منذ الأحداث الأخيرة التي يشهدها حي الشيخ جراح، يواصل المستوطنون وتحديدًا من ينتمون إلى الجماعات المتطرفة اعتداءاتهم على السكان، وذلك تحت أعين شرطة الاحتلال التي لم تحرك ساكنًا لوقف هذه الأعمال الهمجية.
كما تعمل الشرطة الإسرائيلية لصالح المستوطنين، فتعنّف السكان والمتضامنين مع العائلات المهددة بالإخلاء، وتعتدي عليهم بالضرب والدفع والسحل على الأرض، ورشهم بالمياه العادمة وقنابل الصوت.
ويعدّ دخول السكان إلى الحي الشرقي من الشيخ جراح ليس سهلًا، ففي حال خرج أحدهم ليقضي مصالحه، يجد الجنود الإسرائيليين بانتظاره على الحواجز فلا يسمحون له العودة إلا بعد التفحيص والتمحيص والاستفزاز.
في المقابل يدخل المستوطنون وأعضاء عصابة “تدفيع الثمن” تحت حمايتهم حتى الوصول إلى بيت عائلة الغاوي الذي تم الاستيلاء عليه، ويعتلون السطح ومن ثم يبدأون رشق السكان بالحجارة أو قذفهم بعبارات استفزازية كـ”الموت للعرب”.
وعصابة “تدفيع الثمن” اليهودية المتطرفة هي حركة شبابية يمينية متدينة ظهرت رسميًّا في يوليو/ تموز 2008، وكانت لها عمليات سابقة في عام 2006 ولكنها لم تكن واضحة التأطير، وتطلق على نفسها اسم “تاج محير” أي تدفيع أو جباية الثمن بالعربية.
ونفذت منذ ذلك الحين مئات الهجمات في الضفة الغربية المحتلة ضد فلسطينيين، وتستهدف المسلمين والمسيحيين من العرب على حد سواء.
كما تشمل هجماتها تدمير وتخريب الممتلكات الفلسطينية، وإحراق سيارات ودور عبادة المسلمين والمسيحيين وإتلاف واقتلاع أشجار الزيتون، كما تدنس المقابر والأماكن المقدسة ويصل الأمر للاعتداءات الجسدية.
ويرجع سبب التسمية لأنها توقّع عادة هجماتها بكتابة هذه العبارة باللغة العبرية، كما يدعي بعض أعضائها الانتماء إلى حركة “كاخ” العنصرية المعادية للعرب، والتي أسسها مائير كاهانا عام 1971، وجرى حظرها عام 1994 بعد أن قتل أحد أتباعها باروخ جولدشتاين 29 مصليًّا فلسطينيًّا مسلمًا في الحرم الإبراهيمي الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة.
أشعة الليزر ورشق الحجارة
ما ترتكبه عصابة “تدفيع الثمن” داخل حي الشيخ جراح هو الاعتداءات المستمرة على السكان وتحديدًا في الحي الغربي، بينما في الحي الشرقي الذي يهدد عدد من ساكنيه بالإخلاء فقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعض التصرفات، حيث يقوم المستوطنون بتحديد بيوت العرب بإشارات معينة يفهمها أعضاء العصابة، وتسهّل عليهم عملية الاعتداء.
وبعد وضع العلامة على البيوت العربية المستهدفة، يأتي أعضاء عصابة “تدفيع الثمن” دون سابق إنذار لاقتحام البيت والاعتداء على ساكنيه بوحشية وتحت أنظار الجنود الإسرائيليين، وذلك وفق ما رواه الناشط كرم خلف لـ”نون بوست”.
ويوضح أن المستوطنين يحددون البيوت بعد طرق أبوابها، وفي حال كان الرد بالعربي يضعون العلامة، مؤكدًا أن الأهداف التي تعتدي عليها عصابة “تدفيع الثمن” هي ذاتها التي تسعى “إسرائيل” للانتقام منها، لكنها لا تستطع فعل ذلك بسبب الملاحقة الدولية، لذا تستعين بهذه العصابة لترتكب المزيد من الجرائم.
