ترجمة وتحرير: نون بوست
لم ينته الصراع بعد لأنه لن ينتهي أبدًا، لكن هناك على الأقل أمل في توقفه. بعد أقل من أسبوعين من مقتل ما يقرب من 250 شخصًا، اتفقت كل من حماس و”إسرائيل” في وقت متأخر من يوم الخميس على وقف إطلاق النار، وصاغ كلّ منهما قصة نصر لسردها للعالم ولأنفسهم.
بالنسبة لحماس، السرد بسيط بما فيه الكفاية. فعلى الرغم من كونهم محاصرين في منطقة صغيرة، مع جزء بسيط من الموارد مقارنة بأعدائهم، تمكنوا من مفاجأة العدو وضرب المواقع المدنية. لقد أطلقوا وابلا من الصواريخ، أكثر تطورا من ذي قبل، بعضها خرق نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي وهبط ليس فقط على البلدات المحيطة بـ”إسرائيل” وإنما أيضا على مدينة تل أبيب المركزية.
يمكن لحماس أن تدعي، قبل منافسيها من حركة فتح في الضفة الغربية، أنها الوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. علاوة على ذلك، فقد شاهدت بارتياح تمزق النسيج الاجتماعي لـ”إسرائيل”، حيث قام مواطنو الدولة اليهود والعرب بمهاجمة بعضهم البعض في الشوارع التي كانوا يتشاركون فيها ذات يوم.
بالنسبة لـ “إسرائيل“، يشير الجنرالات إلى أن عملية “حارس الأسوار” أضعفت القدرة العسكرية لحماس، وأن معظم القتلى كانوا من مقاتلي حماس، وأنه ما وقع إنجازه خلال الأيام العشرة الماضية أكثر مما تم القيام به في هجمات 2009 و2012 و2014 مجتمعة.
لكنهم لا يخدعون أحدا. تعرف “إسرائيل” أنها تحملت كارثة استراتيجية، “الحرب الحدودية الأكثر فشلا وعديمة الجدوى” في تاريخها، وفقًا لرئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، ألوف بن. لم تتوقع “إسرائيل” هجوم حماس، وسوف يلاحظ كل من حزب الله في الشمال، الذي يمتلك ترسانة أقوى بكثير من ترسانة حماس، وداعموه في طهران، مدى ضعفها تحت النيران.
لكن الإخفاقات الأكبر تسبق الانفجار الأخير للأوضاع وتتجاوزه. قالت “إسرائيل” لنفسها إن كل شيء كان هادئا على جبهة غزة. أكثر من ذلك، اعتقدت أنها عطلت القضية الفلسطينية بالكامل، مقتنعة بأن “اتفاقيات إبراهيم” مع دول الخليج وغيرها جعلت الفلسطينيين غير مهمين. لقد رأت الآن حماقة هذا الوهم.
يمكن أن يكون وسم “#فلسطين حرة” في طريقه للانضمام إلى وسوم عالمية على غرار “#أنا أيضا” أو “#حياة السود مهمة” وتصبح قضية عالمية ذات أهمية قصوى، يدعمها السياسيون والشخصيات البارزة في الثقافة الشعبية
هذا ما يشير إلى الخطر الاستراتيجي الآخر الذي يحدق بـ “إسرائيل”. إن فترة الاهتمام الدولي قصيرة، وقد ينتقل الناس قريبًا إلى القضية الكبيرة التالية. لكن الكثير من المراقبين الموثوقين يتساءلون عما إذا تم الوصول إلى نقطة تحول في الأسبوعين الماضيين في الطريقة التي يُنظر بها إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في جميع أنحاء العالم وخاصة في الغرب. بالنسبة لجزء من الآراء المؤثرة والمدوّية، فإنه يقع إعادة صياغته ليس على أنه صراع وطني بين مطالبات متنافسة، ولكن كقضية تتعلق مباشرة بالعدالة العرقية. ولعل هذا ما يمكن ملاحظته من لافتات مظاهرة نهاية الأسبوع الماضي في لندن: “فلسطين لا تستطيع التنفس” و”حياة الفلسطينيين مهمة”.
يمكن أن يكون وسم “#فلسطين حرة” في طريقه للانضمام إلى وسوم عالمية على غرار “#أنا أيضا” أو “#حياة السود مهمة” وتصبح قضية عالمية ذات أهمية قصوى، يدعمها السياسيون والشخصيات البارزة في الثقافة الشعبية، من لاعبي كرة القدم إلى المطربين وحتى المؤثرين في عالم الموضة مع الملايين من المتابعين. وتعزز الاشتباكات الطائفية بين اليهود والعرب داخل “إسرائيل” هذا الأمر، مع حوادث وحشية الشرطة أو التمييز في نظام العدالة الجنائية التي يبدو أنها ترتبط بدقة بنموذج حركة “حياة السود مهمة”.
