ترجمة وتحرير نون بوست
في اثنين من مراكز القيادة الرئيسية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ليلة الخميس، قام الضباط الذين يقودون هجوم غزة بتحصيل ما اعتبروه إنجازات صراعهم الأخير مع حماس: مقتل العشرات من النشطاء وتدمير 340 قاذفة صواريخ وانهيار 60 ميلا من الأنفاق تحت الأرض. في المقابل، مع إعلان وقف إطلاق النار، بعد أكثر من 10 أيام من القتال الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 230 فلسطينيا و12 إسرائيليًا، وأدى إلى تدمّر المستشفيات والبنية التحتية الأخرى في غزة، كان المزاج السائد في القاعدتين، واحدة في مدينة بئر السبع جنوبيّ “إسرائيل” والأخرى في تل أبيب، مختلطا.
في تل أبيب، كان الجنرالات في القيادة العسكرية العليا منتصرين. لكن في بئر السبع، حيث أشرف القادة على أجزاء كبيرة من الحملة في غزة، كان هناك قدر أكبر من الحذر. ففي ثلاث مناسبات منذ سيطرة حماس الكاملة على غزة سنة 2007، شنّت “إسرائيل” هجمات كبيرة تهدف إلى إضعاف القدرات العسكرية للحركة، فقط لترى حماس تعيد بناء قواها وتحقق نجاحا صغيرا في تغيير الوضع فعليا. من جهته، تعهّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن هذه المرة ستكون مختلفة.
مسلحين بخطط حرب واسعة النطاق، وضع القادة العسكريون الإسرائيليون بشكل منهجي قائمة للأهداف في محاولة لإلحاق أكبر قدر من الضرر بقدرات حماس العسكرية وقادتها. مع ذلك، حتى الآن، تقر المستويات العليا في الجيش الإسرائيلي بأن جهودهم لا تمنع جولة أخرى من القتال، وربما حتى في المستقبل القريب.
أعرب الكثيرون عن ارتياحهم لما وقع إنجازه فيما يتعلّق بإهانة حماس. في هذا الصدد، قال ضابط إسرائيلي رفيع المستوى في تل أبيب، شارك في التخطيط للعملية وتنفيذها، إنه مع ظهور قادة حماس بعد وقف إطلاق النار، سيأسفون لأنهم بدؤوا هذه الجولة. وأضاف الضابط الإسرائيلي أن حماس لا تعلم مدى معرفة المخابرات الإسرائيلية بها ومدى فعالية “إسرائيل” في إحباط جميع خططها الهجومية.
في المقابل، كان البعض الآخر أكثر ترددا. وقال ضابط كبير في بئر السبع إنه حتى وإن حقّقت “إسرائيل” أهدافها العسكرية، فلا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الحرب ستمنع نشوب معارك في المستقبل. عموما، لا يزال لدى حماس والفصائل التابعة لها حوالي ثمانية آلاف صاروخ، وفقا لضابط إسرائيلي كبير آخر، وعدة مئات من قاذفات الصواريخ، بحسب ضابط كبير في بئر السبع، أي ما يكفي لشنّ حربين مستقبليين. وقال الضابط في بئر السبع، متحدثا بصفة مجهولة لإعطاء تقييم صريح للنتيجة: “لا أعلم. نحن بحاجة إلى مزيد من الوقت لتحليل ما إذا كان ذلك ناجحا”.
حطام غارة جوية إسرائيلية على مدينة غزة يوم الأربعاء. أودت الهجمات بحياة 230 فلسطينيا على الأقل، ودمّرت البنية التحتية المدنية الحيوية.
لقد أثيرت أسئلة في “إسرائيل” والولايات المتحدة وأماكن أخرى حول ما إذا كان رد جيش الاحتلال الإسرائيلي على هجمات حماس الصاروخية متناسبا ومتوافقا مع القانون الدولي. حتى بعد انتهاء الحرب، ستظل القضايا التي أججتها باقية. كما تسببت الحرب في تكلفة دبلوماسية لـ”إسرائيل”، لأنها زادت من انتقادات عدد متزايد من الديمقراطيين في الولايات المتحدة للسياسات الإسرائيلية.
