حين تضع “إسرائيل” أوزار معركتها العسكرية على قطاع غزة المحاصر، تجعل على سلّم أولوياتها استهداف المكاتب الصحفية والعاملين فيها، وذلك في محاولة للتشويش عليهم عند نقلهم الحقيقة. لكنهم مع ذلك يعملون بأبسط الإمكانات على فضح جرائم العدو وهو يقتل المدنيين العزل، ويهدم منازلهم فوق رؤوسهم.
ودومًا يسبق الصحفيون سيارات الإسعاف والدفاع المدني إلى مكان الحدث، فينصبون كاميراتهم لنقل جرائم الاحتلال بكل اللغات، رغم الخطر الذي يلاحقهم وغياب أدوات السلامة المهنية التي تتمثل بالسترة الواقية من الرصاص والخوذة، إلا أنهم يصرون على نقل رسالتهم بمهنية.
استهداف مكثف ومتعمد
في المعركة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، استهدفت الطائرات الحربية بشكل واضح وأمام مرأى العالم الصحفيين ومكاتبهم، وذلك في محاولة يائسة لإرهابهم وثنيهم عن فضح جرائمه. حيث دمر أكثر من 30 مؤسسة إعلامية محليه ودولية، يتقدمها مقر وكالة أسوشيتد برس الأميركية وقناة الجزيرة القطرية.
كما استهدف الاحتلال بشكل مباشر وأصاب عددًا من الصحفيين، خاصة المصورين أثناء تغطيتهم لمواقع القصف، ولم يكتفِ بذلك بل صدم الوسط الصحفي يوم 19 مايو/ أيار عند قصف منزل المذيع يوسف أبو حسين وقتله وهو آمن في بيته.
فهو لم يرمِ صاروخًا على الإسرائيليين، بل كان يفضح جرائمهم في قطاع غزة المحاصر وحي الشيخ جراح عبر إذاعته.
وما أغضب السلطات الإسرائيلية من صحفيي قطاع غزة المحاصر، هو دورهم الفعال عبر منصات التواصل الاجتماعي، ونشر أكثر من ألف صورة فوتوغرافية وفيديو يكشف المجازر التي ارتكبتها الطائرات الحربية بحق عائلات مدنية مسحت من السجل المدني.
قرصنة بسبب المحتوى
رغم الاستهداف المتواصل للصحفيين، إلا أنهم يؤدون رسالتهم من الميدان، وهذا ما تفعله مراسلة قناة الكوفية سعاد عكيلة، التي دمر مقر عملها في برج الجوهرة الذي قصف بداية التصعيد.
رغم استهداف مقر عملها، لكنها وزملاءها لم يتوانَ أحدهم عن النزول إلى الميدان لتغطية الأحداث حتى في الأماكن الخطرة، لفضح جرائم الاحتلال.
تقول عكيلة وهي أم لطفل رضيع: “أخرج من البيت يوميًّا تحت القصف لتأدية رسالتي الصحفية في الميدان، كون هذا واجبي المهني والأخلاقي”. مشيرة إلى أن أكثر ما يثير مخاوفها هو أن يكون أحد المصابين أو الشهداء الذين تنقل أخبارهم من أقاربها.
وتوضح عكيلة لـ”نون بوست” أنه رغم استهداف مقر عملها، لكنها وزملاءها لم يتوانَ أحدهم عن النزول إلى الميدان لتغطية الأحداث حتى في الأماكن الخطرة، لفضح جرائم الاحتلال. لافتة إلى أنها تضطر للعمل في ساعات المساء دون تردد وأحيانًا تلتقي زوجها المراسل، وغالبًا ما يكون عملهما تحت القصف لكنهما يواصلا دون تردد.
ورغم الظروف القاسية التي تعمل فيها، إلا أنها تتمنى لو كانت ترتدي الخوذة والسترة الواقية لحمايتها من الرصاص أو الشظايا، فكل ما ترتديه هو عبارة عن سترة كحلية اللون محشوة بقطع إسفنجية، ومطبوع عليها باللون الأبيض Press.
يذكر أنه منذ الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، تمنع “إسرائيل” دخول السترات الواقية والخوذ والكمامات للصحفيين، ما يعني أن المتوفرة حاليًّا تعاني من هشاشة بسبب مرور وقت على انتهاء صلاحيتها واهترائها، لا سيما أن قطاع غزة المحاصر يعتبر منطقة خصبة للأحداث الميدانية.
وفي الوقت ذاته يمكن لبعض الوكالات توفير الأدوات الوقائية بطرق غير مباشرة، كأن يترك الصحفيين الأجانب ستراتهم للصحفيين المحليين.
