وصلت وحدات من القوات البرية المصرية وآليات عسكرية إلى ميناء بورتسودان، للمشاركة في المناورة العسكرية المشتركة مع الجيش السوداني، التي تحمل اسم “حماة النيل”، المقرر تنفيذها بين يومي 25 و30 من مايو/ أيار الحالي، بحسب مسؤولين في الجيش السوداني.
نشر المتحدث باسم الجيش المصري، عبر الصفحة الرسمية على فيسبوك، مساء السبت 22 مايو/ أيار 2021، صورًا وثّقت وصول الجنود المصريين إلى الميناء السوداني، استعدادًا للتدريبات المشتركة.
والتي تهدف -على حد قوله- إلى الوقوف على مستوى الجاهزية والاستعداد للمهام القتالية، بجانب زيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكلا البلدين.
وتعد مناورة “حماة النيل” استكمالًا لسلسلة التدريبات المشتركة التي قام بها الجيشان خلال الفترة الماضية، وحملت اسم “نسور النيل 1” و”نسور النيل 2″، التي انتهت في الـ 4 من أبريل/ نيسان الماضي، في قاعدة “الفريق أول عوض خلف الله الجوية” في مدينة مروي السودانية.
تأتي تلك التمرينات -ذات الطبيعة المختلفة- في وقت يتصاعد فيه منسوب التوتر في العلاقات بين مصر وإثيوبيا من جانب، والسودان وإثيوبيا من جانب آخر، الأمر الذي أثار الكثير من التكهنات عن الرسائل والدلالات التي تحملها، لا سيما أنها تتزامن مع إصرار أديس أبابا على إتمام المرحلة الثانية من ملء سد النهضة، وهو التعنت الذي أثار حفيظة القاهرة والخرطوم معًا.
تدرييات نوعية
جاء الحديث عن تلك المناورة بالتزامن مع تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، التي أشار فيها إلى أن الملء الثاني يمكن ألا يكون له تأثير على مصر من خلال عملية إعادة تنظيم مواردها المائية.
أثار ذلك التصريح غضب المصريين، ما دفعهم للمطالبة بإقالة الوزير، وفي الجهة الأخرى لاقى ترحيبًا كبيرًا من الأوساط الإثيوبية.
وتداركًا لردة الفعل الشعبية العنيفة حيال تصريح الوزير المصري، خرج في اليوم التالي بتصريحات متلفزة أخرى، خلال مداخلة هاتفية له على إحدى القنوات الفضائية، ليؤكد أن الملء الثاني للسد، سيضع أديس أبابا تحت طائلة مخالفة القانون الدولي، ملمحًا إلى أن مصر لن تفرط في حقوقها المائية وأن كل الخيارات متاحة.
الحشود العسكرية غير المسبوقة، المشاركة في تلك المناورات، دفعت البعض إلى ترجيح سيناريو الضغط المعنوي على أديس أبابا من خلال الترهيب.
وتأتي التدريبات في خضم النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، على منطقة الفشقة التي يقول السودانيون إنها تقع داخل حدودهم التي تم ترسيمها عام 1902، فيما يتمسك الإثيوبيون بحقهم فيها، متهمين -في أكثر من مرة- القاهرة بتحريض السودان على النزاع الحدودي معها.
تعد “حماة النيل” نقلة نوعية في منسوب المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين، وذلك بالنظر إلى حجم وتنوع الأسلحة المشاركة فيها، فالأمر لم يعد مقتصرًا على القوات الجوية فقط كما حدث في المناورتين السابقتين، متجاوزًا ذلك إلى مشاركة قوات برية وبحرية.
الجيش السوداني أشار في بيان له إلى وصول أرتال من القوات البرية والمركبات المصرية عبر البحر، وهو ما يشير إلى ضخامة القوات المشاركة، مقارنة بالنقل عبر الجو مثلًا، الذي يتضمن أعدادًا قليلة ومعدات محدودة، ما دفع الكثير من المحللين للبحث عن تفسيرات لهذه الحشود الكبيرة المشاركة، والهدف منها في هذا التوقيت.
ضغط أم تهديد؟
المستشار الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة السودانية، الطاهر أبو هاجة، يقول: “مناورات “حماة النيل” تهدف إلى حماية المصالح الاستراتيجية الحيوية لكل من مصر والسودان”.
مضيفًا: “الرئيس أكد أننا لا نريد الحرب مع أي جهة، لكننا نستعد بتلك المناورات والتدريبات لمواجهة التهديدات الأمنية التي تواجه أو تهدد الأمن القومي للبلدين” بحسب تصريحات هاتفية لـ”سبوتنيك“.
أشار أبو هاجة إلى أن بلاده تؤمن أن الحوار هو الطريقة المثالية لحل الأزمات مع الجانب الإثيوبي، سواء فيما يتعلق بالنزاع الحدودي أم أزمة سد النهضة، مؤكدًا السعي من أجل عدم إتمام عملية الملء الثاني، داعيًا أديس أبابا إلى النظر للمصلحة المائية المشتركة للدول الثلاثة.