قال يوسف منير، المحلل والناشط الحقوقي المقيم في واشنطن، إن الحسابات التي تستخدمها “إسرائيل” للحكم على نجاحها العسكري غير شرعية. وتابع منير حديثه قائلا: “غالبا ما يشير الإسرائيليون إلى هذا الأمر على أنه “جز العشب”، أو بمثابة أعمال الصيانة الدورية التي ينبغي عليها القيام بها عن طريق قصف واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، التي تخضع أيضا لحصار. لا أخلاق في حرب يكون تكرارها مخططا مسبقا”.
منذ أن فازت حماس بالانتخابات في غزة سنة 2006 وهيمنت على القطاع بالكامل في سنة 2007، دخلت “إسرائيل” على ما يبدو في دائرة حرب لا تنتهي أبدا ومناوشات مع المجموعة التي لدى كلا الجانبين دوافع لإدانتها.
على غرار الولايات المتحدة، تعتبر “إسرائيل” حماس منظمة إرهابية. إلى جانب مصر، فرضت “إسرائيل” حصارا مشدّدا على غزة لمنع نشطاء حماس من الحصول على المواد التي يحتاجونها لصنع الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، يسمح وجود حماس في الجيب لنتنياهو للادعاء بأن “إسرائيل” ليس لها شريك في السلام، مما يخفف الضغط لاستئناف مفاوضات السلام.
من جهتها، ترفض حماس الاعتراف بوجود “اسرائيل”. ومن خلال إطلاق صواريخ متفرقة على مناطق مدنية في “إسرائيل”، يمكنها الحفاظ على صورتها كحامية للفلسطينيين، لا سيما بالمقارنة مع الفصيل السياسي المنافس لها، فتح. لردع حماس، حاولت “إسرائيل” في صراعاتها السابقة تدمير ما يكفي من أسلحة الجماعة لتأمين سنوات قليلة إضافية “هادئة” بحسب ما يصفه بعض الإسرائيليين. لكن بالنسبة للفلسطينيين، كان مفهوم الهدوء منذ فترة طويلة عبثيّا، وحتّى دون حرب، يقول الكثيرون إن الحياة لن تكون أبدا هادئة أو سهلة على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال أو الحصار.
في الوقت الراهن، حتى كبار الجنود الإسرائيليين يختلفون حول ما إذا كانت الحرب الأخيرة ستمنع المزيد من التصعيد على المدى القريب أو المتوسط. بالإضافة إلى مقتل أكثر من 230 فلسطينيا في غزة، من بينهم 65 طفلا، دّمرت الغارات الجوية الإسرائيلية البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي وأنابيب المياه، كما ألحقت أضرارا جسيمة بما لا يقل عن 17 مستشفى وعيادة، ودمرت حوالي 1000 مبنى، وعلّقت عمليات اختبار فيروس كورونا بعد أن دمّر المختبر الوحيد في غزة.
قصف مدفعي اسرائيلي على غزة خلال الأسبوع الماضي. كان من بين أهداف الجيش تدمير شبكة الأنفاق التي يبلغ طولها 250 ميلا، وهي واحدة من أكثر الأصول قيمة لحماس.
عسكريّا، زعم اثنان من كبار الضباط في تل أبيب أن العملية سارت وفقًا للخطة وحققت أكثر مما كانوا يتوقّعونه، حيث أعدّ فريق من مئات ضباط المخابرات الإسرائيلية قائمة طويلة بالأهداف المحتملة وكيفية تدميرها، وهي الخطط التي وقع تفعيلها بسرعة بعد اندلاع الحرب. وعلى عكس حماس، التي تطلق صواريخ غير موجّهة بشكل عشوائي على المناطق السكنية، تزعم “إسرائيل” أن الضباط والمحامين العسكريين يزنون الخطة بعناية قبل بداية الهجوم، وقد ألغوا الهجمات التي يرون أنها تشكل خطرا على حياة المدنيين، على الرغم أنهم نفذوا العديد من الهجمات التي قتلت وجرحت المدنيين.
