ترجمة وتحرير نون بوست
بعد وقوع ثلاث حوادث قطارات في مصر خلال شهر واحد، خلفت عشرات الجرحى والقتلى، قال وزير النقل المصري، كامل الوزير، في بيان صحفي يوم 21 نيسان/ أبريل إن هناك خططا لعدد من القطارات الجديدة على السكك الحديدية المصرية التي من المقرر أن تديرها شركات دولية.
أضاف الوزير أن الخطة تهدف إلى تقديم خدمات أفضل وجلب الخبرات الحديثة لمصر. كما أوضح الوزير أن شركة أجنبية أو متعددة الجنسيات ستُشرف على إدارة القطارات، بما في ذلك ستّ قطارات سيقع شراؤها من شركة “تالغو” الإسبانية. علاوة على ذلك، سيقع تخصيص 200 عربة نائمة لشركة أجنبية أخرى لم يقع الكشف عن هويتها بعد.
في 27 نيسان/ أبريل، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس التنفيذي لشركة “هيونداي روتم” الكورية، يونغ باي لي، رفقة كامل الوزير ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي. وذكرت الرئاسة في بيان صحفي أن الاجتماع تناول التعاون المشترك مع شركة “هيونداي روتم” من أجل إضفاء الطابع المحلي على صناعة القطارات، بما في ذلك أنظمة الإشارات والاتصالات فضلا عن معدات القيادة والتحكم.
خلال الاجتماع، قدم يونغ باي المشاريع التي ستُنفّذها شركته في مصر، حيث ستشمل تصنيع عربات مترو الأنفاق وأنظمة الإشارة ومعدات التحكم والقيادة والأعمال الهندسية للسكك الحديدية. في الواقع، لا تعدّ هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها الحكومة المصرية عن الشراكة مع القطاع الخاص لإدارة وتشغيل شبكة السكك الحديدية. ففي شهر شباط/ فبراير سنة 2018، صادق البرلمان المصري على مشروع قانون يسمح لهيئة السكك الحديدية المصرية بتأسيس شركات بالتعاون مع القطاع الخاص.
الشراكات المحلية والدولية تشكل جزءا من نموذج جديد للخصخصة الجزئية حيث تعمل الدولة على تخفيف أعبائها المالية وتلك المعلّقة بالإيجار فضلا عن التزامات الدولة تجاه المواطنين
علاوة على ذلك، يسمح مشروع القانون للأفراد والشركات بالمشاركة مع وكالة الاتحاد الأوروبي للسكك الحديدية في تطوير وإدارة وتشغيل وصيانة شبكات السكك الحديدية. وفي ظل تزايد تقادم شبكة السكك الحديدية يوما بعد يوم، قدمت الدولة في شهر كانون الأول/ يناير خطة شاملة لتطوير السكك الحديدية بتكلفة 220 مليار جنيه مصري (14 مليار دولار). وعلى الرغم من أنه كان من المقرر الانتهاء من إنجاز 257 مشروعا بحلول سنة 2024، إلا أن الحوادث المتكررة أحيت الجدل الدائر حول فائدتها.
من جانبه، صرّح المستشار الهندسي، عماد نبيل، لموقع “المونيتور” بأن شبكة السكك الحديدية يجب أن تُديرها شركات أجنبية، حيث فشلت الإدارة الحالية في القيام بذلك في ظل ارتفاع عدد السكان وتنامي حركة النقل. في الحقيقة، تتماشى تصريحات نبيل مع مقترحات خصخصة السكك الحديدية التي تظهر بعد كل حادث قطار. في هذا السياق، أوضح نبيل أن “السماح للشركات الأجنبية بإدارة الشبكة لا يعتبر خصخصة، حيث تتمحور حول امتلاك شركات أخرى الشبكة، بالتالي، لن يحدث هذا الأمر.
ستقتصر مهمة هذه الشركات على تشغيل السكك الحديدية. وأضاف المصدر ذاته أن “تشغيل المتخصصين للسكك الحديدية سيحول دون انهيار الشبك مشيرا إلى أن الجهود السابقة لم تسفر عن حلول طويلة الأمد وأن هناك حاجة للمساعدة لسد الفجوة التكنولوجية بين مصر ودول العالم المتقدم”. وبحسب دراسة صدرت سنة 2019 عن المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية ومقره تركيا، مهّد ارتفاع ديون شبكة السكك الحديدية، بنحو 250 مليار جنيه مصري (16 مليار دولار)، الطريق أمام الشركات العالمية لامتلاك أسهم كبيرة وإدارة نظام السكك الحديدية.
وأضافت الدراسة ذاتها أن “الشراكات المحلية والدولية تشكل جزءا من نموذج جديد للخصخصة الجزئية حيث تعمل الدولة على تخفيف أعبائها المالية وتلك المعلّقة بالإيجار فضلا عن التزامات الدولة تجاه المواطنين”. ووفقا للدراسة، يعدّ تحرير الأسعار من بين نتائج هذا النمط من الخصخصة، ناهيك عن تركيز المسؤولين على وضع سياسات جديدة أكثر تركيزًا على الربح. في المقابل، يتعارض هذا التوجه مع التزام الدولة بدعم المواطنين ذوي الدخل المنخفض وتقديم الخدمات بأسعار معقولة.
إذا كانت الخدمات المقدمة لا تعكس سعر السوق الحقيقي، سيكون مصير القطاع محتوما بالانهيار في الحقيقة
وأشارت الدراسة إلى أنه لا يمكن تطبيق تجربة الخصخصة الخاصة بالمملكة المتحدة، والتي لم تؤد إلا إلى خفض العمالة وزيادة أسعار الخدمات، على الرغم من الدعم الحكومي الذي بلغ حوالي 6 مليارات جنيه (8.3 مليار دولار) في مصر، ناهيك عن أن القاهرة غير قادرة على توفير مستوى رقابة معين لمثل هذه الآليات.
من جانبها، تواجه الكاتبة والباحثة الاقتصادية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، سلمى حسين الرأي ذاته. في مقال نشرته عام 2017 لصحيفة الشروق المحلية حول الجهود المبذولة لخصخصة شبكة السكك الحديدية المصرية، أعطت مثالا لتجربة بريطانيا في الخصخصة وقالت إنها “لم تخدم سوى مصالح الشركات الدولية، ولم تحقق أيّة فوائد للميزانيات الحكومية ودافعي الضرائب والمواطنين الفقراء”.
في السياق ذاته، أكدت سلمى أنه ينبغي عدم مقارنة التجربة البريطانية بالتجارب الفاشلة للدول النامية. من جهته، يدعم نبيل الشراكة مع القطاع الخاص مشيرا إلى أنه “إذا كانت الخدمات المقدمة لا تعكس سعر السوق الحقيقي، سيكون مصير القطاع محتوما بالانهيار في الحقيقة. ولا يوجد شيء مثل سعر التذكرة المدعوم، حيث سيذهب الدعم للفقراء من خلال برامج الرعاية الاجتماعية التي ستطورها الدولة المصرية”.