الحشود العسكرية غير المسبوقة، المشاركة في تلك المناورات، دفعت البعض إلى ترجيح سيناريو الضغط المعنوي على أديس أبابا من خلال الترهيب لا سيما إن كانت التدريبات شاملة، بحرًا وجوًّا وبرًّا، وهو ما يمكن قراءته بشكل أكثر عمقًا من خلال نشر إثيوبيا وحدات عسكرية على الشريط الحدودي مع السودان.
التحذير المصري المتكرر بشأن المخاطر الناجمة عن إصرار أديس أبابا على الملء يشير ربما إلى أوراق تملكها القاهرة والخرطوم معًا لاستخدامها في الوقت المناسب.
ذهب آخرون إلى رسالة تود القاهرة أن تبعث بها للجانب الإثيوبي بشأن حماية السودان من أي رد فعل إثيوبي محتمل ضد السودانيين، حال نشوب مواجهات حدودية بينهما، وهو الأمر الذي يضمن ولاء الخرطوم وانحيازها للموقف المصري، ويطمئن الجار الجنوبي بشأن أي اعتداءات خارجية ضده.
سؤال آخر طرحه فريق ثالث: هل من المحتمل قيام القوات المصرية المشاركة في تلك المناورة بتوجيه ضربة عسكرية لسد النهضة؟
رجح البعض احتمالية اللجوء لهذا الخيار حال استمر العناد الإثيوبي، خاصة في ظل التصعيد الأخير في التصريحات الصادرة عن الخارجية المصرية، التي تشير إلى أن كل الخيارات متاحة وأن هناك متابعة مستمرة للوضع ساعة بساعة، فيما استبعده آخرون لما قد يترتب عليه من تداعيات سلبية على الجانب المصري، على المسارات كافة، إقليميًّا ودوليًّا.
مفترق طرق
يومًا تلو الآخر تتقلص الخيارات أمام المفاوض المصري السوداني في مواجهة الإصرار الإثيوبي على المضي قدمًا في إتمام بناء السد (أعلنت أديس أبابا الانتهاء من 80% من عملية البناء)، دون أي مراعاة لتحفظات بقية الأطراف، وهو ما يضع دول المصب في مأزق حقيقي، لا سيما أمام شعوبها الغاضبة.
ماذا لو أقدم الإثيوبيون فعلًا على إتمام الملء الثاني للسد والمقرر يوليو/تموز القادم؟
لا شك أن خطوة كهذه ستدفع المواجهات إلى تصعيد غير متوقع، ليس شرطًا أن يصل إلى درجة المواجهات العسكرية المباشرة، التي باتت مستبعدة بعد التوقيع على اتفاق المبادئ عام 2015، لكنه قد يتخذ أشكالًا أخرى تهدف إلى زعزعة استقرار النظام الإثيوبي وتهديد أمنه واستقراره، سواء ذلك عن طريق الداخل أم الخارج.
إرجاء الإثيوبيين لعملية الملء الثاني ربما يكون الخيار الأفضل لتجنب الولوج في نفق التوتر وعدم الاستقرار، لكن هذا القرار ربما يؤثر سلبًا على شعبية حكومة آبي أحمد التي تواجه أزمات حادة على المستوى الداخلي.
التحذير المصري المتكرر بشأن المخاطر الناجمة عن إصرار أديس أبابا على الملء، دون الوصول إلى اتفاق مع بقية الأطراف، والمتمثلة في إثارة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، يشير إلى أوراق ما ربما تملكها القاهرة والخرطوم معًا لاستخدامها في الوقت المناسب.
يواصل المفاوض المصري جهوده الدبلوماسية للضغط على أديس أبابا لإرجاء عملية الملء الثاني، وهو ما يمكن قراءته من خلال الجولات المتواصلة لوزير الخارجية المصري لبعض البلدان الإفريقية مؤخرًا.
بجانب الرسائل التي تبعث بها القاهرة من خلال بعض التحركات، على رأسها الموقف من الحرب في قطاع غزة المحاصر، الذي جاء مغايرًا تمامًا لما كان عليه السنوات الماضية، الأمر الذي رجح معه خبراء وجود رسائل سياسية مصرية لبعض القوى ذات الصلة بملف سد النهضة.
إرجاء الإثيوبيين لعملية الملء الثاني ربما يكون الخيار الأفضل لتجنب الولوج في نفق التوتر وعدم الاستقرار، لكن هذا القرار ربما يؤثر سلبًا على شعبية حكومة آبي أحمد التي تواجه أزمات حادة على المستوى الداخلي، وفي المقابل فإن الإصرار على هذه الخطوة سيضع نظام السيسي في موقف حرج شعبيًّا، لتبقى كل السيناريوهات متاحة، وهو ما ستكشفه الأيام القادمة حتى موعد الملء.