ترجمة وتحرير: نون بوست
على مدى أكثر من أسبوع، قصفت “إسرائيل” قطاع غزة بالقنابل، مدعية أنها تستهدف “إرهابيّي” حماس. في الوقت نفسه، دمّرت “إسرائيل” كل المباني السكنية ومحلات الكتب والمستشفيات ومختبرات كوفيد-19 الرئيسية في المنطقة. ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، من المرجح أن القصف الإسرائيلي المستمر للمنطقة المحاصرة الذي أودى بحياة 213 شخصًا على الأقل، من بينهم 61 طفلاً، يشكل جريمة حرب. وبحسب المنظمة الحقوقية، من المحتمل أن يُعتبر إطلاق حماس آلاف الصواريخ العشوائية من شماليّ غزة، التي أودت بحياة 12 شخصًا، جريمة حرب كذلك.
بينما تمتلك حماس قنابل يقع تجميعها في الغالب من مواد محلية الصنع ومهربة، وهو أمر خطير نشرا لأنها غير موجّهة، لدى “إسرائيل” أحدث الأسلحة والأسلحة الدقيقة وصناعة الأسلحة المزدهرة الخاصة بها، حيث تعدّ ثامن أكبر مصدر للأسلحة على هذا الكوكب. بالإضافة إلى ذلك، تحظى ترسانة “إسرائيل” العسكرية بأسلحة موردة بمليارات الدولارات من الخارج. لذلك، تعدّ هذه الدول والشركات التي تزود “إسرائيل” بالأسلحة، على الرغم من سجلّها الحافل بالاتهامات بارتكاب جرائم حرب.
الولايات المتحدة الأمريكية
وفقًا لقاعدة بيانات نقل الأسلحة التابعة لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، التي تشمل الأسلحة التقليدية الرئيسية فقط، تعتبر الولايات المتحدة إلى حد بعيد أكبر مصدر للأسلحة لـ “إسرائيل”. وبين سنتي 2009 و2020، كان أكثر من 70 بالمئة من الأسلحة التي اشترتها “إسرائيل” قادمة من الولايات المتحدة. وبحسب قاعدة البيانات ذاتها، كانت الولايات المتحدة تُصدّر بشكل سنوي الأسلحة إلى “إسرائيل” منذ سنة 1961.
على الرغم من أنه يُعتبر من الصعب تعقّب الأسلحة التي وقع تسليمها بالفعل، إلا أنه خلال الفترة الممتدة بين سنة 2013 و2017، سلّمت الولايات المتحدة 4.9 مليار دولار (3.3 مليار جنيه إسترليني) من الأسلحة إلى “إسرائيل”، وذلك وفقًا للحملة ضد تجارة الأسلحة التي تتّخذ من المملكة المتحدة مقرا لها. وخلال الأيام الأخيرة، شوهدت قنابل أمريكية الصنع في غزة. وقد تنامى معدل الصادرات على الرغم من المناسبات الكثيرة التي وقع فيها اتهام القوات الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين.
على سبيل المثال، واصلت الولايات المتحدة تصدير الأسلحة إلى “إسرائيل” عندما اكتُشف في سنة 2009، أن القوات الإسرائيلية استخدمت بشكل عشوائي قذائف الفوسفور الأبيض ضد الفلسطينيين، التي يُصنّف استخدامها من جرائم الحرب بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش.
في سنة 2014، وجّهت منظمة العفو الدولية لـ “إسرائيل” الاتهامات ذاتها التي تتعلق بشنّ هجمات غير متناسبة أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين في رفح، التي تقع جنوبيّ غزة. خلال السنة التالية، تضاعفت قيمة صادرات الأسلحة الأمريكية إلى “إسرائيل” تقريبًا، وذلك وفقًا لأرقام قاعدة بيانات نقل الأسلحة التابعة لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
في هذا السياق، أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن “دعمه لوقف إطلاق النار” يوم الاثنين تحت ضغط من معسكر الديمقراطيين في مجلس الشيوخ. ووفقا لصحيفة واشنطن بوست، وافقت إدارته في وقت سابق من اليوم على مبيعات أسلحة بقيمة 735 مليون دولار لـ “إسرائيل”. في الواقع، من المتوقع أن يطلب الديمقراطيون في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب من الإدارة تأجيل الصفقة لحين إجراء مراجعة لها.
