ترجمة وتحرير: نون بوست
فاجأ مشهد الغضب هذا الأسبوع في مدينة اللد الكثيرين في “إسرائيل”. لقد مزق المواطنون الفلسطينيون في “إسرائيل” الرموز الإسرائيلية ورفعوا العلم الفلسطيني في المدينة المختلطة بين العرب واليهود التي تقع داخل حدود “إسرائيل” المعترف بها دوليا.
لطالما دعم فلسطينيو الداخل بانتظام الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وحجم وطبيعة المظاهرات في اللد تشير إلى أن العلاقة بينهم باتت أقوى من أي وقت مضى. لكن هذه العلاقة كانت مشحونة في كثير من الأحيان. لدى العديد من الفلسطينيين الذين يُطلق عليهم اسم “فلسطينيو 48” – أولئك الذين يعيشون داخل حدود الدولة التي تأسست سنة 1948 – شعور حقيقي بالأسى على تاريخهم ويصرون على أنهم لم ينضموا إلى “إسرائيل” وإنما “إسرائيل” هي التي ضمتهم إليها بالسيطرة على منازلهم. في بعض الأحيان، يستخدمون كلمة “احتلال” لوصف وضعهم داخل حدود “إسرائيل” لسنة 1948. لا يزال باقي العالم – وكذلك العديد من الإسرائيليين – يسيئون فهم حياة ودوافع مجموعة تشكل نحو 20 بالمئة من سكان “إسرائيل”.
من هم فلسطينيو الداخل؟
يُستخدم مصطلح “عرب إسرائيل” أحيانا لوصف المواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل”، بينما يطلق الكثيرون على أنفسهم اسم “فلسطينيو 48″، في إشارة إلى سنة تأسيس “إسرائيل”. في سنة 1948، وقع إعلان “قيام دولة إسرائيل”. بالنسبة للإسرائيليين، جاء ذلك بعد ما يعتبرونه حربهم من أجل الاستقلال – لكن بالنسبة للفلسطينيين كانت هذه بداية النكبة. لقد طُرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من منازلهم أو فروا منها أثناء الحرب. وسيطرت الميليشيات الصهيونية على فلسطين التاريخية بعد انسحاب الانتداب البريطاني والقوات العسكرية.
بحلول نهاية الحرب، وقع إعلان “قيام دولة إسرائيل”. سيطر الأردن على الضفة الغربية والقدس الشرقية، بينما سيطرت مصر على غزة. بقي العديد من العرب الفلسطينيين في منازلهم وداخل الحدود – المعروفة باسم “حدود 48” – لما يسمى الآن بـ “إسرائيل”. لقد مُنحوا الجنسية لكنهم لا يعاملون كمواطنين متساوين.
ما بين 1949 و1966، كان هؤلاء العرب الفلسطينيون يخضعون للحكم العسكري وملزمين بتصاريح السفر وحظر التجول والاعتقال. كما وقع طردهم من منازلهم وأراضيهم التي كانت تُمنح في كثير من الأحيان للمستوطنين اليهود أو الهيئات المدعومة من الدولة.
منذ سنة 1966 ونهاية الحكم العسكري، نما التعبير العام عن الوعي السياسي لدى فلسطينيي الداخل وكان يشمل أحداثا مثل يوم الأرض، الذي يصادف مقتل ستة فلسطينيين عزل في سنة 1976 كانوا يتظاهرون ضد مصادرة أراضي الجليل من قبل “إسرائيل”. يقع الاحتفال بهذا اليوم الآن كل سنة، وأصبح احتجاجا على الاستيطان الإسرائيلي، عندما جمعت المنظمات السياسية بما في ذلك الحزب الشيوعي الإسرائيلي والفهود السوداء الفلسطينيين مع يهود يساريين ويهود من الأراضي العربية.
مع ذلك، يجد فلسطينيو الداخل أنفسهم في كثير من الأحيان في مأزق صعب. في مرحلة ما، حاول بعضهم إخفاء هوياتهم من خلال تبني أسماء يهودية والتحدث بالعبرية فقط فيما بينهم، ليكونوا بذلك محل ازدراء من قبل الشتات الفلسطيني واللاجئين في المخيمات. ولطالما تعاملت معهم الحكومات العربية الأخرى لفترة طويلة بارتياب لقبولهم الجنسية الإسرائيلية والمشاركة في مؤسسات الدولة. أما في “إسرائيل”، فيُنظر إليهم غالبا على أنهم خونة، ويقع حظر منظماتهم وأحزابهم بانتظام ومحاكمة قادتهم.
