يمكن للمتابع للإعلامَين السعودي والإماراتي أن يدرك بسرعة التجاهل التام والمتعمد لما يحصل في القدس المحتلة والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وقطاع غزة المحاصر، من اعتداءات إسرائيلية على الفلسطينيين وبيوتهم ومقدساتهم.
أحداث كهذه خصص لها الإعلام الغربي مساحات شاسعة للحديث عنها، لكن الإعلامَين السعودي والإماراتي لم يريا أنها تستحق تخصيص بعض الدقائق أو بعض الصفحات للحديث عنها وتنوير الرأي العام فيما يحصل من انتهاكات ضد الفلسطينيين، حتى في اللحظات القليلة التي تم خلالها تغطية تلك الأحداث، كانت أقرب لرواية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
تجاهل لانتهاكات الإسرائيليين في حق الفلسطينيين
كما كان الموقف الرسمي متأخرًا، كانت التغطية الصحفية أيضًا متأخرة لما يحصل من أحداث في فلسطين المحتلة، فقد صدرت الصحف الإماراتية والسعودية بعناوين ثانوية عما يجري من أحداث متسارعة في القدس المحتلة وأحيائها المقاومة وقطاع غزة الصامد.
وقد تجاهلت أبرز الصحف والمواقع الإلكترونية السعودية والإماراتية الأحداث، مثلًا تعمدت صحيفة الإمارات اليوم تجاهل ما يجري في القدس، ففي صفحتها الرئيسية لعدد اليوم الثلاثاء لم تشر بأي كلمة لأحداث فلسطين، وركزت على فيروس كورونا ومسائل تتعلق بالعيد والتجارة والمواد الاستهلاكية وإصدار محمد بن راشد قانون إدارة الموارد البشرية للمديرين التنفيذيين في دبي.
إلى كل من يسأل عن حال الإمارات وحكامها أبناء زايد آل نهيان من ما يحدث في فلسطين،
هم بوقاحتهم تخطو مرحلة الحياد بين الظالم والمظلوم إلى مرحلة نصرة الظالم على المظلوم #انقذوا_حي_الشيخ_الجراح#القدس_تنتفض pic.twitter.com/7PJnN5spb7
— مصطفى قصير kassir (@montazerkassir) May 8, 2021
الأمر نفسه بالنسبة إلى صحيفة العرب، فقد اختارت تناول بعض الأحداث في لبنان والعراق وإيران ومالي وفرنسا، أما ما يجري من محاولات لتهويد القدس المحتلة وانتهاكات ضد الفلسطينيين ومقدساتهم فهي لا تعنيهم أو لعلهم لم يسمعوا عنها بعد، فالقيادة لم تأمر بذلك.
أما صحيفة البيان الصادرة عن مؤسسة دبي للإعلام، فقد كتبت خبرًا يتيمًا نقلًا عن رويترز يتعلق بالأحداث الجارية في القدس المحتلة وقطاع غزة المحاصر، يتحدث عن إدانة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط للضربات الجوية التي يشنها كيان الاحتلال على قطاع غزة المحاصر.
وبالمثل تجاهلت صحيفة الرياض السعودية أحداث فلسطين المحتلة تمامًا، واكتفت بالحديث عن نشاط الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده محمد بن سلمان، فضلًا عن جهود المملكة في التصدي لفيروس كورونا، والشيء نفسه في صحيفة الوطن.
الي يضحكني وبين اضحك باستهزاااء شديد منه
هو ان الامارات قالت انها قلقة من الشغب الي بيحصل في فلسطين
العرب المتصهينين مش قادرين حتى يقولوا احتلال وقالوا شغب
الله يغضب عليكم يا خونة قضية القدس فوق ذمتكم حديدة ونار
— علياء يمانية (@Bytls3PHCGWoQ58) May 10, 2021
أما جريدة عكاظ الأكثر انتشارًا في المملكة السعودية، فقد كتبت اليوم خبرًا واحدًا يتعلق بأحداث القدس المحتلة، بعنوان “وسط صمت دولي مريب تجاه اقتحام الأقصى.. إسرائيل تفتك بالمقدسيين” فيه إحصاءات لعدد الجرحى الفلسطينيين، نتيجة اقتحام المسجد الأقصى يعود لليومين الماضيين.
