ترجمة: حفصة جودة
دعا الفلسطينيون إلى إضراب عام يوم الثلاثاء في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة والمدن ذات الأغلبية الفلسطينية في “إسرائيل” للاحتجاج على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة.
يهدف إضراب “الكرامة” المخطط له إلى غلق كل الأنشطة التجارية للتنديد بالهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على غزة، الذي قتل على الأقل 212 شخصًا منذ 10 من مايو/أيار، وللتنديد أيضًا بمصادرة منازل العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، في انتهاك للقانون الدولي.
انضمت اتحادات الطلاب الفلسطينية أيضًا لدعوات الإضراب العام وتعهدت بعدم حضور الفصول الدراسية تضامنًا معهم، أدى هذا الإعلان عن الإضراب الواسع إلى تشبيه البعض له بإلإضراب العام عام 1936 في فلسطين بينما كانت تحت الانتداب البريطاني.
هنا نلقي نظرة على تلك اللحظة الحاسمة في التاريخ الفلسطيني قبل قيام دولة “إسرائيل” والنكبة التي ستتسبب في تشريد 750 ألف فلسطيني على الأقل من منازلهم.
فلسطين تحت الانتداب البريطاني
بحلول عام 1936 كانت فلسطين التاريخية تحت الانتداب الاستعماري البريطاني لمدة 20 عامًا، ووفقًا لاتفافية سايكس بيكو عام 1916، فقد قسمت فرنسا والمملكة المتحدة مساحات واسعة من سوريا الكبرى والعراق فيما بينهما التي كانت سابقًا جزءًا من الإمبراطورية العثمانية.
ومع ذلك، لم يكن الانتداب على فلسطين المحاولة الاستعمارية البريطانية الوحيدة في المنطقة، فمن دون علم القادة العرب الإقليميين والسكان الفلسطينيين في ذلك الوقت، وعدت المملكة المتحدة في وعد بلفور 1917 بأنها ستدعم تأسيس دولة وطنية للشعب اليهودي في فلسطين الانتدابية.
وبينما صعد أدولف هتلر للسلطة في ألمانيا عام 1933 وبدأ سياساته العنصرية والعنيفة ضد اليهود التي ستتوج لاحقًا بالهولوكوست، بدأ العديد من اليهود بمغادرة أوروبا وتوجه آلاف منهم لفلسطين.
بين عامي 1922 و1940 ازداد عدد السكان اليهود 5 أضعاف من 38790 إلى أكثر من 467000 ليمثلوا نحو ثلث السكان الفلسطينيين في ذلك الوقت الذين كان عددهم مليون ونصف، وفي الوقت نفسه تضاعفت ملكيات الأراضي اليهودية من 148500 فدان إلى 383500 فدان في نفس الإطار الزمني.
كانت الهجرات اليهودية مصدرًا للتوتر بين السلطات البريطانية والفلسطينيين، وبشكل جزئي نتيجة نقل الأراضي للمجتمع اليهودي سواء من خلال التسليم أحادي الجانب من البريطانيين أم بخلق ظروف تسهل الاستيلاء على الأراضي أو شرائها من الملاك الإقطاعيين غير الفلسطينيين.
سنّت السلطات البريطانية تشريعًا يسمح بمصادرة الأراضي الفلسطينية لأغراض عسكرية، ليتم بعد ذلك تسليم تلك الأراضي للسكان اليهود.
قمعت القوات البريطانية الإضراب بوحشية، وبدأت السلطات البريطانية في اعتقال أي شخص يشتبه في مسؤوليته عن الحركة بينما واصلت هدم المنازل كعقاب لهم
أدى التأثير الاجتماعي الاقتصادي لتلك السياسيات البريطانية تجاه الفلسطينيين – حيث وجد العديد منهم أنفسهم مهجرين من قراهم بواسطة ملاك الأرض، كما أصبحت منتجاتهم الزراعية مثقلة بالضرائب، بينما وجد الذين انتقلوا إلى المراكز الحضرية أنفسهم يعيشون في فقر في مدن من الصفيح – إلى تنامي الغضب بين الفلسطينيين، ما مهد الطريق لإضراب 1936.
الإضراب
يمثل أبريل/نيسان 1936 نقطة تحول فاصلة في الرفض الفلسطيني للانتداب البريطاني، ففي 19 من أبريل/نيسان من ذلك العام دعت اللجنة الوطنية العربية المشكلة حديثًا آنذاك في نابلس، الفلسطينيين إلى إضراب عام والامتناع عن دفع الضرائب بالإضافة إلى مقاطعة المنتجات اليهودية من أجل الاحتجاج ضد الاستعمار البريطاني والهجرة اليهودية المتزايدة.