هل هم مواطنون متساوون؟
يتجاهل مؤيدو “إسرائيل” بانتظام اتهامات “الفصل العنصري” الموجهة ضد “إسرائيل” من خلال الإشارة إلى الحقوق التي يتمتع بها فلسطينيو الداخل فضلا عن نجاح شخصيات عامة بارزة من المجتمع الفلسطيني. لكن مثل هذه الحجة تفسر بشكل خاطئ ومتعمد: فعادة ما تستخدم تسمية “الفصل العنصري” لانتقاد معاملة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة.
من غير الصحيح القول إن فلسطينيي الداخل يتمتعون بحقوق ومكانة متساوية مقارنة باليهود الإسرائيليين. يتعلق جزء كبير من التمييز بملكية الأرض. ويُعتقد أن الصندوق القومي اليهودي، وهو هيئة دولية مدعومة من الدولة تأسست سنة 1901 لغرض شراء وتوزيع الأراضي في فلسطين التاريخية، يمتلك حوالي 13 بالمئة من جميع الأراضي المحتلة.
من بين اختصاصات الصندوق القومي اليهودي توزيع الأراضي التي يملكها على اليهود فقط، وهو الأمر الذي وصفته مجموعة “عدالة” للدفاع عن حقوق الأقليات في “إسرائيل” بأنه “سياسة تمييزية تساهم في إضفاء الطابع المؤسسي على الممارسات العنصرية التي تساهم في عزلة البلدات والقرى الفلسطينية”. وجمعت “عدالة” قائمة أخرى من القوانين الإسرائيلية التمييزية ضد المواطنين العرب.
في سنة 2018، في مثال فظيع على التمييز التشريعي، أقر الكنيست قانون الدولة القومية الذي أعلن رسميا أن إسرائيل هي “الدولة القومية للشعب اليهودي – وحده”، على حد تعبير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وكانت النتيجة أن فلسطينيي الداخل يتمتعون بحقوق أكثر من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بما في ذلك التصويت وتولي المناصب واستخدام المحاكم المدنية وما إلى ذلك؛ ولكن هناك مجموعة من القوانين التي تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية مقارنة باليهود الإسرائيليين.
هل هم عرب إسرائيليون أم فلسطينيون؟
إن العلاقة بين فلسطينيي الداخل وإحساسهم بالهوية الإسرائيلية أو العربية أو الفلسطينية معقّدة. أظهرت استطلاعات الرأي بين سنتيْ 2003 و2017 أن غالبية السكان العرب في “إسرائيل” يعتبرون أنفسهم “فلسطينيين”، على الرغم من أن استطلاعا آخر أجراه معهد سياسة الشعب اليهودي في نيسان/ أبريل 2020 يشير إلى خلاف ذلك على ما يبدو. بغض النظر عن ذلك، منذ قيام دولة “إسرائيل”، استخدمت الحكومات المتعاقبة ومعظم وسائل الإعلام دائما مصطلح “عرب إسرائيل” لوصف فلسطينيي الداخل.
يعتبر النقاد ذلك محاولة لمحو الهوية الفلسطينية. في سنة 1969، علقت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير بشكل مشين قائلة: “لم يكن الأمر كما لو كان هناك شعب فلسطيني في فلسطين أتينا وطردناهم وأخذنا بلادهم منهم. لم يكونوا موجودين”.
بينما يطلق بعض فلسطينيي الداخل على أنفسهم اسم “فلسطينيو 48″، يصف آخرون أنفسهم “بفلسطينيي67″، وهم يعيشون عادة في المناطق التي احتلتها “إسرائيل” بعد حرب 1967، مثل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. في غضون ذلك، يميل المواطنون الدروز في “إسرائيل” – الذين يتمركزون بشكل أساسي حول شمال “إسرائيل” ومرتفعات الجولان المحتلة – إلى اعتبار أنفسهم “عربا” أو ببساطة “إسرائيليين” مقارنة بالمجتمعات غير اليهودية الأخرى. وفي حين أن المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين معفوْن من الخدمة العسكرية، فإن الدروز الإسرائيليين ليسوا كذلك.
