بدأت عملية التسجيل للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، في ظل توجه واضح لهيمنة مرشحي الحرس الثوري حتى اللحظة، ما يشير بدوره إلى أن هناك توجهًا واضحًا لعسكرة الرئاسة الإيرانية هذه المرة، هذا التوجه سيلقي بظلاله على طبيعة المنافسة التي ستجري بين الأجنحة المتنافسة في الخارطة الانتخابية الإيرانية، حيث تُطرح اليوم العديد من الأسماء ذات الخلفية العسكرية على أجندة الناخبين، في مقابل عدم نجاح أي منها نيل موافقة/ دعم المرشد في السباق الانتخابي.
وبعيدًا عن المنافسة بين مرشحي الحرس الثوري، وأبرزهم الجنرال سعيد محمد ومحسن رضائي وحسين دهقان، هناك أسماء أخرى أكثر إثارة قد تعيد تشكيل المشهد الانتخابي خارج هيمنة الحرس، والحديث هنا عن إبراهيم رئيسي مرشح التيار المحافظ، وأحمدي نجاد مرشح التيار الشعبوي، أو ما يعرف بالتيار الثالث، وعلي لاريجاني مرشح التيار الإصلاحي.
كما يوجد أيضًا خلاف كبير يجري الحديث عنه بين المعسكرين المحافظ والإصلاحي، حول طبيعة القضايا الرئيسية التي ستتمحور حولها البرامج السياسية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويمكن القول إن الخلافات الرئيسية بين التيارين، ستتمحور حول العديد من القضايا المهمة، ومن أبرزها الوضع الاقتصادي والتحديات المجتمعية والصحية، إلى جانب رؤية كل من التيارين للاتفاق النووي والتحولات الإقليمية الجديدة، فرغم كون حدوث أي تحول جديد في المفاوضات النووية في فيينا، قد تخدم حظوظ الإصلاحيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا إنه بالنظر إلى الواقع الحالي في الداخل الإيراني، فمن غير المتوقع أن يسمح التيار المحافظ أو الحرس الثوري بأن يؤثر ذلك على مسار الانتخابات الرئاسية المقبلة.
سيفقد الكثير من المرشحين الإصلاحيين فرصة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
انقسام كبير بين التيارات المتنافسة
يشير الانقسام الحالي في الداخل الإيراني، إلى دخول التيارات المتصارعة في الساحة السياسية الإيرانية حالة الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة مبكرًا، عبر الشروع في عملية هندسة الشارع الإيراني ضمن توجه سياسي معين، قد يخدم المحافظين أو الإصلاحيين، وتأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة في دورتها الـ 13 محكومة بعدد من المحددات، التي تلعب دورًا في بناء التحالفات وتقديم المرشحين، وهي محددات بعضها يختص بالساحة الداخلية، وبعضها يأتي متأثرًا بالملفات الخارجية، وأهمها:
1. خامنئي والرغبة في بناء صف جديد من القيادة.
2. توحيد توجهات مؤسسات الحكم بعيدًا عن ثنائية الثورة/ الدولة.
3. أزمة العلاقة مع واشنطن، وطبيعة التفاوض المطلوب مع القوى الكبرى.
4. ضعف التيار الإصلاحي وفشل تيار الاعتدال.
وأصدر في هذا الإطار مجلس صيانة الدستور، المعني بالإشراف على الانتخابات في البلاد، بيانًا في 5 مايو/ أيار 2021، حدد فيه شروط من يمكنه الترشح والتسجيل في الانتخابات الرئاسية المقبلة المزمع إجرائها في 18 يونيو/ حزيران المقبل، وأشار مجلس صيانة الدستور إلى أن شروط الترشح والتسجيل في الانتخابات الرئاسية المقبلة هي: أن يكون عمر المرشح ما بين 40 و75 عامًا، وأن يكون حاصلًا على درجة الماجستير أو ما يعادلها على الأقل، وأن يكون قد شغل مناصبًا الإدارية لمدة 4 سنوات على الأقل، كما يمكن ترشح الوزراء والمحافظين ورؤساء البلديات في المدن التي يزيد عدد سكانها عن 2 مليون نسمة، والقادة العسكريين برتبة لواء وما فوق، إلى جانب عدم وجود سجل جنائي للمرشح.
