تأتي ذكرى النكبة الـ 73 لاحتلال فلسطين في أوضاع استثنائية وتضامن عربي غير مسبوق، وصل إلى خروج دول الحدود مع فلسطين المحتلة بمظاهرات حاولت العبور من الأردن ولبنان، نصرة للأقصى ورفضًا لما يتعرض له قطاع غزة المحاصر.
ولأول مرة منذ سنوات يحتشد المتواجدون في الأردن ولبنان بهذه الأعداد على الحدود، غير آبهين باستهداف الاحتلال لهم وتهديدهم، رغبة في أن يكونوا جزءًا من مشهد المقاومة، غير متكتفين بموقع المتفرج كما جرت العادة.
مشهد المكتظين على الحدود وهم يحاولون عبورها وسقوط شهيد من لبنان، يؤكد أن 73 عامًا من القهر سيتوقف عدّادها قريبًا، ويعيد إلى الذاكرة زحوف المهجرين يوم النكبة، ولكن بشكل عكسي هذه المرة.
تضامن واسع
روت دماء لبنان حدود فلسطين التاريخية، عندما أصابت رصاصة غادرة خاصرة الشاب محمد طحان (21 عامًا) وهو يحمل علم فلسطين المحتلة، متوجهًا إلى الشريط الشائك على الحدود، عقابًا على حماسه وتقدمه الجموع.
وفي تظاهرة هي الأكبر، خرجت الأردن وفق الإعلام المحلي عند الحدود مع فلسطين المحتلة تضامنًا مع القدس المحتلة وقطاع غزة المحاصر، حيث احتشد الآلاف من الأردنيين من مختلف أنحاء المملكة للمشاركة في التظاهرات.
وتمكن المتظاهرون الأردنيون من قطع السياج الفاصل بين الأردن وفلسطين المحتلة، ونجحوا في الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويأتي تفاعل الأردنيين هذا مع دعوات الاحتشاد ضمن هاشتاغ #يلا_على_الحدود.
وفي العراق، بث عراقيون مقاطع فيديو على فيسبوك، تظهِر احتشاد عشرات العراقيين بالقرب من جامع أبو حنيفة النعمان في منطقة الأعظمية، بالتزامن مع صلاة وتكبيرات عيد الفطر المبارك.
ورفع المحتشدون شعارات مناهضة للاحتلال ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني، كما رددوا هتافات منها “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”، وأضرم المتضامنون النار في عدد من الأعلام الإسرائيلية، رفضًا للعدوان الذي يتعرض له قطاع غزة المحاصر، والانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
بدوره قال وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم اليوم، خلال اتصال مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنه يجب بث روح التضامن العربي والإسلامي لنصرة فلسطين المحتلة وحفظ المقدسات الدينية.
بداية التحرر
استطلعت “نون بوست” آراء المتابعين الذين نظروا إلى ذكرى النكبة هذه المرة بشكل مختلف، حيث قال سلطان العجلوني الناشط السياسي من الأردن إن الشعب الأردني برمته ليس له حديث سوى عن القدس المحتلة، وما يجري في فلسطين المحتلة والشعور بالفخر، موضحًا أن الجميع يشعر هذه المرة أن الأمر مختلف وأن أنف الاحتلال مرِّغ بالتراب.
ولفت إلى أن ذكرى النكبة مختلفة هذا العام، فالشعب الأردني يشعر أنه جزء من المعركة وليس مجرد متضامن، كل البيوت فعليًّا تجهز نفسها لتكون جزءًا حقيقيًّا من المعركة.
وأوضح العجلوني أن المسألة لم تعد مجرد تظاهرات أو دعوات وتبرعات مالية، بل إن الجميع يرغب بالمشاركة.
وذكر أن الناس تتحدث عن حرب التحرير وكيف يمكن تجاوز العقبات، وهي روح مبشرة وغير مسبوقة.
ويؤكد العجلوني أن المقاومة زرعت الشعور باقتراب التحرير، بينما يقول كتّاب الاحتلال أن على أوروبا استقبالهم لأنهم لا يريدون الموت على يد العرب، ويتحدثون عن بداية النهاية.
وحول مدى تأثير الهبات على الموقف الرسمي، ذكر الناشط السياسي أنه غير متفائل بتغيير مواقف الأنظمة وما سيجري مجرد امتصاص للغضب لا أكثر، لأن زوال الاحتلال يسبق زوال هذه الأنظمة التي لا يعول عليها أبدًا.
تحرك الشعوب قد يدفع بعض الأنظمة إلى تغيير حساباتها لكن بشكل محدود، لأن القيادات تعيش في وادٍ مختلف عما يعيشه شعوبها.
ويعتبر العجلوني أن الوقائع الحالية في ذكرى النكبة تدلل أن هناك فرصة كبيرة للتحرير، وهو شيء قابل للتحقيق وليس معجزة كما كانت النظرة سابقًا، لافتًا إلى أنه في ظل أنظمة قمعية لم تقوَ الشعوب عليها، تطورت المقاومة من مسدس يتنقل بين قطاع غزة المحاصر والضفة الغربية المحتلة إلى صواريخ شلت الاحتلال رغم الحصار.
