أثارت عودة رئيس مجموعة السعد للاستثمار، أشرف السعد، صاحب إحدى كبرى شركات توظيف الأموال في مصر، للقاهرة، بعد رحلة هروب استمرت 25 عامًا، الكثير من التساؤلات في ظل عشرات الاتهامات التي كان يواجهها الرجل بالنصب على المودعين والاستيلاء على أموالهم.
فرض اسم السعد، رئيس الشركة التي بلغت استثماراتها قرابة 23 مليار جنيه، نفسه على منصات التواصل الاجتماعي خلال الساعات القليلة الماضية، بعدما أفرجت عنه سلطات مطار القاهرة الدولي، ليعود إلى بيته بمحافظة الدقهلية، وسط استقبال حافل و”زفة بلدي”.
وعُرف عن رجل الأعمال العائد من رحلة هروب طويلة دعمه الكامل لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد سخر حساباته الشخصية على منصات السوشيال ميديا للدفاع عن الرئيس والدخول في معارك افتراضية مع المعارضين، وهو ما دفع الشارع للربط بين هذه المهمة (التأييد المطلق للنظام ومهاجمة المعارضين) وعودته لبلاده مرة أخرى بعد إسقاط كل الأحكام الصادرة بحقه، وهو ما لم يتوافر لكثير من رجال الأعمال الآخرين الهاربين خارج الوطن.
محطات مهمة في مسيرة إمبراطور توظيف الأموال، الذي خرج من مصر عام 1995، حين كان عمره وقتها 41 عامًا، ليعود إليها كهلًا بعدما تجاوز الـ66، ليستعيد بعودته ذكريات طوال عن (الريان – السعد)، هذا التحالف المالي الأشهر في تاريخ مصر، الذي كان حديث الناس في تسعينيات القرن الماضي.
إمبراطور التوظيف
نشأ السعد المولود في يناير/كانون الثاني 1954 في أسرة متوسطة الحال، فوالده كان يعمل موظفًا بهيئة الإسكان والتعمير، وكان يقيم بأحد الأحياء الشعبية في القاهرة، لكن أصوله تعود إلى إحدى قرى مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وكان الولد الوحيد لأبيه مع 4 شقيقات.
تخرج في معهد الدراسات التعاونية عام 1977 ثم انخرط مبكرًا في سوق العمل، البداية كانت في أحد محلات التجارة المعروفة في مصر وقتها (محلات التميمي)، حيث عمل موظفًا رفقة عشرات الشباب الجامعيين العاملين في تلك السلسلة، لكن سرعان ما ترقى وبات أحد المقربين من مالك تلك المتاجر الذي عينه مديرًا لأكبر الفروع ومشرفًا عامًا على بقية الفروع.
لم يستمر السعد طويلًا في تلك الوظيفة رغم الترقي السريع بها، إذ أسس شركة لتوظيف الأموال تحمل اسم “مجموعة السعد للاستثمار وتوظيف الأموال” ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي أثار حينها التساؤلات عن رأس المال الذي جاء به لتأسيس شركة بهذا الحجم.
لعب السعد على وتر أحلام المصريين في الثراء السريع دون تعب وبأقل المخاطر، فكان يحصل على أموالهم ويقدم أرباحًا شهريةً وسنويةً للمودعين بنسب ومعدلات تفوق البنوك بكثير، وهو ما جعله قبلة لعشرات آلاف المصريين الذين هرولوا لإيداع أموالهم لديه.
وفي أقل من عشر سنوات باتت “السعد” إحدى كبرى شركات توظيف الأموال في مصر، خاصة بعدما اندمجت مع شركة “الريان لتوظيف الأموال” ليصبح هذا التحالف واحدًا من أكبر التحالفات الاقتصادية في تاريخ مصر الحديث، لتتضخم ثروته عامًا تلو الآخر حتى باتت محل شك.
وعن رأسمال هذا التحالف يؤكد السعد أن ثروته وشريكه الريان وصلت لضعف ميزانيات دول عربية كبيرة، مضيفًا “ميزانيتي أنا والريان كانت تقدر بأكثر من 7 مليارات دولار عام 1986، وأننا أول من تعدينا حاجز المليار دولار في مصر وكان عمري وقتها 24 والريان 21 سنة”.
السقوط في الفخ
تضخم ثروة السعد جاء بنتائج عكسية، إذ تعاظم حجم الفوائد والأرباح المفترض تقديمها للمودعين، وهو ما لم يقدر عليه، لا سيما أن كل ما كان يروج لها لا تعدو كونها شعارات ترويجية لا وجود لها على أرض الواقع، ما تسبب في نشوب خلافات معهم وكانت النتيجة بلاغات ومحاضر في أقسام الشرطة والمال العام.