وبموجب هذه الشروط سيفقد الكثير من المرشحين الإصلاحيين فرصة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، إما بسبب السجل الجنائي وإما بسبب العمر، وفي هذا الإطار يعتبر مجلس صيانة الدستور الذي يقوده آية الله أحمد جنتي، مجلسًا مفوضًا دستوريًا، يتألف من 12 عضوًا من رجال الدين والقانونيين، وهو إحدى أبرز الأدوات التي يستخدمها خامنئي في هندسة الحياة السياسية في إيران، ولن يصبح أي مرشح مؤهّلًا لخوض السباق الانتخابي حتى يجتاز عتبة هذا المجلس، وسبق لهذا المجلس أن أطاح بالعديد من الأسماء التي لم يرغب خامنئي بترشحها، وأبرزهم الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني.
الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون واحدة من أكثر الانتخابات الحاسمة في السنوات الأخيرة.
مشاركة منخفضة ومنافسة معقدة
تناول مركز Atlantic Council البحثي في أحد تقاريره، موضوع الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران، وأُفق فوز المرشحين المحتملين للانتخابات، حيث اعتبر المركز أنه من المحتمل أن يكون هناك إقبال منخفض للغاية في هذه الانتخابات، ما قد يؤدي وفق ترجيحه إلى المساعدة على فوز معسكر المحافظين فيها. بالنسبة إلى المحافظين، فإن المشاركة المنخفضة ستكون مفيدة، في حين يعول الإصلاحيين على مشاركة الطبقات الوسطى والعليا في المناطق الحضرية والمتعلمة في إيران، حيث نجحت مشاركتهم بتحويل الانتخابات مرارًا وتكرارًا لهم عندما شاركوا في الانتخابات.
وفي هذا الإطار، أوضح خامنئي في أكثر من مناسبة أنه سيفعل كل ما في وسعه لضمان استمرار رؤيته الإسلامية المتشددة، ودعا إلى رئيس “شاب وثوري” ليكون قادرًا على حل مشاكل إيران، وعند وصفه الرئيس المثالي، غالباً ما يشير خامنئي إلى مرشح فتي من “حكومة حزب الله”، وعمليًّا إلى شخص مخلص تماماً للمرشد الأعلى، ومن بين أكثر مؤيدي النظام تفانيًا، وعادة ما تكون هذه التسمية مخصصة للأفراد الذين لديهم نوع من الانتماء إلى النهج الثوري/ الأمني. ومع ذلك، إن خامنئي والحرس الثوري ليسا الوحيدَين اللذين يحلمان برئيس من “حكومة حزب الله” يتمتع بخلفية عسكرية، فهذا الشعور “البونابرتي” له جذور قوية في التاريخ الإيراني، حتى ما قبل الثورة الإسلامية.
ستكون الانتخابات الرئاسية المقبلة واحدة من أكثر الانتخابات الحاسمة في السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من أن رئيس الجمهورية الإسلامية يتمتع بسلطات محدودة، إلا أنه يمكن أن يتباهى بشخصية عامة عالية بما يكفي للتأثير في الترشح المحتمل لأي شخص لمنصب المرشد الأعلى، في حالة غياب خامنئي المفاجئ، ويمكنه أن يثير غضب الجماهير لصالح مرشح أو ضده، كما يمكن للرئيس المقبل أيضًا أن يلقي مفتاحًا في أي اتفاق نووي جديد، لذلك سيعمل خامنئي على دعم مرشح رئاسي يقدّم أقل قدر ممكن من التشويش على عملية الخلافة، إلى جانب تعزيز قوته أكثر من إصلاح النظام الإيراني بشكل جذري.