وحتى الصحف التي تناولت ما يجري في فلسطين، عكست رواية كيان الاحتلال الصهيوني، إذ كان لافتًا غياب كلمة الاحتلال الإسرائيلي أو القدس المحتلة في متن أخبارهم القليلة، فضلًا عن تجاهل التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة المحاصر، وكذلك جرائم المستوطنين بحق الفلسطينيين في القدس المحتلة، وحتى الشهداء الذي راحوا ضحية الاعتداءات الصهيونية يُقال عنهم قتلى في تلك الصحف.
أمر غريب ..
إعلاميو #ابوظبي ومغردوها الوحيدون المتحاملون على الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال، ويناصرون الكيان الصهيوني بصورة فجة ..
لا تجد إعلامي إماراتي يعلنها بوضوح دعمه لمقاومة وصمود أهلنا في #فلسطين ..
لم نألف على أهل #الامارات هذا الأمر في السابق ..#القدس_تنتفض
— جابر الحرمي (@jaberalharmi) May 10, 2021
أما قنوات العربية وسكاي نيوز، فقد اختارت الاعتماد على الرواية الإسرائيلية لنقل مجريات الأحداث في مدينة القدس المحتلة وقطاع غزة المحاصر، واستدعت لذلك المسؤولين الإسرائيليين للحديث وتوجيه خطابهم للعرب وشرح خططهم على حساب القضية الفلسطينية.
حملة ضد القضية الفلسطينية
لم يختلف حال مواقع السوشيال ميديا في السعودية والإمارات كثيرًا عن حال إعلاميهما، فقد امتهن العديد من النشطاء في هذه الدول التقليل من قيمة المقاومة الفلسطينية ووصفها بالإرهاب والعمالة والتضحية بالفلسطينيين، مع التأكيد على ما يعتبرونه “حق الإسرائيليين” في الدفاع عن النفس.
حيث حمّل الكاتب الإماراتي حمد الحوسني ما يجري في القدس المحتلة وفلسطين لفصائل المقاومة الفلسطينية، إذ غرد على حسابه في توتير قائلًا: “الخطر الأكبر على فلسطين هي الفصائل المسلحة مثل حماس وفتح والتي تستخدم الشباب الفلسطيني وقود للقتال مع القوات الإسرائيلية”. ثم عاد ليغرد ثانية: “لا نختلف بوجود تصعيد إسرائيلي، ولكن هناك استفزاز فلسطيني”.
لا نختلف بوجود تصعيد إسرائيلي ،
ولكن هناك استفزاز فلسطيني.
— حمد الحوسني | Hamad Alhosani (@Hahosani) May 8, 2021
أما الكاتب الإماراتي المقرب من ولي عهد أبوظبي، ماجد الرئيسي، فقد اختار من خلال تدوينة له على توتير التهجم على حركة المقاومة الإسلامية حماس، عوض التنديد بالانتهاكات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين ومقدساتهم.
لو أجمع العالم على صياغة العهود برد الحقوق ، ما من حلول إلا و عرقلتها ستكون من فصائل الإخوان، نحب الأقصى وأي حل سنقدمه سيرفض وأي إحسان سيقابل بإساءة ..وينكم يا عرب ؟ سؤال ليس غرضه طلب النجدة ، وإنما التشكيك في عقيدتنا ..والاقصى أكرم من المتاجرة ورفع علم حماس عليه
— ماجد الرئيسي ?? (@majedalraeesi1) May 10, 2021
فيما كتب الصحافي السعودي عبد العزيز الخميس تدوينة يدعو فيها إلى عدم التعاطف مع القضية الفلسطينية ومع ما يجري من انتهاكات في حق أهالي حي الشيخ جراح، مؤكدًا على ضرورة التفرغ لما وصفه بمسيرتهم التنموية الناجحة.