أما الصحفي محمد أبو قمر، مدير تحرير صحيفة “الرسالة” في قطاع غزة المحاصر، يقول: “لدينا خطة طوارئ نعمل وفقها خلال التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، فبمجرد الإعلان عن الدخول في المواجهة نبدأ بإخلاء مكاتبنا”.
متابعًا: “قُصف مقرنا في السابق مرتين، لذا نحاول تفادي الأمر كي لا يكون هناك خسائر بشرية”. ويوضح أبو قمر لـ”نون بوست” طبيعة عملهم وقت التصعيد، بأنهم يتواجدون في الميدان ويغطون الأحداث أول بأول، عبر موقعهم الإلكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي.
وتكون تغطيتهم قصصًا إنسانية وتحليلات سياسية وفيديوهات مصورة، مشيرًا إلى أنه خلال فترة التصعيد الحالية تعرّض موقعهم للقرصنة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بسبب المحتوى الذي ينشر ويفضح جرائمه.
وتفرض حالة من الطوارئ على المؤسسات الإعلامية في قطاع غزة المحاصر عند أي مواجهة مع الاحتلال. فاليوم وكما العادة يفترش العشرات من الصحفيين الأرض في مستشفى الشفاء لأخذ قسط من الراحة، بعد ساعات عمل تصل لأكثر من اثنتي عشرة ساعة وهم يلتقطون صور الشهداء والجرحى، ويبثون عبر الفضائيات آخر التطورات.
المشهد الملفت والذي يثبت إيمان الصحفي الغزي بنقل رسالته، هو المصور مؤمن قريقع الذي ما فتأ منذ بداية الأحداث من التقاط الصور عبر كرسيه المتحرك.
ويرى المصور قريقع في كل مصاب نفسه، فهو تعرض لبتر قدميه بعد إصابته في عدوان 2008، لذا يصمم على فضح ممارسات الاحتلال بحق المدنيين عبر صور يلتقطها وينشرها في مواقع دولية، معتبرًا أن توثيق الجرائم الإسرائيلية مهمته الأساسية في الحياة.
حماية الصحفيين
وفق تقرير أصدرته الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، حول الانتهاكات الإعلامية، فقد بلغت 51 انتهاكًا، وتنوعت أنماطها ما بين إصابات جسدية، معظمها بشظايا الصواريخ، وحالات إصابة بالهلع والصدمة.
علاوة على تدمير 26 مؤسسة صحفية بشكل كلي، ومؤسستين بشكل جزئي، وكذلك قصف 6 منازل يقطنها صحفيون. كما نفذت قوات الاحتلال هجمة اختراق إلكترونية بهدف إغلاق أو اختراق مواقع إخبارية فلسطينية، وقتل صحفي.
طالبت الأطر والمؤسسات الصحفية وسائل الإعلام العربية والدولية بعدم استضافة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ومن يعبّر عنهم ويحرض على القتل والعدوان على الشعب الفلسطيني.
وبحسب تقرير الهيئة، فإن المواثيق الدولية خاصة اتفاقية جنيف الرابعة تحظر الاعتداء على الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء العمليات العسكرية، بالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اللذين يؤكدان على حرية الرأي والتعبير.
وأكد التقرير على أن اتفاقيات جنيف، والبروتوكولَين الإضافيَّين، ونصوص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تشكل جميعها نصوصًا لحماية الصحفيين، موصيًا بضرورة دعوة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، للعمل على وقف انتهاكات الحريات الإعلامية المرتكبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
في حين طالبت أطر ومؤسسات صحفية بضرورة حماية الصحفيين، ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على خرق قواعد القانون الدولي الإنساني عند الاعتداء عليهم.
وخلال وقفة تضامنية في مستشفى الشفاء، بعد استهداف الصحفي يوسف أبو حسين، تمت إدانة الاستهداف المتعمد للصحفيين الفلسطينيين ومؤسساتهم. كما تمّت دعوة الاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب ومنظمة مراسلون بلا حدود وكل المؤسسات الحقوقية إلى تحمّل مسؤولياتهم تجاه حماية الصحفيين الفلسطينيين، ووقف تغول الاحتلال الإسرائيلي على المؤسسات الإعلامية.
وطالبت الأطر والمؤسسات الصحفية وسائل الإعلام العربية والدولية بعدم استضافة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ومن يعبّر عنهم ويحرض على القتل والعدوان على الشعب الفلسطيني، وعدم فتح المجال لرواية الاحتلال الكاذبة للانتشار والذيوع.