تحركات سياسية غريبة، ومواجهات طائفية مريبة، اضطرابات داخلية معقدة، حالة حادة من الفراغ الأمني وغياب تام للسلطة، ومؤشرات لانفصال الجنوب عن الشمال .. كل هذا في اليمن السعيد، الذي بات غير سعيد.
اقتتال وسيطرة في الشمال، ومواجهات عنيفة تشهدها بعض المناطق الشمالية بين جماعة الحوثي والقبائل تارة والحوثي والقاعدة تارة أخرى، واحتجاجات وتصعيدات بلغت ذروتها في الجنوب؛ للمطالبة بفك الارتباط والانفصال عن الشمال.
ولا منطق للقول بأن امتداد الحوثي في الشمال – كما يقول – بسبب محاربته القاعدة، كما لا منطق للتعليل ذاته لتنظيم القاعدة في تنفيذه عمليات انتحارية في العاصمة ومواجهات ضد الحوثي في مناطق أخرى، وهنا البعض ربما ينظر إلى هذه الأحداث كصراعات طائفية فحسب ويكتفي، دون النظر إلى الأهداف المرجوة للقوى الفاعلة على أرض الواقع.
إن الأحداث الآنية في اليمن تسير وفق معادلة السياسة القائمة على شمال وجنوب، فتمدد الحوثي في الشمال جاء تمهيدًا لانفصال الجنوب وفق معطيات الواقع بفرض سيطرته الكاملة على معظم المناطق الشمالية، في حين أن فصائل الحراك الجنوبي رأت في ذلك فرصة سانحة لترفع شعار فك الارتباط والاعتصام بالميادين والساحات، فاحتجاجات الحراك اليوم في الجنوب بدأت تشكل خطرًا على مصير الوحدة، خاصة بعد إعلانهم يوم 30 من نوفمبر القادم – عيد الجلاء – هو يوم لفك الارتباط وآخر يوم للوحدة، كما سيفرز الانفصال في حال تم، تخوف آخر يتمثل بتشظي الجنوب ذاته؛ لوجود خلافات حادة بين فصائل الحراك الجنوبي التي تتوزع حسب هويات الجغرافيا الجزئية وهويات الزعماء.
في سياق التقلبات المتسارعة في اليمن، والتي بدأت كصورة قاتمة، إلا أن صورة أخرى بدت جلية وواضحة للعيان، بينت بأن مواجهات محافظة إب، أفشلت خطة استحواذ الحوثي على الشمال، بعدم استكمال السيطرة على محافظة تعز المحادة لعدن، والتي كانت تقضي بانفصال الجنوب بعدها بكل سهولة، كما أظهرت الصورة في تحركات الواقع اليوم عدم تقبل أبناء المناطق الشمالية وخاصة الوسطى للفكر الحوثي، وهذا ما سيضع اليمن أمام سيناريوهات جديدة ومحتملة تفرضها الأحداث أو قد تُرسم ملامحها في دهاليز الساسة، قد تكون في مضامينها تشظي الشمال، فالمواجهات في محافظتي إب والبيضاء تشتد من يوم لآخر، وتدشين مواجهات جديدة يوم أمس في محافظة الحديدة – غرب صنعاء – بين الحوثيين وقبائل المحافظة والتي سقط على إثرها قتلى وجرحى.
إن الأحداث الجارية شماليًا لها ارتباط كبير في تحديد مسار الوحدة، بل ولها أثرًا أكبر في إحداث تشظي في المناطق الشمالية واللجوء إلى مبدأ التقسيم.
لا يمكن أن تكون أحداث اللحظة في اليمن – شمالاً وجنوبًا – بمعزل عن الأعداد والتخطيط لها سلفًا، فتمدد الحوثي وتصعيد الحراك الجنوبي، جاء بالتزامن ووفق أهداف التفرد والسيطرة، فطرف يمثل سببًا، ليكون للطرف الآخر نتيجة، وهنا لا يمكن إغفال خطابات زعيم جماعة الحوثي الأخيرة وهو يتحدث في أكثر من خطاب عن مظلومية أبناء الجنوب وعدالة قضيتهم، فالأحداث جاءت متسلسلة ومترابط ، توحي بأن وراء الأكمة ما وراءها ..!!