قبل أيام قليلة فقط من ذلك وقعت حادثة قتل فيها فلسطينيان اثنين من اليهود قرب طولكرم، ما أدى إلى اشتعال المواجهات بين اليهود والفلسطينيين، وبحلول 25 من أبريل/نيسان اتحدت اللجان الوطنية المحلية لتشكيل لجنة عربية عليا يقودها مفتي القدس أمين الحسيني، التي ستصبح كيانًا سياسيًا للدفاع عن الفلسطينيين تحت الانتداب البريطاني.
كانت الحركة ملحوظة لضمها الكثيرين من المجتمع الفلسطيني في ذلك الوقت من ريفيين وحضر ورجال ونساء والكثير من القصص التي تشهد على طبيعتها الواسعة، انبثقت حملات التضامن كذلك عبر الشرق الأوسط في مدن مثل القاهرة وبيروت ودمشق.
وكانت حقيقة أن غالبية السكان الفلسطينيين في ذلك الوقت يعملون في الزراعة قد ساعدت في استمرار الإضراب، فقد منحهم ذلك بعض درجات من الاكتفاء الذاتي من الغذاء والاحتياجات الأساسية وأصبح الفلاحون الفلسطينيون محور النضال.
قمعت القوات البريطانية الإضراب بوحشية، وبدأت السلطات البريطانية في اعتقال أي شخص يشتبه في مسؤوليته عن الحركة، بينما واصلت هدم المنازل كعقاب لهم، وهي ممارسة ما زال الاحتلال الإسرائيلي يستخدمها حتى اليوم ضد الفلسطينيين.
في الوقت نفسه عمل البريطانيون مع العصابات الصهيونية ودربوها مثل عصابة الهاجانة الشهيرة لقمع الإضراب الفلسطيني، ألغت اللجنة العليا الإضراب في نوفمبر/تشرين الأول 1936 حين دعا القادة العرب الإقليميين من الأردن والعراق والسعودية، الفلسطينيين إلى الثقة بأن المملكة المتحدة ستنفذ مطالبهم، التي لم يتم الوفاء بها إطلاقًا.
الثورة العربية الكبرى
بينما استمر الإضراب العام 6 أشهر، فقد دفع نحو ما أصبح يُعرف بالثورة العربية من 1936 وحتى 1939، مثلت تلك السنوات الثلاثة أكبر مقاومة مسلحة ضد الانتداب البريطاني وقد تعرضت لقمع عنيف من القوات البريطانية، التي شحنت أكثر من 20 ألف جندي إلى فلسطين الانتدابية لقمع الثورة، بالتوازي مع ذلك تنامت القوات شبه العسكرية الصهيونية في أعدادها وقوتها.
في أواخر 1937 أعلنت سلطات الانتداب الأحكام العرفية في فلسطين وحظرت اللجنة العربية العليا، دعت لجنة بيل (وتعرف رسميًا باسم اللجنة الملكية لفلسطين) – وهي لجنة تحقيق بريطاني بدأت في أعقاب اندلاع الإضراب الفلسطيني – لأول مرة عام 1937 إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين.
بينما فشلت الثورة في تحقيق معظم أهدافها، إلا أنها وضعت الأساس للمقاومة الفلسطينية القادمة
رفض الفلسطينيون الخطة بشكل واسع، إذ ستسبب في نقل المزيد من الأراضي والتهجير القسري لنحو 225 ألف فلسطيني مقابل 1250 يهوديًا، في الوقت نفسه انقسمت القيادة الصهيونية، فقال البعض إن فلسطين التاريخية كلها يجب أن تصبح دولة “إسرائيل”.
في عام 1939 فقط عندما واجهت المملكة المتحدة اندلاع الحرب العالمية الثانية، انتهت الثورة حين أصدرت لندن وثيقة “الكتاب الأبيض” تعد فيها بتقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين ووعدت كذلك بتأسيس دولة فلسطينية مستقلة خلال عقد من الزمان.
تشير الأرقام التقديرية إلى مقتل 5 آلاف فلسطيني وجرح ما بين 15 ألف إلى 20 ألف وسجن 5600 شخص بين عامي 1936 و1939، ونظرًا لحجم السكان في ذلك الوقت، فإن نحو 10% من رجال فلسطين تعرضوا للقتل أو الإصابة أو السجن خلال سنوات الثورة الثلاثة.
لكن بحلول مهلة الـ10 سنوات التي حددها الكتاب الأبيض، كانت دولة “إسرائيل” قد تأسست وتعرض مئات آلاف الفلسطينيين للنزوح في النكبة، وبينما فشلت الثورة في تحقيق معظم أهدافها، إلا أنها وضعت الأساس للمقاومة الفلسطينية القادمة.
على مر العقود حدثت إضرابات مختلفة في درجة تعبئتها، بما في ذلك إضرابات يوم الأرض عام 1976 التي قام بها المواطنون الفلسطينيون الذين يعيشون في “إسرائيل”، في الوقت نفسه سلطت حركة المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات “BDS” الضوء على التاريخ الفلسطيني الطويل لحركات المقاطعة التي تعود إلى عهد الانتداب البريطاني.
المصدر: ميدل إيست آي