إن أولئك الذين تربطهم صلة وثيقة بـ “إسرائيل” أصابتهم حالة من الذهول والحيرة من السبب الذي يفسر تعاطف الملايين مع هذه القضية، فما الذي يجعل الناس تحتشد بأعداد هائلة في شوارع العواصم الأوروبية وتناشد العالم على مواقع التواصل الاجتماعي للتضامن هذه القضية بالذات رغم كل الأشياء المروعة التي تحدث في العالم؟
لقد أشاروا إلى أن الأشخاص الذين لم يعيروا نفس القدر من الاهتمام لقضية اعتقال مليون مسلم من الأويغور في الصين؛ أو التغريدة التي سلطت الضوء على قتل عشرات الآلاف من مسلمي الروهينغا في ميانمار؛ والذين نادرا ما انفعلوا بسبب قتل 200 ألف مدني على يد نظام الأسد في سوريا أو ضحايا حرب السعودية على اليمن الذين بلغ عددهم 130 ألف قتيل؛ ومن لا يملكون أدنى فكرة عما يحصل في إقليم تيغراي في إثيوبيا في الصراع الذي أودى بحياة 52 ألف شخص منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، ثاروا بسبب الأحداث في غزة.
ببساطة، قد يُعزى هذا الاهتمام بقضية فلسطين و”إسرائيل” إلى تسليط الضوء على حيثياتها، مع تغطية إعلامية هائلة لم تشهدها مثل هذه القضايا من قبل. عندما قُتل 6700 من مسلمي الروهينغا في شهر واحد، لم تنقل وسائل الإعلام الرئيسية طاقمها الصحفي لتغطية الوقائع لا من قريب ولا من بعيد. ولم يكن هناك تحديثات عن عدد القتلى في إثيوبيا على مدار الساعة. بالاضافة إلى ذلك، لم يتم إجراء مقابلات مع أقارب الضحايا اليمنيين المفجوعين أو التقاط صور لهم.
كتب مراسل سابق لوكالة “أسوشيتد برس” في القدس أنه كان من بين أكثر من 40 صحفي يغطي الأحداث في فلسطين/ “إسرائيل”، والذين كان عددهم في ذلك الوقت “أكبر بكثير من طاقم عمل وكالة “أسوشيتد برس” في الصين أو روسيا أو الهند، أو في جميع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الخمسين ككل”. وقال إن هذا التأثير يرسل إشارة للقراء إلى أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي “أهم قضية على وجه الأرض” – وضمنيًا يشير إلى أن الاعتداءات التي تحدث في المنطقة هي الأسوأ على الإطلاق.
بالنسبة لإسرائيل، فإن مَثل قادتها الذي يشتكون من المراقبة التي يخضعون لها كمَثل بحار يتذمّر من البحر
يمكنك كتابة العديد من أطروحات الدكتوراه التي تطلب تحليلا يفسر قوة التركيز على هذه القضية. لا يمكن أن يكون عدد الوفيات السبب الأساسي لذلك، لأن الكثيرين قد قتلوا في العديد من الصراعات الأخرى. ولا يمكن أن تكون حقيقة أن “إسرائيل” الحليفة المفضلة للغرب، لأن الأمر نفسه ينطبق على السعودية. ربما يفسر الأمر ببساطة بصمود الاحتلال الإسرائيلي لمدة 54 سنة إلى حد الآن، وذلك على الرغم من أن تركيا – العضو في الناتو – شنت حربا على الأكراد دامت لنفس المدة تقريبًا.
في الحقيقة، يعتبر البحث عن تفسير أمرا ثانويًا. إن النظر إلى العواقب هو الأهم الآن. تعرف المجتمعات اليهودية أنه يتعين عليها الاستعداد في كل مرة تندلع فيها الاعتداءات: أدت الأحداث الأخيرة إلى زيادة نشر التقارير المتعلقة بالحوادث المعادية للسامية بحوالي ستة أضعاف في المملكة المتحدة، وفقًا لجمعية “كوميونتي سكيوريتي تراست” الداعمة لليهود. بالطبع، يؤكد معظم النشطاء المؤيدون للفلسطينيين أنهم لا يضمرون أي موقف معادٍ ليهود الشتات. لكن الحماسة التي يثيرها هذا الصراع يمكن أن تتأجج شرارتها إلى درجة خروجها عن السيطرة.
بالنسبة لـ “إسرائيل”، فإن مَثل قادتها الذي يشتكون من المراقبة التي يخضعون لها كمَثل بحار يتذمّر من البحر. بدلا من ذلك، عليهم التكيف مع حقيقة أنهم قد يواجهون قريبا واقعا استراتيجيا جديدا تتغير فيه سياسات أقرب حليف لهم، الولايات المتحدة، بشكل خاص. بعد الوصف المدهش لألكسندرا أوكاسيو كورتيز لـ “إسرائيل” التي اعتبرتها “دولة الفصل العنصري” تحرك الديمقراطيون – الذين لطالما كانوا مساندين لـ “إسرائيل” في الكونغرس – هذا الأسبوع لتأجيل نقل شحنة أسلحة إلى “إسرائيل”.
في الوقت الحالي، من السهل استبعاد انهيار “إسرائيل”، لكن حتى لو غيّر الكابيتول هيل موقفه، فإن الكثير من السياسيين الأوروبيين القاريين يتجهون في الاتجاه المعاكس، ليصبحوا أكثر تعاطفا مع “إسرائيل”. لكن على “إسرائيل” أن تأخذ بعين الاعتبار إشارات التحذير. فأولئك الذين أدانوا الاحتلال منذ فترة طويلة نبّهوا من أن عدم اتخاذ “إسرائيل” للخطوة الصائبة لإنهاء الاحتلال سوف يجعلها في نهاية المطاف دولة منبوذة. والأحداث التي جدت في الأسبوعين الماضيين خير دليل على اقتراب ذلك اليوم الموعود.
المصدر: الغارديان