ترجمة: حفصة جودة
مع استمرار الأزمة الاقتصادية العميقة في لبنان، أدى ارتفاع أسعار المنتجات الضرورية الأساسية مثل الخبز إلى وقوع الكثير من اللبنانيين تحت خط الفقر، يعتمد الخبازون في لبنان على الدقيق المستورد لصنع منتجاتهم، ما أدي إلى زيادة أسعار الخبز التقليدي المسطح المدعوم بشكل كبير – ويأكله الفقراء والأغنياء على حد سواء في معظم الوجبات – 3 أضعاف سعره منذ 2019.
يحاول مخبز “ماوية” الذي يقع في ضاحية جميزة ببيروت، ضمان حصول لبنان على أمن غذائي أفضل وأقل اعتمادًا على الدقيق المستورد لمخابزه من خلال سلسلة من المشاريع الإنسانية.
افتتحت مؤسسة “سعد السعود” التعليمية غير الحكومية المخبز بمساعدة الخباز المتحمس برانت ستيوارت، يعمل المخبز ضمن مطبخ تعاوني في طرابلس ويوظف فقط النساء من المجتمعات المهمشة.
يقول ستيوارت: “أسست هذه المساحة لأنني أردت أن أفعل شيئًا مرغوبًا ومطلوبًا بغض النظر عمن يفعله، وإلا فلم يكون دائمًا، فعدد الأشخاص الذين يرغبون في شراء شيء ما وفقًا لمن يصنعه يتناقص سريعًا، عدد الحقائب المزينة التي يمكن أن يشتريها الناس محدودة لكن الجميع بحاجة إلى الخبز”.
مزروع محليًا
في الوقت الحاليّ، فإن 80% من الدقيق الذي يستهلكه اللبنانيون مستورد من دول مثل أوكرانيا التي تمتلك إنتاجًا عاليًا على مساحة شاسعة من الأراضي التي يفتقر إليها لبنان، أما القمح القليل المزروع محليًا فيستخدم مثل الفريكة أو البرغل”.
“يعد القمح محصولًا تجاريًا غير مجدٍ ماليًا في لبنان، ربما يزرعه الناس بأنفسهم للاستخدام الشخصي لكن من الناحية الصناعية لا يتم إنتاج القمح المحلي”.
“الدقيق الذي نشتريه هنا من مطاحن بقاليان والمصنوع من قمح مستورد يكلفنا 1500 ليرة لكل كيلوغرام (دولار)، وهو أرخص بكثير من قمح البقاع المحلي الذي يكلفنا 5000 ليرة (3.30 دولار) للكيلوغرام، وذلك لأنه لا يوجد إنتاج محلي كافٍ لتغطية الطلب”.
“لا توجد مطاحن تركز على طحن القمح المزروع محليًا، هذه المطاحن الضخمة تعمل على القمح المستورد ولا يمكنها أن تأخذ فقط كمية القمح الصغيرة المزروعة محليًا لطحنها، فهذا اللآلات ضخمة وعملية الطحن تلك هي الحلقة المفقودة في السلسلة، فالطحن فن وعندما تطحن كمية صغيرة لا تُطحن جيدًا وتصبح أقل جودة”.
ارتفاع أسعار الدقيق
مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، أدى ارتفاع سعر الدقيق المستورد إلى ارتفاع أسعار الخبز، ومع الأقوال المنتشرة بانتهاء الدعم في مايو/أيار، فمن المتوقع أن ترتفع الأسعار للغاية، يركز مشروع ستيوارت الجديد على زراعة القمح محليًا وتركيب مطاحن حجرية جديدة للمزارعين لاستخدامها بحرية، بتمويل من منحة يقدمها تحالف أطفال الشرق الأوسط “Middle East Children’s Alliance” الذي يأمل أن يشجع الناس على زراعة المزيد من القمح المحلي وبالتالي يصبح بديلًا أرخص.
ستكون المطحنة جاهزة في يونيو/حزيران في مدينة زحلة الغنية بالأراضي الزراعية وستسمح بطحن كميات قليلة من القمح المحلي بجودة عالية، يقول ستيوارت: “أعلم أن مطحنة واحدة صغيرة وكمية القمح التي نزرعها لن تصنع فارقًا كبيرًا في جميع أنحاء البلاد، لكننا بحاجة لأن نبدأ من مكان ما”.
