إضراب الكرامة يوحّد الفلسطينيين من البحر إلى النهر

E1pwqjjWYAAmoXJ

أعاد الفلسطينيون فتح صفحات تاريخهم النضالي بالعودة إلى “الإضراب” كوسيلة للعصيان المدني رفضًا لممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن نفذوا واحدًا من الإضرابات الناجحة على مدار السنوات الأخيرة في مختلف المناطق الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، إلى جانب الضفة الغربية والقدس المحتلتَين.

ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي يتم بها اللجوء إلى هذه الوسيلة، إذ سبق وأن اعتمد الشعب الفلسطيني وسيلة الإضراب للاحتجاج على السياسات الاستعمارية، إذ كان إضراب عام 1936 هو الأطول في تاريخ النضال الفلسطيني حينما استمر 6 أشهر رفضًا لسياسات الانتداب البريطاني.

وواصل الفلسطينيون الاعتماد على هذه الوسيلة بعد الاحتلال الإسرائيلي، إذ اعتمدوا عليها خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، وكانت هذه الإضرابات يرافقها تعطيل شامل لشتى مناحي الحياة وتحشيد للجماهير الفلسطينية وأيام غضب يرافقها قمع إسرائيلي مشدد للجماهير.

وظل هذا الأسلوب متبعًا حتى في انتفاضة الأقصى عام 2000، وعلى الرغم من حالة الانفصال بين الأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، بفعل توقيع اتفاقية أوسلو، إذ كان الأمر ترافق بعض الأحداث مع إضرابات شاملة تشمل المدن المحتلة أيضًا.

أما الإضراب الأخير فأطلق عليه “إضراب الكرامة”، وجاء تزامنًا مع الأحداث الدامية التي يشهدها قطاع غزة المحاصر وامتدادًا للأحداث المتواصلة في حي الشيخ جراح شمالي القدس المحتلة، وما صاحبه في الأيام الأخيرة لشهر رمضان من أحداث في المسجد الأقصى.

 

 

وبالتزامن مع ذلك، فقد شاركت الضفة الغربية المحتلة هي الأخرى في الإضراب، إذ تعطلت العملية التعليمية والوظائف العمومية، فيما شهدت مدن الداخل المحتلة تعطيلًا شاملًا لكافة مناحي الحياة والامتناع عن الذهاب للوظائف العمومية والخاصة على الرغم من التهديدات التي تلقاها الفلسطينيون هناك.

وللمرة الأولى منذ قرابة العقدين، فإن الإضراب كان متزامنًا ومترافقًا مع أحداث تشملها مختلف المدن الفلسطينية على طول الأراضي المحتلة، في الوقت الذي غابت فيه الفعاليات الجماهيرية لسكان قطاع غزة المحاصر نظرًا إلى العدوان الإسرائيلي المتواصل عليهم منذ أيام.

ولا ترتبط أحداث الإضراب الأخير بواقعة بعينها، إذ شهدت المدن المحتلة لا سيما يافا واللد وحيفا مواجهات عنيفة اندلعت بين الفلسطينيين والمستوطنين، رافقها مواجهات مسلحة في الشوارع واعتداءات نفذت بحق فلسطينيين ومنازلهم من قبل شرطة الاحتلال ومستوطنيه.

وبالتوازي، كانت أحداث الشيخ جراح والمسجد الأقصى امتدادًا كذلك لحالة الغضب الفلسطيني المتصاعد في مختلف المناطق، فضلًا عن العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، وهو ما عزز من حالة الغضب في صفوف الشعب الفلسطيني.

وكان السلوك الإسرائيلي الحافز الرئيسي للإضراب الشامل وفق مراقبين، وأتى نجاحه من كون الإضراب حاضرًا بدرجة أساسية في الداخل المحتل، على اعتبار أن الاحتلال هو المتحكم في إدارة الشؤون المدنية والحياتية للسكان بعكس مناطق الضفة الغربية المحتلة.