لا تسكب دمعة على قضايا ناس لم يقفوا معك في أزماتك بل امتدحوا عدوك ورفعوا صور مجرميه… التاريخ يشهد على ما قدمته لهم. دعهم وتفرغ لمسيرتك الناجحة… الشعارات لا تسهم إلا في تخدير الشعوب وصرفها عن قضاياها التنموية… خلاف على اربع منازل ليس قضيتك بل قضية من يلعنك يوميا ويقدس خامنئي.
— عبد العزيز الخميس (@alkhames) May 10, 2021
وتساءل العديد من النشطاء في السعودية والإمارات كيف لهم أن يدعموا القضية الفلسطينية وينددوا بما يجري في القدس المحتلة، بينما الفلسطينيون لا يدعمونهم في قضاياهم ضد الحوثيين والإيرانيين، وفق تدوينات رصدها موقع نون بوست.
صورة عن تفكير الحكّام
تغطية الإعلامَين السعودي والإماراتي وجحافل المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، ليست بمعزل عن خيارات الأنظمة الرسمية هناك، فالإعلام يعطي صورة عن تفكير حكام البلد، خاصة وقد عُرف عنه أنه يروج للخط الإعلامي الحكومي.
ومنذ بدء موجة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني وقيادة الإمارات لقافلة المطبعين، تغيّر تناول الإعلامَين الإماراتي والسعودي للقضية للفلسطينية، فلم يعد هناك اهتمام بها ولا يتم تناولها إلا همسًا وفقًا للرواية الإسرائيلية كأننا نشاهد القنوات العبرية.
ملفت جدا للنظر ابتعاد الفضائيات والمواقع التابعة الى #السعودية و #الإمارات عما يدور في #فلسطين وفقأهم أعينهم عن جرائم #إسرائيل وأن #فلسطين_تنتفض، كما هو ملفت حضور قناة الجزيرة بقلب الأحداث.. ما تفعله الرياض وأبوظبي ليس جديد فمنذ قرن حارب جدودهم المسلمون وأدخلوا بريطانيا #القدس
— Mahmoud Refaat (@DrMahmoudRefaat) May 10, 2021
وتم الإعلان مطلع ديسمبر/ كانون أول الماضي عن اتفاق جديد بين الإمارات والكيان الصهيوني، يستهدف قطاع الإعلام عبر مذكرة تفاهم لأهداف تقوم على تعزيز تحالف إشهار التطبيع بين الجانبين، وتشمل المذكرة الموقعة عدم استضافة شخصيات معارضة للتطبيع والتركيز على خطة لفرض العلاقات مع الكيان الإسرائيلي وتسويقها في المنطقة العربية.
وضع أحرار فلسطين في الإمارات وهم لا يستطيعون التفاعل مع قضيتهم كوضع أحرار سوريا هناك
اللهم اكتب لهم مكاناً خيراً من هذا المكان#PrayForPalestine #القدس_تنتفض#الأقصى_ينتفض
— قتيبة ياسين (@k7ybnd99) May 11, 2021
وتتضمن المذكرة عدم بث أخبار انتهاكات وجرائم الكيان الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في وسائل الإعلام الإماراتية وإبراز الرواية الإسرائيلية، في مقابل حجب الرواية الفلسطينية وما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي وممارساته اليومية.
الدنيا قامت قيامتها في العالم!
جراء اعتداء العدوا الصهيوني الاسرائيلي
على المسجد الاقصى القدس الشريف في
دولة فلسطين المحتله
ونظام السعودية مدعمم ومطنش
ومهتم باالمساجات ومفتاله وترفيه ونحن
في شهر رمضان الكريم
واما الامارات ماهي قدها مطبعة علنا
مع باقي الدول المطبعه#القدس_ينتفض pic.twitter.com/IXPHZI4eOq
— ابو_اسامة_الفضلي (@sul_alfadhli1) May 10, 2021
بالمحصلة.. وكما قال أحدهم، فإنّ “مذهب (النكاية بالطهارة) السياسي-الإعلامي الإماراتي ظاهرة غريبة في السياسة والتاريخ فعلًا”، وما يزيده غرابة، هو هذا الرخص -بل المجانية- بالمواقف والانبطاحية بلا مبرر، لكن من قال إن الشعب الفلسطيني يضرهم من خذلهم أو خالفهم؟