تعيش عاصمة الربيع العربي، تونس، هذه الأيام على وقع الانتخابات التشريعية التي تنطلق يوم الجمعة 23 أكتوبر بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج على مدة ثلاثة أيام، ويوم 26 أكتوبر بالنسبة للتونسيين المقيمين بالبلاد.
انتخابات طال انتظارها كتتويج ثان (بعد المصادقة على الدستور) تكريسًا لأسس الجمهورية الثانية وتأسيسًا لأول فترات الحكم الدائم بعد تتالي الحكم المؤقت إثر ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي.
كحال أغلب الديمقراطيات الهشة خاصة في محيطنا العربي، يسهل التشكيك في العملية الانتخابية ويرتفع مستوى القلق حول مدى شفافيتها، وفي هذا المقال نحاول رصد المشهد الانتخابي التونسي والإجابة عن سؤال إمكانية تزوير الانتخابات.
المشهد الانتخابي
أ- هيئة إشراف مستقلة
أفرز المجلس التأسيسي التونسي (المجلس المتنخب إثر الثورة) بالإضافة إلى الدستور، هيئة مستقلة عُهد إليها الإشراف والسهر على العملية الانتخابية، هيئة مُستقلة عن السلطة إداريًا وماديًا، أعضاؤها مستقلون عن الأحزاب ولها القول الفصل في كل ما يتعلق بالانتخابات تطبيقًا للقانون الانتخابي وإعداد لكل المستلزمات من خلال تصرفها المباشر والمستقل في ميزانبتها.
هيكليًا تتفرع الهيئة العليا إلى هيئات فرعية تم اختيار أعضائها بنظام الملفات في مرحلة أولى (حسب الكفاءة والخبرة)، ثم عرضها ونشرها من أجل قبول الطعون بخصوص استقلالية المختارين لتنتهي العملية بتنصيب الفروع، وهي التي ستشرف على تنظيم الانتخابات في مختلف ولايات البلاد التونسية.
ب- سجل ناخبين مُحيّن ومضبوط
بادرت الهيئة العليا المستقاة للانتخابات إلى تحديد مدة زمنية للتسجيل للانتخابات للمراكمة على السجل الانتخابي القديم بعد تحيينه بالاعتماد على بيانات وزارة الداخلية ووزارة العدل بخصوص الوفايات والمحرومين من حقوقهم المدنية باعتماد التسجيل المباشر سواء عبر الحضور المباشر في الهيئات الفرعية أو عبر استعمال الإرساليات القصيرة شريطة أن تكون شريحة الهاتف مسجلة باسم المواطن الراغب في التسجيل.
هذه العملية ساهمت في التدقيق في السجل الانتخابي ولن يُسمح لغير المرسّمين فيه بالانتخاب وهو ما من شأنه أن يمنع ظواهر طالما زينت الانتخابات الصورية في عالمنا العربي وهي أن يقوم الأموات من قبورهم مثلاً لأداء فريضة الانتخاب للحاكم بأمره.
في ذات السياق، عمدت الهيئة إلى آلية التحديد المسبق لمركز الاقتراع وقاعة الانتخاب داخل الأخير لكل ناخب ولن يُسمح لأي تونسي أن ينتخب خارجهما (مركز الاقتراع والقاعة الانتخابية) وهو ما من شأنه أن يمنع ظواهر طالما زينت الانتخابات الصورية في عالمنا العربي وهي الاكتظاظ والتصويت أكثر من مرة في أكثر من مكان.
ج- الكل يُراقب ويلاحظ
من أجل ضمان حُسن سير العملية الانتخابية، نص القانون الانتخابي على إتاحة الفرصة للمجتمع المدني حتى يساهم من مكانه في مراقبة العملية الانتخابية … فالمُتابعون لها والساهرون على شفافيتها 3 أصناف:
فأما الصنف الأول فهم أعضاء مُنتدبون كعملة متعاقدين مع الهيئات الفرعية يسهرون طيلة الفترة الانتخاببة على مراقبة الحملات الانتخابية ومدى احترامها للقانون ويسهرون أيضًا على تسجيل المخالفات الانتخابية وتتواصل مهمتهم ليوم الاقتراع والفرز.