تمتلك إسرائيل صناعة أسلحة متطورة للغاية يمكن أن تستمر على الأرجح في القصف لفترة قصيرة نسبيا
بموجب اتفاقية المساعدة الأمنية بين سنتي 2019 و2028، التي حظيت بموافقة الكونجرس، وافقت الولايات المتحدة على منح “إسرائيل” 3.8 مليار دولار سنويًا في شكل تمويل عسكري أجنبي، الذي يقع إنفاق معظمه على شراء أسلحة أمريكية الصنع.
وفقا لشبكة أن بي سي، يمثل هذا الأمر حوالي 20 بالمئة من ميزانية الدفاع الإسرائيلية وحوالي ثلاثة أخماس التمويل العسكري الأجنبي الأمريكي في جميع أنحاء العالم. في المقابل، تقدّم الولايات المتحدة أحيانًا أموالًا إضافية، بالإضافة إلى مساهمتها السنوية. ومنذ سنة 2011، قدمت واشنطن 1.6 مليار دولار إضافية لدعم نظام القبة الحديدية الإسرائيلي المضاد للصواريخ، الذي صُنعت أجزاء منه في الولايات المتحدة.
في هذا الإطار، صرّح مدير حملة ضد تجارة الأسلحة، أندرو سميث، في حوار لموقع ميدل إيست آي “تمتلك إسرائيل صناعة أسلحة متطورة للغاية يمكن أن تستمر على الأرجح في القصف لفترة قصيرة نسبيا”. وأضاف المصدر ذاته قائلا: “لكن طائراتها المقاتلة الرئيسية تأتي من الولايات المتحدة” في إشارة إلى الطائرات المقاتلة الأمريكية “إف- 16″ التي تواصل قصف القطاع. وأردف سميث قائلا:”حتى وإن كان يمكن تصنيع هذه الطائرات في إسرائيل، فمن الواضح أن تستغرق عملية تجميعها وقتًا طويلاً”.
في الشأن ذاته، أفاد سميث قائلا: “يقع استيراد الكثير من الذخائر. في المقابل، أتوقع أنه من الممكن إنتاجها في إسرائيل. ومن الواضح أن الانتقال إلى إنتاج الأسلحة محليًا سيستغرق وقتًا، ولن يكون ثمنه رخيصًا”. وأضاف سميث قائلا: “لا ينبغي النظر إلى مبيعات الأسلحة بمعزل عن غيرها، حيث تحظى بدعم سياسي عميق. وعلى وجه الخصوص، يُعتبر دعم الولايات المتحدة بالغ القيمة ذلك أنه يعزز قوى الاحتلال ويضفي الشرعية على حملات القصف كما لاحظنا خلال الأيام الأخيرة”. بحسب الحملة ضد تجارة الأسلحة، تشمل القائمة الطويلة للشركات الأمريكية الخاصة المتورطة في إمداد إسرائيل بالأسلحة شركة لوكهيد مارتن وبوينغ ونورثروب جرومان وجنرال ديناميكس أمتيك ويو تي سي آيروسبيس ورايثيون.
ألمانيا
تُعتبر ألمانيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة لـ “إسرائيل”، التي شكلت 24 بالمئة من واردات إسرائيل” من الأسلحة بين سنتي 2009 و2020. وعلى الرغم من أن ألمانيا لا تقدّم بيانات عن الأسلحة التي تسلمها، إلا أنها أصدرت تراخيص لمبيعات أسلحة لـ “إسرائيل” بقيمة 1.6 مليار يورو (1.93 مليار دولار) من سنة 2013 و2017 ، وذلك وفقًا للحملة المناهضة لتجارة الأسلحة.
تُظهر قاعدة بيانات نقل الأسلحة التابعة لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن ألمانيا باعت أسلحة لـ “إسرائيل” خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وتواصلت مبيعاتها بشكل سنوي منذ سنة 1994. وبحسب صحيفة هاآرتس، تعود المحادثات الدفاعية الأولى بين البلدين إلى سنة 1957، التي أشارت إلى أنه خلال سنة 1960، التقى رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون في نيويورك بالمستشار الألماني كونراد أديناور وأكد على “حاجة إسرائيل لغواصات صغيرة وصواريخ مضادة للطائرات”. وبينما ساهمت الولايات المتحدة في تلبية احتياجات الدفاع الجوي لـ “إسرائيل”، لا تزال ألمانيا تمدّها بالغواصات.
أكّدت قاعدة بيانات نقل الأسلحة التابعة لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن شركة بناء السفن الألمانية “تي كيه أم أس” صنعت ست غواصات من طراز دولفين لـ “إسرائيل”، في حين ساعدت شركة الرنك الألمانية على تزويد دبابات ميركافا الإسرائيلية. بحسب المتحدث باسمها، أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن “تضامنها” مع “إسرائيل” خلال اتصال هاتفي مع نتنياهو يوم الاثنين مؤكدة من جديد “حق البلاد في الدفاع عن نفسها” ضد الهجمات الصاروخية من حماس.
إيطاليا
بحسب قاعدة بيانات نقل الأسلحة التابعة لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تأتي إيطاليا في المرتبة الثانية بعد أن وفرت 5.6 بالمئة من واردات “إسرائيل” من الأسلحة التقليدية الرئيسية بين سنتي 2009 و2020. وبين سنتي 2013 و2017، سلمت إيطاليا أسلحة بقيمة 476 مليون يورو (581 مليون دولار) إلى “إسرائيل”، وذلك وفقًا للحملة المناهضة لتجارة الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، أبرم البلدان صفقات خلال السنوات الأخيرة حصلت بموجبها “إسرائيل” على طائرات تدريب مقابل صواريخ وأسلحة أخرى، بحسب ما أفاد به موقع ديفينس نيوز.
تصنع شركة أغستاوستلاند التابعة لشركة ليوناردو الإيطالية أجزاء مستخدمة في بناء طائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز أباتشي التي تستخدمها “إسرائيل”
في المقابل، انضمت إيطاليا إلى الدول الأوروبية الأخرى في انتقاد المستوطنات الإسرائيلية في الشيخ جراح وأماكن أخرى التي جدّت في وقت سابق من شهر أيار/مايو، لكنها واصلت في الوقت ذاته تصدير الأسلحة لها. مع ذلك، رفض عمال مرفأ مدينة ليفورنو تحميل سفينة تنقل أسلحة إلى ميناء أشدود الإسرائيلي يوم الجمعة، بعد أن أبلغتهم المنظمة غير الحكومية الإيطالية “ذا ويبون ووتش” بمحتويات شحنتها.
في بيان لها، قالت نقابة العمال “يونيون سينديكالي دي بيس” إن “ميناء ليفورنو لن يكون متواطئا في مذبحة الشعب الفلسطيني”. من جهتها، حثّت منظمة “ويبون ووتش” السلطات الإيطالية على تعليق “بعض أو جميع الصادرات العسكرية الإيطالية إلى مناطق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”. ووفقا للحملة ضد تجارة الأسلحة، تصنع شركة “أغستاوستلاند” التابعة لشركة ليوناردو الإيطالية أجزاء مستخدمة في بناء طائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز أباتشي التي تستخدمها “إسرائيل”.
المملكة المتحدة
تبيع المملكة المتحدة الأسلحة لـ “إسرائيل”، حتى وإن لم تكن مدرجة في قاعدة بيانات معهد سيبري في السنوات الأخيرة، كما رخصت أسلحة بقيمة 400 مليون جنيه إسترليني منذ سنة 2015، حسبما وجدته الحملة ضد تجارة الأسلحة. علاوة على ذلك، تدعو المنظمة غير الحكومية المملكة المتحدة إلى إنهاء مبيعات الأسلحة والدعم العسكري للقوات الإسرائيلية والتحقيق فيما إذا كانت الأسلحة البريطانية قد استُخدمت في قصف غزة.
تجدر الإشارة إلى أن الكمية الفعلية للأسلحة التي تصدرها المملكة المتحدة إلى “إسرائيل” أعلى بكثير من الأرقام المتاحة للجمهور، بسبب عدم شفافية نظام مبيعات الأسلحة القائم على “التراخيص المفتوحة”، التي تمثل أذونات تصدير تحافظ على سرية قيمة الأسلحة وكمياتها. في حديثه مع موقع “ميدل إيست آي”، أشار سميث من منظمة “الحملة ضد تجارة الأسلحة” إلى أن ما يتراوح بين 30 إلى 40 بالمئة من مبيعات الأسلحة البريطانية إلى “إسرائيل”، غالبا ما تتم بموجب ترخيص مفتوح. في المقابل، “لا ندرك ببساطة” ما هي الأسلحة المباعة أو كيفية استخدامها.
تابع سميث حديثه قائلا: “ما لم تُطلق حكومة المملكة المتحدة تحقيقها الخاص، فليست هناك أيّة طريقة أخرى لتحديد الأسلحة التي وقع استخدامها، سوى بالاعتماد على الصور التي وقع التقاطها من إحدى أسوأ مناطق الصراع في العالم، وهو ما لا يعدّ طريقة مناسبة لمحاسبة قطاع الأسلحة”. وأضاف سميث أن “طريقة الكشف عن هذه الفظائع تعتمد إما على المدنيين المتواجدين في مناطق الحرب والتقاطهم لصور للأسلحة، وهي تتساقط من حولهم، أو على الصحفيين الذين يتواجدون على عين المكان، مما يعني أنه بإمكاننا دائمًا أن نفترض استخدام كميات هائلة من الأسلحة التي لن نعرف عنها أبدًا”.
أفادت الحملة ضد تجارة الأسلحة أن الشركات البريطانية الخاصة التي تساعد على إمداد “إسرائيل” بالأسلحة أو المعدات العسكرية تشمل شركات “بي أيه إي سيستمز” و”أطلس إليكترونيك يو كاي” و”إم بي إي” و”ميغيت” و”بيني وغايلز كونترولز” و”ريدماين إنجينيرينغ” و”سينيور بي إل سي” و”لاند روفر” و”جي فور إس”.
على مدى عقود، تحدثت الحكومات المتعاقبة عن التزامها ببناء السلام، مع الاستمرار في تسليح ودعم القوات الإسرائيلية
علاوة على ذلك، تُنفق المملكة المتحدة ملايين الجنيهات الاسترلينية سنويًا على أنظمة الأسلحة الإسرائيلية، حيث تدير شركة “إلبيت سيستمز”، وهي أكبر منتج للأسلحة في “إسرائيل”، العديد من الشركات التابعة لها في المملكة المتحدة، فضلا عن العديد من مصنعي الأسلحة الأمريكيين. وكان أحد مصانع الشركة في مدينة أولدام هدفا للمتظاهرين المؤيدين لفلسطين خلال الأشهر الأخيرة.
بحسب بيان صادر عن الحملة ضد تجارة الأسلحة، تُعتبر العديد من الأسلحة التي تصدرها المملكة المتحدة إلى “إسرائيل”، بما في ذلك الطائرات وطائرات الدرون والقنابل اليدوية والمتفجرات والصواريخ والذخيرة، من بين الأسلحة التي يُرجح استخدامها في هذا النوع من حملات القصف، في إشارة إلى عمليات القصف القائمة حاليا حيث “لن تكون المرة الأولى”.
في سنة 2014، وجدت مراجعة حكومية أنه قد تم استخدام 12 ترخيصًا للأسلحة في قصف غزة في تلك السنة. أما في سنة 2010، قال وزير الخارجية آنذاك، ديفيد ميلباند، إن الأسلحة المصنّعة في المملكة المتحدة استُخدمت “بشكل شبه مؤكد” في حملة القصف الإسرائيلية لسنة 2009 على القطاع. وفي هذا الصدد، قال سميث: “نعلم أن أسلحة بريطانية الصنع استُخدمت ضد الفلسطينيين من قبل. في المقابل، لم يفعل شيئًا يُذكر لوقف تدفق الأسلحة.
فضلا عن ذلك، يجب تعليق مبيعات الأسلحة وإجراء مراجعة كاملة للبحث فيما إذا كانت أسلحة المملكة المتحدة قد استُخدمت وما إذا كانت متورطة في جرائم حرب محتملة”. وأضاف سميث أنه “على مدى عقود، تحدثت الحكومات المتعاقبة عن التزامها ببناء السلام، مع الاستمرار في تسليح ودعم القوات الإسرائيلية. في الحقيقة، لا تقدم مبيعات الأسلحة هذه دعما عسكريا فحسب، وإنما تُرسل إشارة واضحة على الدعم السياسي للاحتلال والحصار والعنف الممارس هناك”.
كندا
شكلت كندا حوالي 0.3 بالمئة من واردات “إسرائيل” من الأسلحة التقليدية الرئيسية في الفترة بين سنتي 2009 وحتى سنة 2021، وذلك بحسب الإحصاءات الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. خلال الأسبوع الماضي، طالب جاجميت سينغ من الحزب الديمقراطي الجديد الكندي بوقف البلاد لمبيعات الأسلحة مع “إسرائيل” في ضوء الأحداث الأخيرة. ووفقا لصحيفة “غلوب آند ميل“، أرسلت كندا ما يعادل 13.7 مليون دولار من المعدات والتكنولوجيا العسكرية إلى “إسرائيل” في سنة 2019، بما نسبته 0.4 بالمئة من إجمالي صادرات الأسلحة.
المصدر: ميدل إيست آي