من بين أهداف الجيش الإسرائيلي، شبكة أنفاق تمتد لحوالي 250 ميلا سمحت لعناصر حماس بالاختباء من الضربات الجوية والتحرك دون أن تكتشفهم الطائرات الإسرائيلية دون طيار وإطلاق الصواريخ من منشآت تحت الأرض. بحلول ليلة الخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي عن نجاحه في تدمير حوالي ثلث تلك الشبكة، مما أدى إلى إضعاف أحد أكثر أصول حماس قيمة.
قال ضابط إسرائيلي إن الضربات الإسرائيلية قتلت حوالي 30 من كبار قادة حماس، فضلا عن مهندس رئيسي متورّط في إنتاج الصواريخ. علاوة على ذلك، دُمرت مراكز بحث وتطوير رئيسية، بما في ذلك مركز يستخدم لتشويش نظام الدفاع الإسرائيلي المضاد للصواريخ، بحسب عدد من الضباط. وقال ضابط رفيع المستوى إن الجيش الإسرائيلي نجح كذلك في إحباط محاولة مسلّحين لاستخدام نفق واحد للعبور إلى “إسرائيل”، متجنبًا تكرار سيناريو التصعيد الكبير الأخير، في سنة 2014.
بشكل عام، أفاد الضابط أن “إسرائيل” تمكّنت من تحقيق أكثر من 50 ساعة من القتال مقارنة بحوالي 50 يومًا من الحرب في سنة 2014. مدّدت “إسرائيل” الحرب بضعة أيام أطول مما اعتقد بعض القادة العسكريين أنه ضروري. لقد فعلوا ذلك لتقليل الإنجازات السياسية لحماس من خلال محاولة فصل تصورات الفلسطينيين عن الحرب والعوامل التي أدت إلى اندلاعها، مثل حقوق ملكية الأرض والتوترات الدينية في القدس الشرقية. في المقابل، حتى وإن اعتبرت القيادة العسكرية الإسرائيلية أن هجومها حقّق انتصارا قصير المدى، يظلّ السؤال حول كيفية تحقيق الانتصار على المدى الطويل، وما إذا التزمت “إسرائيل” بالقانون الدولي في هذه العملية، يظل موضع خلاف.
بالنسبة إلى عامي أيالون، وهو أميرال متقاعد ورئيس سابق للقوات البحرية الإسرائيلية، لم تفرض الغارات الجوية الإسرائيلية سوى “هدوء زائف”، إذ لا تزال القضايا الجوهرية الدافعة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على غرار عدم وجود دولة فلسطينية ذات سيادة وخضوع ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية للاحتلال العسكري والحصار المفروض على غزة، قائمةً دون وجود حلّ لها. في هذا الإطار، قال أيالون إنه “لمن الهراء التفكير بالتقاط صورة النصر. في أي حرب، لا بد أن يتمثل الهدف النهائي في خلق واقع سياسي أفضل”. وأضاف أيالون أن الصراع في غزة “لن يقودنا إلى أي نوع من الواقع السياسي المحسّن”.
مبنى مدمر في مدينة غزة جراء وقوع غارة جوية إسرائيلية يوم الأحد. حتى بعد انتهاء الحرب، ستبقى القضايا التي أجّجتها قائمة.
أدت الأعداد الكبيرة للقتلى المدنيين في غزة إلى تصعيد الغضب الفلسطيني تجاه “إسرائيل” إلى جانب إثارة الغضب الدولي، حيث عزّز ذلك شرعية حماس بين الفلسطينيين وجعل احتمالية استئناف مفاوضات السلام، ناهيك عن اتفاق حول الوضع النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أبعد من أي وقت مضى. من جانبهم، يرى بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين أن “إسرائيل” حققت أفضل نتيجة متاحة.
