ترجمة وتحرير نون بوست
بمحض الصدفة تزامنت الزيارة المبرمجة لجو بايدن لمدينة ديترويت، أكبر معقل للأمريكيين العرب في الولايات المتحدة، مع ذروة التصعيد في الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويبدو أن رؤية الموكب الرئاسي وهو يمر يوم الثلاثاء قرب تجمع احتجاجي يرفع الأعلام الفلسطينية، ورؤية بايدن نفسه في خضم نقاش ساخن مع رشيدة طليب أول امرأة فلسطينية تنتخب في الكونغرس، بينما كان الرئيس وهذه النائبة يقفان على مدرج مطار ديترويت، هما مشهدان يعبران بكل قوة عن التغيرات السريعة التي هي بصدد التشكل في السياسة الأمريكية.
وفي معرض ترحيبه بوقف إطلاق النار يوم الجمعة، قال بايدن إنه سيواصل ما أسماها “الدبلوماسية الهادئة والحثيثة”. إلا أن تأكيده طيلة 11 يوما من القصف والصواريخ وسفك الدماء على الحق الإسرائيلي في الدفاع عن النفس، وامتناعه عن المطالبة بوقف إطلاق النار أو الانضمام إلى بيان دولي في هذا الشأن، هي مواقف كلفته خسائر سياسية في كل دائرة انتخابية كانت حاسمة في فوزه بالانتخابات.
وعلى عديد الأصعدة، كان بايدن يسير على خطى من سبقوه من الرؤساء الأمريكيين، إلا أن الكلفة السياسية لهذه المواقف باتت الآن أعظم مما كانت عليه قبل سنوات قليلة، أي قبل وصول جيل جديد من الديمقراطيين من أمثال رشيدة طليب إلى الكونغرس، وقبل تنامي الارتباط بين حركة حياة السود مهمة والفلسطينيين.
إذ أن نفس التحالف الواسع الذي أنقذ جو بايدن في الانتخابات التمهيدية، ثم ساعده على الفوز في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قد يتحول الآن إلى كتلة قوية تخلق توازنا أمام تقاليد مساندة “إسرائيل” داخل الحزب الديمقراطي. ويقول عبد السيد عالم الأوبئة والمفوض السابق للصحة في ديترويت والمرشح لمنصب الحاكم، والذي خاطب الحشود أثناء الاحتجاجات في مدينة ميشيغن يوم الثلاثاء: “نحن في لحظة تحول عميق داخل المجتمع بشكل عام، والأحداث بصدد التحرك بشكل سريع جدا، وأحيانا نحتاج إلى لحظات مثل هذه لاستيعاب حجم التغيير الذي وقع.”
“إن جو بايدن كان على مدى مسيرته السياسية بارعا جدا في قراءة التغيرات والمزاج العام، وأنا آمل أنه بصدد ملاحظة حقيقة أن القواعد في الحزب تغير موقفها بشأن هذه القضية.”
هنالك مفردات جديدة دخلت النقاش الأمريكي حول “إسرائيل” وفلسطين
وفي حشد آخر يوم الثلاثاء تحدث روبن تيلوشكين، الناشط اليهودي الأسود والمسؤول في منظمة الصوت اليهودي للسلام، قائلا” إن حركة حياة السود مهمة عززت تحالفا بين الفلسطينيين والأفارقة الأمريكيين.”
وقال: “الناس بصدد التواصل في الشوارع، والتواصل على شبكة الإنترنت، وهكذا تتعمق وتتعزز مشاعر التضامن الموجودة سلفا، وإلى جانب ذلك فإن الكثيرين من الناس الذين كانوا غير مهتمين أصبحوا الآن أكثر اهتماما بالسياسة.”
كما أشار تيلوشكين إلى تأثير الاحتجاجات التي وقعت في مدينة فيرغسون في 2014، حين اكتشف حينها أن نفس القنابل المسيلة للدموع الأمريكية الصنع كان يتم إطلاقها على المتظاهرين السود في ولاية ميزوري وعلى الفلسطينيين في الضفة الغربية.
