلما تقول كيالي، فالأزمة الاقتصادية تجعل من الصعب كسب المال لدفع الإيجار، كما أن هناك نقصًا في المنازل بسبب الحرب وكل العقود تحتاج إلى موافقة من السلطات الأمنية.
“لتأجير أو شراء منزل في سوريا، تحتاج إلى موافقة السلطات الأمنية لإنهاء الأمر وهي عملية صعبة في أفضل الظروف، أما بالنسبة للعائدين فمن الخطر التعامل مع كل هذه السطات الأمنية”.
ولأن كوبنهاغن لا تمتلك علاقات دبلوماسية مع دمشق، فمن غير الممكن ترحيل اللاجئين مباشرة إلى سوريا، لكن يتم وضع المتقدمين المرفوض إقامتهم في مراكز المغادرة، التي يقول عنها النشطاء إنها أشبه بالسجن، حيث لا يمكن للمقيمين هناك العمل أو الدراسة أو الحصول على رعاية صحية مناسبة.
يحاول مصباح الابتعاد عن تلك المراكز بالطعن على قرار ترحيلهم، فما زال أطفاله يشعرون بالحزن على رحيل والدتهم التي توفيت بسبب السرطان العام الماضي، يقول مصباح: “كان فقدانها صعبًا على أسرتنا، يطلب الأطفال زيارة قبر والدتهم من وقت لآخر حيث يذهبون للحديث إليها هناك”.
المصدر: الغارديان