ترجمة: حفصة جودة
شاهد أكثر من 13 مليون شخص حول العالم فيديو الفتاة الفلسطينية نادين عبد اللطيف ذات العشر سنوات وهي تقف باكية ومحطمة أمام أنقاض منزل جارهم التي تعرض للقصف مؤخرًا، تسأل نادين بأعين حمراء باكية وهي تشير إلى المنزل خلفها: “هل ترون ذلك؟ ماذا تتوقعون مني؟ أن أصلحه؟ عمري 10 سنوات فقط”.
كان صوتها يتقد بالعاطفة: “أريد فقط أن أكون طبيبة أو أي شيء آخر لأساعد الناس، لكنني لا أستطيع فأنا مجرد طفلة”، حمل الإنترنت صور فيضان العنف الأخير حول العالم كله في الأسبوعين الماضيين، حيث ألقت “إسرائيل” قنابلها مرة أخرى على قطاع غزة، تلك الأرض الصغيرة التي تضم مليوني نسمة، 40% منهم تحت 14 عامًا.
“I don’t know what to do.”
A 10-year-old Palestinian girl breaks down while talking to MEE after Israeli air strikes destroyed her neighbour’s house, killing 8 children and 2 women#Gaza #Palestine #Israel pic.twitter.com/jnZx8wruaX
— Middle East Eye (@MiddleEastEye) May 17, 2021
رغم جهود “إسرائيل” ثقيلة الوطأة – وربما الرقابة الصريحة – للمنشورات الموالية للفلسطينيين على منصات التواصل الاجتماعي، يبدو أن أنها خسرت معركة السيطرة على الرواية بشكل كبير في الفضاء الإلكتروني، وردود الفعل على فيديو نادين مجرد مثال على ذلك.
تقول نادين في مكالمة هاتفية: “عندما قصفوا المنزل بجوارنا، سمعت الصوت فقد كان عاليًا للغاية لأنهم قريبون منا، كنت مذعورة جدًا، كذلك أخي الصغير ذو الـ6 سنوات كان مرتعبًا، أخفيت خوفي بداخلي حتى لا يشعر أخي بالمزيد من الرعب، إنني أحاول دائمًا أن أخفي مخاوفي للاعتناء بشقيقي، أريده أن يشعر بالأمان، عندما وقع القصف أمسكته بإحكام، وظللت بجانبه ونمت معه، كنت أبقيه بعيدًا عن النوافذ حتى لا يبدأ في البكاء”.
منذ الإثنين الماضي، قتلت القذائف الإسرائيلية 243 فلسطينيًا يعيشون في القطاع من بينهم 66 طفلًا، قتل 11 طفلًا وهم يتلقون استشارة علاجية بشأن الصدمة من المجلس النرويجي للاجئين تتراوح أعمارهم بين 5 و15 عامًا، قتلوا جميعًا بينما يحتمون بمنازلهم.
من بين هؤلاء الأطفال قتلت لينا إياد شرير ذات الـ15 عامًا مع والديها يوم 11 من مايو/أيار في حي المنارة بغزة، وقال المجلس النرويجي للاجئين أن شقيقة لينا ذات العامين “منة” أصيبت بحروق من الدرجة الثالثة وما زالت في حالة حرجة.
قتل الهجوم نفسه الطفل زيد محمد طلباني ذي السنوات الأربعة مع والدته ريما التي كانت حاملًا في شهرها الخامس، أما شقيقة زيد فما زالت مفقودة وافترضوا وفاتها.
يقول جان إيغلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: “لقد رحلوا جميعًا، قُتلوا مع عائلاتهم ودُفنوا مع أحلامهم والكوابيس التي طاردتهم، إننا نطالب “إسرائيل” بوقف هذا الجنون، لا بد من حماية الأطفال”.
بعد عدة أيام قُتل 5 أفراد من عائلة أشكنتانا نتيجة الغارات الإسرائيلية، قضى رياض أشكنتانا 7 ساعات محبوسًا تحت أنقاض منزله بينما يسمع أصوات زوجته وأطفاله قبل أن تخفت تمامًا وقبل إنقاذه مع طفلته سوزي ذات الأربع سنوات، أما زوجته عبير – 30 عامًا – وأطفاله الأربع: دانا – 9 أعوام – ولانا – 6 أعوام – ويحيى – 5 أعوام – وزين – عامين – فقد قُتلوا جميعًا.