“حينها كان الفلسطينيون يظهرون تضامنهم من خلال إرسال التغريدات للمتظاهرين في مدينة فيرغسون، لشرح كيفية التعامل مع قنابل الغاز. وهكذا نشأ رابط حقيقي بينهم.”
يشار إلى أن هنالك مفردات جديدة دخلت النقاش الأمريكي حول “إسرائيل” وفلسطين، وعلى وجه الخصوص منذ أن نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا في الشهر الماضي، وصف فيه الوضع القائم على أنه نظام فصل عنصري، وهو وصف ترددت أصداؤه داخل أرجاء مجلس النواب الأمريكي، وفي محطة MSNBC الإخبارية على لسان المذيع الكندي علي فيلشي.
بنفس الشكل فإن مركز الثقل داخل الحزب الديمقراطي لا يزال متعاطفا مع مقاربة بايدن الحالية
كما قال إدوارد أحمد ميتشل، نائب المدير التنفيذي في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية: “إن هذا تغيير جذري. في العادة كنت تخاطر بخسارة وظيفتك عندما ترفع صوتك مدافعا عن الحقوق الفلسطينية.”
كما أن عارضتي الأزياء بيلا حديد وجيجي حديد اللتين ولدا أبوهما في فلسطين، استخدمتا منصات التواصل الاجتماعي حيث يتابعهما 108 مليون مستخدم، لتسليط الضوء على معاناة الناس في غزة والضفة الغربية.
ويرى صالح بوكر رئيس مركز السياسات الدولية أن “هذا الحراك السياسي ظل يتشكل منذ عقود. ومن الصعب إصدار توقعات أو قراءة دقيقة للأحداث الجارية، ولكنني أعتقد أننا على وشك أن نشهد منعرجا يؤدي إلى تغيير إطار النقاش بالكامل.”
كما ترى بيث ميلر الناشطة في منظمة الصوت اليهودي للسلام، أن “هذه الفكرة المتمثلة في أن تكون تقدميا في كل شيء باستثناء موقفك من فلسطين، هي الآن بصدد التداعي. والناس يفهمون أنه لا وجود لشيء اسمه آراء تقدمية في كل المسائل باستثناء فلسطين.”
يجب أن يتغير الحوار قبل أن تتغير السياسة. وفي الوقت الحالي نحن نشهد تغييرا جذريا في الحوارات الدائرة حول فلسطين
ولا يزال تعاطف الرأي العام الأمريكي يصب في معظمه لصالح الإسرائيليين عوضا عن الفلسطينيين، حيث أن استطلاعا للرأي أجرته مؤسسة غالوب في آذار/ مارس أظهر أن 58 بالمائة يساندون “إسرائيل”، فيما يساند 25 بالمائة فلسطين. ورغم ذلك فإن هذه الأرقام تعكس تغيرا مستمرا في الآراء خلال الأعوام الأخيرة لفائدة الفلسطينيين، إضافة إلى أن هذا الاستطلاع أجري قبل اندلاع أحداث العنف الأخيرة.
وبنفس الشكل فإن مركز الثقل داخل الحزب الديمقراطي لا يزال متعاطفا مع مقاربة بايدن الحالية، إلا أن اتجاهات التغيير كلها تعارض دعم “إسرائيل” المطلق الذي مثل أهم ملامح سياسة بايدن خلال مسيرته.
وكعلامة تنبئ بما قد يحصل في المستقبل، يشير التقدميون إلى حدث الإطاحة بالنائب اليهودي المخضرم إيليوت إنغل، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في مجلس النواب والمعروف بمساندته لــ”إسرائيل”، بعد أن خسر أمام الوجه الجديد جمال بومان خلال انتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في تموز/ يوليو الماضي. ومنذ ذلك التاريخ يساند جمال مقترح قانون لتنظيم الدعم العسكري الأمريكي لـ”إسرائيل”.
ويقول ميتشيل: “يجب أن يتغير الحوار قبل أن تتغير السياسة. وفي الوقت الحالي نحن نشهد تغييرا جذريا في الحوارات الدائرة حول فلسطين.”
المصدر: الغارديان