هناك العديد من الأسباب لمنح الدروز مكانة “الأقلية المفضلة” في “إسرائيل”. من المؤكد أن القادة الصهاينة قاموا برعايتهم منذ عشرينات القرن الماضي كحلفاء ضد الجماعات المسيحية والمسلمة. لكن في العقود الأخيرة، انقلب العديد من الدروز عليهم، مشيرين إلى مواجهتهم مستويات مماثلة من الفقر والتمييز تماما مثل المسلمين الفلسطينيين. وقد مثّل تمرير قانون الدولة القومية في سنة 2018 ضربة لمفهوم الدروز كأقلية “مخلصة” في “إسرائيل”.
السياسة وفلسطينيو 48
لطالما واجه فلسطينيو الداخل سلسلة من المعضلات فيما يتعلق بالتطلعات السياسية والوطنية الفلسطينية. فمن ناحية، يرغب الكثيرون في الحفاظ على منازل أجدادهم داخل “إسرائيل” والاستفادة من مستوى المعيشة المرتفع نسبيا، بينما يتعاطفون بقوة مع الرغبة في قيام دولة فلسطينية وتقرير مصيرها من ناحية أخرى.
لم يكن هذا الأمر أكثر إشكالية من المناقشات حول حل الدولتين. في الماضي، اقترح العديد من السياسيين الإسرائيليين أنه في حالة إقامة دولة فلسطينية، ستكون هناك حاجة إلى تبادل للأراضي، مما يجبر فلسطينيي الداخل على الانضمام إلى الدولة الجديدة مقابل المستوطنين الإسرائيليين. بالنسبة لهذه الفئة، تركز السياسة بشكل متكرر على قضايا الحقوق المدنية وإنهاء الامتيازات اليهودية داخل إسرائيل.
تاريخيًا، ربما كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي المنظمة الأكثر تأثيرا بالنسبة لفلسطينيي الداخل. مع السياسات العلنية المؤيدة للفلسطينيين والمناهضة للصهيونية المحظورة في معظم تاريخ “إسرائيل”، قدم الحزب الشيوعي مساحة للتنظيم مع اليهود اليساريين وغير الصهاينة من أجل حقوق المواطنين الفلسطينيين.
اليوم، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة – خليفة الحزب الشيوعي الإسرائيلي – هي الحركة الرائدة في “القائمة المشتركة”، الحزب السياسي العربي الرئيسي في “إسرائيل”. يضم التحالف مجموعة من الحركات السياسية المختلفة، من “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة” الماركسية اللينينية إلى “الحركة العربية للتغيير” و”التجمع الوطني الديمقراطي” القومية العربية العلمانية. حتى وقت قريب، كانت القائمة الإسلامية العربية الموحدة عضوا أيضا، لكنها غادرت سنة 2021 بسبب الخلافات، بما في ذلك الميول الاجتماعية الليبرالية والعلمانية للأحزاب الأخرى.
وقعت مقاضاة العديد من أعضاء القائمة المشتركة والأحزاب المكونة لها ورفع أعضاء الكنيست الحصانة عنهم. على وجه الخصوص، حاول أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، بناء حملته على أساس برنامج مدني يشمل كلا من اليهود والفلسطينيين في “إسرائيل”، فضلا عن الفئات المهمشة الأخرى.
كتب عودة على تويتر بالعبرية يوم الثلاثاء ردا على الغارات الاسرائيلية على غزة: “أسابيع من القمع العنيف والمضطرب من قبل حكومة نتنياهو وحرق الأراضي في القدس انفجرت الليلة بالنسبة لنا جميعا في الداخل. لا مبرر لإيذاء المدنيين الأبرياء. لا مبرر لإيذاء أي مواطن”. وأضاف “خاصة في مثل هذه الأيام يجب أن نعمل معا، عربا ويهودا، ضد التحريض والعنف والحصار والاحتلال، ومن أجل السلام والأمن للجميع”.
المصدر: ميدل إيست آي