إذا تمكن لبنان يومًا ما من توفير معظم القمح الذي يحتاجه محليًا فإن تكلفة الخبز ستكون أقل ارتباطًا بالاقتصاد المتذبذب
“يجب أن نبدأ بتغيير أفكار الناس بشأن أهمية زراعة واستهلاك القمح المحلي، وليس فقط الزراعة على نطاق صغير للاستخدام الشخصي، لكن للدخول في النظام العام، لذا هذه بدايتنا الصغيرة”.
القمح المتوارث
يزرع ستيوارت حاليًّا 50 نوعًا من القمح في أحد الحقول المتنوعة بيولوجيًا من الأراضي الممنوحة في مدينة راشيا، ما يسمح له بتجربة مختلف الأنواع والحصول على مصدر كامل للدقيق من أجل مخبز ماوية من حصاد يوليو/تموز، بعض الأنواع التي يحاول تجربتها لم تعد موجودة في البلاد.
يقول ستيوارت: “سوف تكون مرحلة انتقالية نوعًا ما، فالقمح المحلي لم يتم تطويره عبر السنين لاستخدامه في الخبز المخمر على عكس القمح المستورد، لكنني وجدت أنواعًا محليةً جيدةً للغاية للعمل بها، حصلت على معظم هذه العينات من بنوك الجينات وأود أن أرى ما سينمو منها جيدًا وكيف سيكون مذاقه”.
يضيف ستيوارت “هناك فوائد بيئية لزراعة الأنواع المحلية لأن سلالة القمح – ما يعادل الخضراوات الموروثة – تتأقلم مع المناخ المحلي، فتصبح السلالة أكثر تحملًا للجفاف ومقاومة للأمراض والحشرات بشكل طبيعي فتقل الحاجة للمبيدات”.
كما أن اعتماد القمح الأجنبي على المواد الكيميائية لزراعته بكفاءة، هو جزء من عدم قدرة المزارعين على تحمل إنتاجه في لبنان، في قطعة أرض أخرى بقرية تربل قريبًا من زحلة، يزرع ستيوارت 10 أطنان من القمح المحلي، نصفهم سيذهب إلى المخبز الذي سيفتتحه في مخيم المرج للاجئين في سهل البقاع الذي سيوفر خبزًا مسطحًا مجانيًا.
اقتصاد ضعيف
سوف تترأس يسرا عبد الخطابية – لاجئة سورية عملت عدة سنوات مع مخبز ماوية – المخبز الجديد بدلًا من المخبز السابق الذي كانت تديره منظمة غير حكومية أخرى واضطرت لإغلاقه بسبب الاقتصاد المتهاوي.
تقول يسرا: “لقد تعلمت صناعة الخبز المخمر في مخبز ماوية واستمتع بصناعته حقًا، أحتاج للعمل بشدة وعندما أغلق مخبز المرج أبوابه أخذني ستيوارت للمخبز الجديد وكان أمرًا رائعًا للغاية، أنا سعيدة بالعودة للمخبز، فالناس يحتاجون إليه بشدة وهذا النوع من الخبز تخصصي”.
أما الأطنان الخمس المتبقية فسوف تدخل في برنامج يطوره ستيوارت يهدف إلى توصيل الدقيق المحلي إلى الخبازين لتجربته فيقرروا صنع التغيير بأنفسهم، إذا تمكن لبنان يومًا ما من توفير معظم القمح الذي يحتاجه محليًا فإن تكلفة الخبز ستكون أقل ارتباطًا بالاقتصاد المتذبذب.
يقول ستيوارت: “ربما ندعم الدقيق بأنفسنا حاليًّا ليصبح سعره معقولًا، فلا أحد يملك مالًا إضافيًا لينفقه علي أي شيء، إن الهدف من ذلك صنع تغييرات مستدامة في الأمن الغذائي، والمطحن جزء من ذلك بالطبع، لكنني أعتقد أن فكرة تغيير عادات الناس بشأن المكان الذي يحصلون منه على الدقيق مهمة للغاية”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية