ترجمة: حفصة جودة
يقول توني موريسون في روايته “Beloved“: “التعريفات تنتمي لمحدديها وليس للأشياء التي تحددها”، لقد تعلم الفلسطينيون بالطريقة الصعبة أنه إذا لم نحدد أنفسنا وتطلعاتنا بوضوح وتعرضنا للظلم، فإن المحتل الغاشم سيفعل، وسيمحو تاريخنا ويقهر مستقبلنا.
في بعض الأحيان تنبثق تعريفاتنا بشكل غير متوقع، فقبل 3 أيام في أعقاب استهداف القصف الإسرائيلي لحي سكني في مدينة غزة الذي هز المباني، جرت ابنة صديقي وهي ترتعش رعبًا إلى ذراعي والدتها، وسألتها “أريد أن أصبح شجاعة يا أمي لكنني لا أعرف كيف والموت قريب هكذا؟ إن سؤالها نفسه خلال مذبحة متلفزة، يُعرّف الشجاعة.
يحطم الفلسطينيون خوفنا كل يوم ويأملون ويعملون على ضمان أن تلهم هذه الشجاعة الملايين للحديث والعمل بطريقة فعالة لإنهاء هذا التواطؤ على القمع الإسرائيلي.
إن الحرب الإسرائيلية الحاليّة ضد الفلسطينيين في غزة والقدس واللد وعكا وحيفا وكل مكان ومقاومة الفلسطينيين تثير تعريفات متعددة، فقد أصبح الصراع والفصل العنصري والمقاومة والانتقام والدفاع عن النفس والصحافة الأخلاقية والتعايش والعدالة من بين التعريفات المتنازع عليها بشدة، في بعض الأحيان يُستخدم النقاش نفسه لتبرير عمل لا أخلاقي من كلا الجانبين، ما يعيق الغضب وواجب التصرف.
عندما توفر دول ديمقراطية مثل أمريكا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا تمويلًا وتسليحًا عسكريًا غير مشروط لـ”إسرائيل” وتحميها من العقوبات والمساءلة وفقًا للقانون الدولي، فإنهم مشاركون في الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين
لتذكير العالم بهذا الواجب وللاحتجاج ضد الهجمات الإسرائيلية المروعة – جزء مما يعرّفه العديد من الفلسطينيين بأنه نكبة مستمرة – نفذ الفلسطينيون في كل مكان إضرابًا عامًا يوم الثلاثاء، ومن خلاله أكدنا وحدتنا كسكان أصليين مع سعي شامل نحو التحرر وكررنا مناشدتنا للتضامن الدولي الهادف خاصة في شكل المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات “BDS“.
انطلقت حركة “BDS” غير العنيفة والمناهضة للعنصرية عام 2005 من خلال أوسع تحالف للمجتمع الفلسطيني التي استُلهمت من النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ومن حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية.
تدعو الحركة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لعام 1967 ودعم حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وإنهاء النظام الإسرائيلي المؤسسي المقنن للهيمنة العرقية، الذي يتفق مع تعريف الأمم المتحدة للفصل العنصري وأقرّت به مؤخرًا هيومن رايتس ووتش.
تشن “إسرائيل” حربًا شاملة من القمع ضد حركة “BDS” منذ سنوات، جزئيًا بسبب دورها البارز في نشر تحليل الفصل العنصري لـ”إسرائيل” بين الطلاب والأكاديميين والفنانين والنقابات المهنية وكذلك حركات العدالة الاجتماعية والعرقية والمناخية، كذلك فإن اعتراف “إسرائيل” بالتأثير الإستراتيجي للحركة في حشد تضامن دولي فعال مع نضال التحرر الفلسطيني عامل رئيسي آخر.
لكن ربما العامل الأكثر أهمية وراء الحرب الإسرائيلية على الحركة هو حقيقة أن الحركة كسرت حالة اللامبالاة لهؤلاء الذين لا يهتمون بالأمر وتراخي المهتمين نوعًا ما، لقد أعادت الحركة تعريف التضامن مع النضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدل والمساواة كواجب أخلاقي لإنهاء التواطؤ فوق كل شيء آخر.
إن هذه الثورة الملهمة وغير المسبوقة من التضامن مع الفلسطينيين في الأيام الأخيرة تشير إلى أن الملايين حول العالم يدركون الآن واجبهم الأخلاقي ويتصرف الكثير منهم لإحداث تغيير حتى على مستوى السياسات
في مواجهة العدوان الغاشم في أي مكان، يعد التراخي واللامبالاة أمرًا غير أخلاقي عندما يملك المرء القدرة على العمل دون معاناة كبيرة، هنا بُعد غير أخلاقي آخر كذلك عندما لا يملك المرء القدرة فقط بل يتحتم عليه ذلك بسبب تواطؤ دولته ومؤسساته مع النظام القمعي.
عندما توفر دول ديمقراطية مثل أمريكا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا تمويلًا وتسليحًا عسكريًا غير مشروط لـ”إسرائيل” وتحميها من العقوبات والمساءلة وفقًا للقانون الدولي، فإنهم مشاركون في الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
عندما تستفيد الشركات من توفير البضائع والخدمات التي تسمح للاحتلال الإسرائيلي بالحفاظ على نظامه العنصري واحتلاله فإنهم بذلك متواطئون في الجريمة، وعندما تشارك الصناديق السيادية أو صناديق الاستثمار التابعة لكنيسة أو جامعة في تلك الشركات فإنهم متواطئون.
عندما يتجاوز الفنانون والرياضيون والأكاديميون خط المقاطعة الفلسطيني ويشاركون في أحداث داخل “إسرائيل” أو برعايتها فهم أيضًا مشاركون في الجريمة.
كل هذا التواطؤ يولد مسؤولية أخلاقية تدفع المواطنين للعمل، لمنع أموال ضرائبهم وهؤلاء الذين يتحدثون باسمهم من المشاركة في المحاولات الإسرائيلية القاسية لتحويل غزة والمناطق الفلسطينية المحتلة إلى “مناطق لا وجود لها” مثلما يسميها فرانتز فانون.
إن هذه الثورة الملهمة وغير المسبوقة من التضامن مع الفلسطينيين في الأيام الأخيرة تشير إلى أن الملايين حول العالم يدركون الآن واجبهم الأخلاقي ويتصرف الكثير منهم لإحداث تغيير حتى على مستوى السياسات.
مثال مشرق على ذلك بيان حركة “Black Lives” الذي طالب بقطع التمويل العسكري السنوي لـ”إسرائيل” والبالغ 3.8 مليار دولار، وفرض عقوبات حتى تتوقف “إسرائيل” عن ممارساتها العنصرية ومشروعها الاستيطاني، ومن بين المشرعين غردت ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز بكل شجاعة قائلة “دول الفصل العنصري ليست ديمقراطيات”.
أعلن الكثير من المشاهير تضامنهم بشكل غير مسبوق من بينهم شخصيات تليفزيونية شهيرة مثل علي فيلشي من قناة MSNBC وجون أوليفر من شبكة HBO، ومشاهير الموسيقى مثل جون ليجند، ومشاهير هوليوود مثل سوزان ساراندون وفيولا دافيس وجون كيوزاك ووينتورث ميلر وناتالي بورتمان، كما غرد بعضهم بخريطة فلسطين الشهيرة التي بدأت في الاختفاء تحت الاستعمار الاستيطاني التدريجي.
على الأرض، يقاوم الفلسطينيون كل يوم محو أرضنا وهويتنا وأملنا، من بين صور الدمار والموت المؤلمة في غزة تركت لي إحدى الصور مزيجًا عميقًا من المعاناة والأمل، إنها صورة الشاب عمارة أبو عوف الذي أشار بعلامة النصر بينما كانوا يحاولون إنقاذه من تحت أنقاض مبنى في غزة الذي أصبح مساويًا للأرض بسبب القنابل الإسرائيلية.
ربما يقول أحدهم إن هذا هو تعريف طائر العنقاء (الخرافي) الذي ينهض من تحت الرماد، حسنًا، إنه اليوم تعريف الفلسطيني.
المصدر: الغارديان