 

 

وسيلة قديمة.. حديثة

في السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن الإضراب ليس الأول في التاريخ الفلسطيني، إذ سبق وأن تم استخدامه كوسيلة نضالية في التاريخ الفلسطيني القديم والمعاصر، حيث كان الإضراب الكبير عام 1936 هو الأكبر في التاريخ.

ويوضح عرابي لـ”نون بوست” أن الكثير من الإضرابات جرت خلال الانتفاضة الأولى وحتى في بدايات انتفاضة الأقصى عام 2000، ففكرة الإضراب ترتكز على العصيان المدني وفعاليته أكثر جدوى في القدس وفلسطين المحتلة عام 1948 بطريقة أكبر من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر.

ويضيف: “وسيلة الإضراب كانت فاعلة وقوية في الانتفاضة الأولى عام 1987، وحينها كان الاحتلال يقوم بفتح المحال عنوة وكسر الأقفال كونها عملية احتجاج لمواجهة سلوكه وسلطته، لكن بعد قدوم السلطة اختلف الوضع حيث باتت السلطة الفلسطينية هي السلطة المحلية”.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي أن الاعتماد على هذه الوسيلة في الضفة الغربية المحتلة غير مجدٍ كون الظرف اختلف، إلا أن تنفيذ إضراب متزامن في كل فلسطين المحتلة سيكون مقبولًا ومفيدًا كونه خطوة سهلة وغير مكلفة، باعتبارها وسيلة رمزية في مختلف المناطق.

ويتابع: “أحد العوامل التي دفعت نحو خطوة الإضراب هي الحالة الفلسطينية المشحونة بداية بأحداث الداخل المحتل، مرورًا بما يجري في حي الشيخ جراح حتى اللحظة وأحداث المسجد الأقصى، وانتهاءً بالعدوان الإسرائيلي ودخول المقاومة على خط المواجهة مع الاحتلال”.

ويستبعد عرابي أن تستطيع القوى السياسية الفلسطينية المختلفة استثمار الواقع الفلسطيني المختلف وحالة الترابط في الحراك ما بين فلسطين المحتلة عام 1948 والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، نظرًا إلى وجود ما أسماه المتنفذين بالقيادة الفلسطينية.

 

 

ظرف لا يسمح

من جانبه، يقول أحمد خليفة، عضو المكتب السياسي لحركة أبناء البلد في الداخل المحتل، إن المؤسف في الحالة الفلسطينية في أراضي 1948 أن الواقع لا يسمح بتنفيذ إضراب مفتوح أو إضراب يستمر لعدة أيام، واقتصاره على يوم واحد فقط.

ويضيف خليفة لـ”نون بوست” أن الإضراب مرتبط في الحالة الفلسطينية بالعصيان المدني وما يتبعه من فعاليات شعبية وجماهيرية ووسائل نضالية ومواجهة مع الاحتلال، لكن الأهم أن يكون في سياق خطوة استراتيجية وتصعيدية مع سلطات الاحتلال.

ويرى القيادي في حركة أبناء البلد، أن الأمر النوعي والمختلف في هذا الإضراب هو تبنيه من الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر،وامتداده على طول فلسطين، بعكس الإضرابات التي كانت تقتصر على بعض المناطق الفلسطينية سواء داخل الأراضي المحتلة عام 1948 أو خارجها.

ولا يستبعد خليفة أن تستمر الإضرابات بشكل أكبر ومتصاعد خلال الفترة المقبلة مع استمرار حالة الغضب الجماهيري على سلوك الاحتلال، سواء في مدن الداخل المحتل أو المسجد الأقصى والقدس المحتلة، وحتى ما يجري في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر.

وأدى التفاعل الجماهيري المتزامن ما بين الفلسطينيين إلى خروج أصوات تنادي لتأسيس مرحلة جديدة من النضال الفلسطيني، يتجاوز اتفاق أوسلو ويطالب بكامل الحق الفلسطيني، سواء داخل الأراضي المحتلة عام 1948 أو في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر.