تتمحور التغطية الإعلامية العالمية للشأن الليبي حول المواجهات العسكرية الدائرة بين المجموعات المسلحة في مختلف أنحاء ليبيا، وفي خضم هذه الفوضى بات من المهم أن نتذكر أن بعض مؤسسات الدولة لازالت قائمة وأن استمرار وجودها هو أمر حاسم لبقاء الآليات الأساسية للحياة الحديثة، وأبرز مثال هو البنك المركزي.
وكمؤسسات مماثلة كثيرة في جميع أنحاء العالم، يفترض أن مصرف ليبيا المركزي يوفر الظروف الملائمة لحسن سير الاقتصاد الوطني، ولكن البنك الذي عمل دون انقطاع منذ ثورة 2011 يقع اليوم بين برلمانين وحكومتين متنافسين ومنقسمتين بعنف، فهل سيسقط ضحية لنفس الصراع الذي يشل الحياة السياسية في البلاد؟!
في 13 سبتمبر أصدر البرلمان الليبي المعترف به دوليًا والمجتمع في شرق مدينة طبرق، قرارًا بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي “الصديق الكبير” وتعيين نائبه “علي الهيبري” رئيسًا جديدًا للبنك، ويقول برلمان طبرق إنه أقال “الصديق الكبير” بسبب تجاهله لاستدعاءين وجها له بعد رفضه صرف ميزانية 2014 لصالح الحكومة المشكلة في طبرق من قبل النواب المجتمعين هناك،
وعلى الرغم من تكهنات بأنه قد يختار أن يتجاهل قرار البرلمان بإقالته وسيواصل العمل من مكتبه في طرابلس، اختار الكبير الذهاب للطريق القانوني، حيث توجه للقضاء الليبي للطعن في القرار من أجل الحفاظ على سلامة مصرف ليبيا المركزي كمؤسسة.
مراسل فورين بوليسي، محمد الجارح، التقى مؤخرًا بعبد السلام نصاية، رئيس اللجنة المالية في برلمان طبرق، وسأله عن قرار “الكبير” بوقف ميزانية عام 2014، فقال له: “تمت الموافقة على ميزانية 2014 من قبل البرلمان السابق، مع مبالغة في تقدير حجم الإيرادات وبعض النفقات الأخرى، ونحن الآن في سياق مراجعة الميزانية لجعلها أكثر واقعية”.
ومن جهته، أصدر مصرف ليبيا المركزي بيانًا حذر فيه من إشراك البنك في الصراعات السياسية والمسلحة الجارية في البلاد، قائلاً: “إن مصرف ليبيا المركزي يمثل خط الدفاع الأخير من المؤسسات الليبية، ومن الأهمية بمكان أن يبقى سليمًا خلال هذه الأوقات المضطربة”.
ويدعي برلمانيو طبرق أن البنك المركزي يواجه ضغوطًا هائلة من الحكومة التي يترأسها “عمر حاسي” في طرابلس والمدعومة من قبل الثوار وعملية فجر ليبيا التي تضم عددًا من أعضاء المؤتمر الوطني الليبي، وعلى الرغم من أن حكومة حاسي غير معترف بها دوليًا، فإن المجموعات المسحلة التي تدعمها تسيطر عسكريًا على العاصمة طرابلس وعلى مدينة بنغازي ومعظم التراب الليبي.
ويذكر أنه في 8 أكتوبر الجاري، وصلت شحنة أوراق مالية مطبوعة للبنك المركزي في طرابلس بقيمة 1.2 مليار دينار ليبي، أي ما يعادل 900 مليون دولار، وهو ما يعني مجددًا أن البنك المركزي يدار من طرابلس وليس من الممكن تنظيم النظام المصرفي الليبي من مدينة طبرق الواقعة في أقصى الشرق، بالإضافة إلى أن ولاء بيروقراطية البنك في طرابلس ليس مضمونًا ويمكن أن يميل لصالح الثوار المسيطرين على العاصمة.
نظرًا لطبيعة مركزية الدولة الليبية؛ تجد السلطات الموالية لحكومة طبرق العاملة من المدن في شرق البلاد صعوبة في ممارسة سلطتها على أرض الواقع، حيث يقول ناصية: “من أجل أن تكون هذه السلطات فعالة يجب أن تكون على تواصل كامل مع النظام ومختلف الأفراد في طرابلس”، مدعيًا أن “المسئولين في طرابلس يقعون تحت تهديد المجموعات المسيطرة هناك”.
المصدر: نون بوست + فورين بوليسي