وأعلن عن حملة للجهاد بالمال في فلسطين المحتلة مساء الجمعة، مشيرًا إلى أنه وفور إعلانه للحملة وصلته مبالغ منذ اللحظات الأولى.
نكبة مختلفة
وفي ذكرى النكبة الـ 73 التي تحل بالتعاون مع مواجهة مفتوحة مع الاحتلال على أكثر من جبهة، قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور هاني البسوس الفلسطيني المقيم في عُمان، إن ذكرى النكبة تختلف بشكل كبير عن الأعوام السابقة، وبعد هذه السنوات الطويلة المقاومة قادرة على ردع قوات الاحتلال بشكل غير مسبوق بوجود حاضنة فلسطينية وشعبية عربية.
وأوضح أن الدعم جاء من الأردن ولبنان وتركيا والجزائر.
واعتبر البسوس أن ما يجري على حدود فلسطين المحتلة رسالة قوية للاحتلال في ذكرى النكبة، بأن بقاءهم يعني دفنهم في الأرض الفلسطينية، موضحًا أن تحركات الحدود هي بمثابة يوم حافل بالتضحيات وتحدٍّ كبير للاحتلال، لأنها ستؤدي إلى زعزعة مكانته، مشيرًا إلى أنها تولد خشية لدى الاحتلال دائمة من تحرك أعنف قادم حتى إن لم يكن الآن.
وعن قدرة المواطن العربي على التأثير في سياسة الأنظمة، ذكر البسوس أن المواطن العربي تأثيره نسبي، لكن على غرار ما حدث عام 2011 ممكن أن تأتي لحظة وتقلب الطاولة في وجه الأنظمة القمعية، لكن تبقى تخوفات الناس مما يجري في سوريا والأردن كبيرة، فهناك شجاعة مشوبة بالخوف والحذر.
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن تحرك الشعوب قد يدفع بعض الأنظمة إلى تغيير حساباتها لكن بشكل محدود، لأن القيادات تعيش في وادٍ مختلف عما يعيشه شعوبها، وبعضها غير مهتم بالقضية الفلسطينية أساسًا، والأمر مرتبط بعزيمة الشعوب ورغبتها في التغيير
حراك الحدود
في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أنه بعد 73 عامًا من النكبة، تبدو الحالة الفلسطينية في عافية والمقاومة أعادت الروح للقضية، بعد الظن أنها تراجعت عقب التطبيع العربي والتغول الإسرائيلي في المنطقة.
ويعتقد المدهون أن حدث الحدود ليس لحظيّ بل سيكون له ما بعده، ويمكن البناء عليه ومراكمته، وأنه دليل عافية في الجسد الفلسطيني في الخارج، موضحًا أنه فتح بابًا من الثورة والحضور من الصعب أن يغلق، والتحرك الفلسطيني في داخل الدول يمكن أن يبقي حالة الاشتعال والاحتكاك على الحدود.
وسائل الإعلام الاجتماعي ستعطي المواطن العربي دورًا أكبر في الحراك والتأثير في سياسة بلاده.
ويجزم المدهون أن الحراك على الحدود في ذكرى النكبة، هو حالة فارقة ونقطة تحول مهمة، والأهم من وجهة نظره أن فلسطينيي الشتات كسروا الحاجز الوهمي الذي بنته لهم الأنظمة العربية المستضيفة، وفي هذه الفرصة استطاع الفلسطيني إثبات ذاته وقدرته على أن يكسر الحدود التي رسمت لمنعه من القيام بدوره.
وأكد أن الشعب الفلسطيني فرض نفسه، وباتت قيادات المقاومة ملهمة ليس للفلسطيني فحسب بل لشعوب المنطقة.
ولفت الكاتب السياسي إلى أن ما حدث من تحرك للشعوب العربية أمر يجب أن تأخذه قيادة المقاومة على محمل الجد، وترتب لاستثماره وتعزيزه لأنه يعتبَر قوة في يد الشعب الفلسطيني.
ويعتقد المدهون أن الحالة المشتعلة في الأردن ولبنان أعطت الصورة الأفضل للفلسطينيين منذ عقود، وعززت الحالة وأعادت الثقة للقضية.
ويرى أن هناك تغيُّرًا في الخريطة وتراجعًا للنظم، مقابل قوة جماهيرية بدأت تتصاعد ويجب الاعتماد عليها.
ويؤكد المدهون أن وسائل الاعلام الاجتماعي ستعطي المواطن العربي دورًا أكبر في الحراك والتأثير في سياسة بلاده، مشيرًا إلى أن الشعب العربي أثبت أن القضية الفلسطينية ما زالت هي المركزية، وأن الانتماء لها لا يمكن تجاوزه.