أمام تعدد البلاغات اضطر السعد للهروب إلى فرنسا في فبراير/شباط 1991، بدعوى تلقي العلاج، خاصة بعد القبض على شريكه، أحمد الريان، وإيداعه في السجن، لكن بعد 3 شهور من سفره، وضع اسمه على قوائم الترقب والوصول، فيما صدر ضده حكمًا بالسجن 3 سنوات في تهم إصدار شيك بدون رصيد.
وفي يناير/كانون الثاني 1993 عاد السعد إلى مصر بعدما طمأنه محاموه بأن الأوضاع من الممكن أن يتم حلها، لكن ألقي القبض عليه بمطار القاهرة، بتهم الاستيلاء على 188 مليون جنيه من أموال المودعين، وظل بمحبسه قرابة عام كامل، وخرج نهاية ديسمبر/كانون الأول بكفالة 5 آلاف جنيه.
أيقن إمبراطور توظيف الأموال أن الأوضاع باتت تخرج عن السيطرة بعدما انكشف أمره، وبات محط هجوم إعلامي وملاحقات قضائية مستمرة، خاصة أن ضحاياه كانوا في شتى ربوع مصر، فقلما تجد بيتًا في المحروسة ليس ضحية نصب لشركة السعد التي نجحت في استعداء الملايين من المصريين.
وأمام تلك الوضعية لم يفكر الرجل كثيرًا، إذ قرر الهروب خارج البلاد، فتمكن من السفر مرة أخرى للعلاج في باريس في 4 من يوينو/حزيران عام 1995، في الوقت الذي أصدر فيه المدعي العام الاشتراكي (جهاز الكسب غير المشروع حاليًّا) قرارًا بالتحفظ على ممتلكاته.
واستطاع الجهاز إعادة أموال نسبة كبيرة من المودعين بعد بيع ممتلكات السعد، ما دفع الأخير لرفع دعوى قضائية في 2004 لإنهاء الحراسة المفروضة علي أملاكه بعد سداد ما عليه، لتقرر محكمة القيم في 2007 إنهاء الحراسة، بدعوى سداده لجميع المديونيات، إلا أن المدعي العام الاشتراكي طعن على هذا القرار الذي أيدته محكمة النقض بعد ذلك.
علاقته بالسلطة
كان يربط السعد بالسلطة في عهد مبارك علاقات قوية للغاية، وهو ما أشار إليه بعد ساعات من وصوله، بأن مبارك كان أكبر الداعمين له وللريان، وقيل في كثير من الروايات إن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، سهل هروبه للخارج، مقابل الحصول على بعض الأموال والعقارات والأراضي، وذلك بمساعدة إلهام شرشر، زوجة أشرف، التي تزوجها العادلي فيما بعد.
كما تتشابك مصالح السعد مع العديد من رجال الأعمال البارزين، مصريين وعرب، على رأسهم رجل الأعمال السعودي الراحل صالح كامل، الذي عرض على الحكومة المصرية تسديد كل أموال المودعين بشركة السعد مقابل إنهاء خصومته مع الدولة وعودته لوطنه مرة أخرى، لكنه تراجع عن هذا الموقف بعدما تأكد من نية الحكومة القبض على صديقه الهارب.
تعددت زيجات السعد، فقد تزوج 11 مرة، كان أشهرها الكاتبة الصحفية شرشر، وأخرى عراقية، له من الأبناء 9، أشهرهم إعلاميًا إبراهيم الذي ألقي القبض عليه في 2013 بعد اتهامه بخطف رجال أعمال وإجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم، أما ابنته الكبرى سارة فقد توفيت عام 2011 وهي في الـ18 عامًا من عمرها بعد صراع مع المرض.
منذ تولي السيسي مقاليد الأمور في مصر، بات السعد منصة يومية للدفاع عن الرئيس في كل قرارته والهجوم على المعارضين والإخوان، بجانب البلدان التي تعاني علاقاتها مع القاهرة من توتير الأجواء، الأمر الذي دفع بعض المقربين منه للحديث عن صفقة قريبة بينه وبين السلطات الحاكمة، بمقتضاها يعود الهارب إلى وطنه في مقابل دعم النظام بالأموال التي بحوزته بعد رفع الحراسة عنها.
وبعد ساعات قليلة من عودته عاود الرجل سيل التصريحات مرة أخرى، فأشار إلى أن التطور الذي شهدته البلاد في عهد السيسي لم يحدث في أوروبا، وأن “مصر بقت خيال” “واللي أنا شفته في البلد بعد وصولي ميعملوش بشر”، فهل تتكشف تفاصيل تلك الصفقة قريبًا؟