في الحقيقة، لا تعترف حركة حماس بالسيادة الإسرائيلية. لذلك، لا تعتبرها شريكًا محتملا للسلام. في هذا الشأن، قال غابي سيبوني، العقيد بالاحتياط في الجيش ورئيس برنامج الشؤون العسكرية والإستراتيجية بمعهد أبحاث الأمن القومي، وهي مجموعة بحثية، إن تجريد الحركة من نفوذها سيتطلب حملة ميدانية طويلة ومكلفة. وأضاف العقيد سيبوني أن إبطال قوة ترسانة حماس العسكرية لبضع سنوات، وبالتالي، إرغامها على التخوف من استئناف الأعمال العدائية، كان أفضل نتيجة تُذكر خلال هذا التصعيد. وقال سيبوني إن الهدف “يكمن في ترسيخ ذلك في ذاكرتهم، بحيث يستغرق الأمر وقتًا طويلا قبل محاولتهم [شن الهجمات] مرة أخرى”.
بغض النظر عن تحقيق النصر، تسبّبت الحرب في تشديد الرقابة على السلوك العسكري الإسرائيلي، حيث أضحى المجتمع الدولي يتقبّل حتمية تعرّض المدنيين والبنية التحتية المدنية للأضرار جراء الضربات على أهداف عسكرية قريبة منهم. في المقابل، ينصّ القانون على أن الضرر الذي لحق بالمدنيين يجب أن يتناسب مع الميزة العسكرية المحتملة الناتجة عن الهجوم.
الأضرار التي لحقت بإحدى الطرق وأجزاء من البنية التحتية في وسط غزة جراء الضربات الإسرائيلية يوم الإثنين.
في المقابل، يستدلّ المنتقدون بضربات على غرار تلك التي قتلت 12 فردًا من عائلة أبو العوف صباح الأحد، خلال هجوم على ما زعم الجيش الإسرائيلي بأنها قاعدة عسكرية تحت الأرض بجوار منزله، كإشارة لعدد المدنيين الذين قتلتهم “إسرائيل”. وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الضربات، كانت غير متناسبة للغاية مع الميزة العسكرية التي اكتسبتها “إسرائيل” منها.
أفاد مصطفى اليازجي، البالغ من العمر 40 سنة، وهو رجل أعمال فقد العديد من أقاربه خلال الغارات قائلا: “إن هذه جريمة. لقد كانوا أناسا أبرياء لا علاقة لهم بأي شيء”. فضلا عن ذلك، اتُّهمت “إسرائيل” بضرب أهداف لا يمكن وصفها بأنها مواقع عسكرية بشكل شرعي. وعندما ضرب صاروخ إسرائيلي مبنى سكني في غزة في وقت مبكر من يوم الجمعة، مما أسفر عن مقتل العديد من الأطفال الصغار من عائلة الحديدي، بررت “إسرائيل” الهجوم بالقول إنه استهدف ناشطا كبيرا يعيش في المنطقة نفسها.
زعم أحد الضباط الإسرائيليين الكبار في بئر السبع أن حماس تُخفي قادتها ومواقع الصواريخ داخل المناطق السكنية بشكل منهجي. وفي هذا الصدد، صرّح قائلا: “لا يوجد هدف منفصل عن الناس، حيث أن جميع الجهات المستهدفة تقع بين عامة السكان”. أما بالنسبة لبعض الجنود الإسرائيليين السابقين، يتجاوز هذا التفسير بكثير “التعريف المنطقي لما هو هدف عسكري”، على حد تعبير الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي يهودا شاؤول، وهو أحد مؤسسي منظمة كسر الصمت، التي تتكوّن من جنود إسرائيليين سابقين يشنّون حملات ضد ما يقولون إنه انتهاكات عسكرية إسرائيلية. وتابع شاؤول حديثه قائلا: “هل يقولون بذلك إن كل المساكن الخاصة لأي قائد سريّة إسرائيلية وما فوقها تعد أهدافا مشروعة؟ لا يعقل ذلك”.
المصدر: نيويورك تايمز