إنهم مجرد أطفال
تسأل نادين في الفيديو المنتشر لها الذي يظهر فيه 3 أولاد بوجه صامت ومهيب: “هل ترى كل هؤلاء الأطفال من حولي؟ لماذا ترسل إليهم صاروخًا لتقتلهم؟ هذا ليس عادلًا”، بالنسبة للكثير من أطفال غزة فهذه ليست أول تجربة لهم في الحياة تحت القصف الإسرائيلي، فقد قُتل المئات في عدوان مشابه في السنوات الأخيرة: 333 طفلًا في 2008 و2009، و551 في 2014.
تعاني خدمات الصحة النفسية القليلة من ضعف التمويل حتى قبل العدوان الأخير الذي شهد تدمير 24 منشأةً صحيةً وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية
أما العواقب النفسية لسنوات الصراع والفقد للناجين الذين لم يعرف الكثير منهم إلا الحياة تحت الحصار، يتعذر فهمها تمامًا، خاصة أن الحصار الذي تفرضه “إسرائيل” ومصر منذ 2007 يعني أن الكثير منهم لا يستطيعون الرحيل.
تعرض 90% من أطفال غزة الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عامًا إلى صدمات شخصية وشهدوا تدمير ممتلكاتهم وفقًا لدراسة أجريت عام 2020، بينما شهد 80% منهم صدمات وقعت لآخرين، وتقول الدراسة إن هؤلاء أكبر 3 مشاركين في اضطرابات ما بعد الصدمة.
وفقًا لمنظمة الإغاثة الإسلامية فإن نحو 38% من شباب غزة يفكرون في الانتحار، بينما تعاني خدمات الصحة النفسية القليلة من ضعف التمويل حتى قبل العدوان الأخير الذي شهد تدمير 24 منشأةً صحيةً وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.
مذكرات الفيديو اليومية
يقول محمد عبد اللطيف أحد أشقاء نادين الخمس – 26 عامًا -: “لم نشهد هجومًا بهذه الكثافة في الحروب السابقة، ورغم أن القصف كان قويًا حولنا وكانوا يهددون المنزل المجاور لنا، إلا أننا لم نرحل، سوف نبقى هنا فلا مكان آخر لنذهب إليه”.
مثل العديد من الأطفال تعلمت نادين الإنجليزية من مشاهدة الكارتون وألعاب الكمبيوتر، كما أنها تنشر مقاطع فيديو عن حياتها اليومية عبر الإنترنت، تبدو بعض مقاطع الفيديو على صفحتها عبر إنستغرام مثالية، ففي واحد منه تسأل أخاها الصغير عن مدى معرفته بها وتقول: ما نكهة الآيس كريم المفضلة لديّ؟ وفي مقطع آخر تصور كلبين ضالين على الشاطئ بينما تصرخ عندما يقترب أحدهما نحوها.
يقول محمد: “بعد ذلك بدأت نادين في التدوين عن الحرب والمعاناة التي تتحملها هي وشقيقي الأصغر، عندما ظهرت مع مراسلة ميدل إيست آي بعد قصف منزل جارنا كانت تحاول إخفاء خوفها، لكنها كانت خائفة بالطبع، فحتى الكبار يخافون عندما يبدأ القصف”.
تقول نادين إنها تأمل أن يظهر الفيديو الخاص بها معاناة شعبها وما تواجهه بلدها للعالم أجمع، وتضيف “أريد أن أستمر في إبلاغ العالم بما يحدث وعن حقوقنا المسلوبة، أود أن أدافع عن الأطفال الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم”.
“إننا أشخاص عاديون، لا أفهم لماذا يرتكبون هذه المجازر بحقنا ويسلبون منا حقوقنا، لقد سرقوا حق الأطفال في التعليم واللعب وحتى الحياة بأمان”.
المصدر: ميدل إيست آي