وذكر أن عددًا من أفراد تلك العصابة يعتلون سطح عائلة الغاوي ويسلطون أشعة الليزر على بعض الأشخاص، وسرعان ما تعتدي عليهم الشرطة الإسرائيلية دون سابق انذار إما بالضرب وإما بالاعتقال.
وتأكيدًا على ما سبق، ذكر عارف حماد رئيس لجنة حي الشيخ جراح أن عصابة “تدفيع الثمن” هي من تتحكم بالشرطة الإسرائيلية، وتحدد لهم على من تعتدي، مشيرًا إلى أن اعتداءات العصابة في الحي الشرقي تكمن في الحركات الاستفزازية ويدخلون بأكياس الحجارة لرشق السكان وتتغاضى الشرطة عن ذلك.
ويقول حماد لـ”نون بوست”: “يدخل أعضاء العصابة إلى الحي بأسلحتهم، والوضع الآن على المحك ومتأزم لأبعد حد وفي أية لحظة ستشتعل الأحداث أكثر”، لافتًا إلى أن الشرطة الإسرائيلية تضع البلوكات الإسمنتية على مداخل الحي لتمنع وصول المتضامنين والتضييق عليهم، بالإضافة إلى أنها سمحت بقدوم المستوطنين، خاصة من مستوطنة كريات 4 لإثارة الشغب.
والجدير ذكره أن عصابة “تدفيع الثمن” وفق ما أوردته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في تحقيق صحفي سابق، جاء فيه: “إن المستوطنين الذين يشتركون في هذه الاعتداءات هم في معظمهم من تلامذة الحاخامات يتسحاق غينزبورغ ودافيد دودكيفيتش ويتسحاق شابيرا، الذين يقفون على رأس المدرسة الدينية “يشيفات” في مستعمرة “يتسهار”، والتي تعتبر أحد أبرز معاقل المتطرفين اليهود”.
عصابات مخرِّبة
وفي السياق ذاته، يؤكد عصام شاور المختص في الشأن الإسرائيلي أن عصابة “تدفيع الثمن” هي مرآة تعكس صورة “إسرائيل”، ولها حاضنة في سياسة المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي ذاته.
ويقول شاور بحسب متابعته: “في الأحداث الأخيرة كان للمستوطنين دور كبير في إثارة غضب الشارع الفلسطيني داخل القدس ومناطق 48 وتحريض الشرطة الإسرائيلية ضدهم، حيث كان المستوطنون يجلَبون من مناطق متعددة لإثارة المشاكل في حي الشيخ جراح واللد ويافا، ويستهدفون بيوت ومتاجر الفلسطينيين ويقومون بالاعتداء بالضرب المبرح وحتى قتل الشباب الفلسطيني”.
وأوضح لـ”نون بوست” أن ما تفعله عصابة “تدفيع الثمن” وغيرها من العصابات المخربة يكون بغطاء من الحكومة الإسرائيلية، لافتًا إلى أن تلك العصابات هي أصلًا جزء من سياسة “إسرائيل” وتعرفهم فردًا فردًا، كما أنه من غير المستبعد أن يكون وراء هذه الجماعات منظمات استخباراتية.
وبحسب قول شاور، فإن هذه العصابة تنفذ قانون يهودية الدولة الذي تسعى الحكومة والكنيست الإسرائيلي لإقراره، وهو يعني نصًّا التخلص من كل ما هو فلسطيني سواء في الداخل أو الضفة الغربية المحتلة أو قطاع غزة المحاصر.
وما يثير غضب الفلسطينيين أنه بعد كل اعتداء تصل قوات الاحتلال إلى مكان الجريمة وتحقق معهم وتأخذ إفاداتهم ثم تقيد الحادثة “ضد مجهول”، رغم أن الفاعل معروف ويترك بصمته المعروفة، عدا عن انتشار آلاف الكاميرات التابعة للاحتلال في كل مكان التي تساعد في كشف مرتكب الحادثة.