أما الصنف الثاني فهم الملاحظون التابعون للمراصد الانتخابية .. مراصد مُعتمدة من قبل الهيئة مهمتها رصد الإخلالات وكتابة التقارير ثم إحالتها للهيئات الانتخابية للنظر فيها ومن بين هذه المراصد نذكر: عتيد، الشاهد، مراقبون، I watch، المرصد، القطب المدني للتنمية وحقوق الإنسان، أوفياء، مركز كارتر للديمقراطية، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية … ومن المنتظر أن يُناهز عدد المراقبين الإجمالي التابعين لهذه المراصد العشرين ألفًا.
وأما الصنف الثالث فهم المراقبون التابعون للأحزاب، إذ يحق لكل حزب أن يكون له مراقبين يسهرون على متابعة الاقتراع والفرز في كل القاعات الانتخابية لضمان حقوقهم، وقد سمحت الهيئة لكل حزب بأن يكون له عشرة آلاف مراقب للعملية الانتخابية.
بالرجوع إلى ما سبق، يسهل الاستنتاج بأننا إزاء مشهد مُحكم التفاصيل مُراقب بدقة وبالتالي يستحيل الحديث عن تزييف للانتخابات، فحتى من قد تُسول له نفسه سواء يوم الاقتراع أو خلال الفرز في أن يُغالط لن يكون في مقدوره ذلك فهو مُحاط من جميع الجهات بعيون يقظة، لكن ما الذي يدفع البعض، رغم كل هذا الامتياز التقني واللوجستي التونسي في تنظيم الانتخابات، للحديث عن تزوير للانتخابات؟
هل تُزوّر الانتخابات ؟
رغم الاحتياطات والتدابير التي تم اتخاذها من أجل ضمان سلامة العملية الانتخابية، لم تسلم الأخيرة من بعض التصريحات التي أشارت ضمنيًا أو بطريقة مباشرة إلى مخاوف من تزويرها، وبالرجوع إلى خلفيات هذه التصاريح، يمكن تقسيمها إلى صنفين:
أ- مخاوف سياسوية مصطنعة
الجبهة الشعبية (جبهة الأحزاب الشيوعية) ونداء تونس طرفين سياسين امتهنا التهجم على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات منذ تأسيسها، إما عبر التشكيك في استقلاليتها أو بنعتها بالعجز والضعف وقلة الخبرة.
ومن بين التصريحات التي سببت استهجانًا واسعًا لدى الطيف السياسي وعامة المجتمع التونسي، نذكر تصريح زياد لخضر، الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين، الذي قال فيه إن الجبهة الشعبية لن تقبل بنتائج انتخابات تعطي لائتلافه الحزبي حصيلة دون المنتظر، وهو ما اُعتبر ضربًا لأبسط بديهيات اللعبة الديمقراطية القاضية باحترام نتائج الصندوق واختيار الناخبين وضغطًا على الهيئة وإرباكًا لها.
المشككون في نزاهة الانتخابات يعلمون أن الوضع العام مطمئن وأن إرادة الناخبين لا يمكن أن تزور، لكن يبدو أننا إزاء ضغط ممنهج على هيئة الانتخابات من أجل غايات غير واضحة إلى حد الآن ويبدو أيضًا أن العرض القوي الذي قدمته حركة النهضة (الغريم السياسي المباشر لهذين الحزبين) خلال حملتها الانتخابية أربك حسابهما وهو ما دفعهما إلى التمهيد ربما لرفض نتائج انتخابات باتا شبه متيقنين بأنها ستفاجئهما، وهو أمر خطير قد يفسد العرس الديمقراطي التونسي ويتجاوز في خطورته اللحظة الانتخابية ليشمل مستقبل البلاد ككل.
ب- مخاوف مشروعة
في كل ما سبق، بيّنا أن تزوير إرادة الناخبين غير ممكنة، لكن العملية الانتخابية لا يمكن حصرها في النتائج الأولية، فهي أيضًا مرحلة لقبول الطعون ثم الإعلان النهائي لنتائج الإانتخابات وخوف التونسيين مشروع من أن يتم إغراق الانتخابات بطعون وهمية خدمة لما سبق وعبرنا عنه بالمخاوف السياسوية المصطنعة، طعون من شأنها أن تعزز موقف الرافضين لنتائج الصندوق الانتخابي وبالتالي أن تقايض المشروع الوطني ككل.
خوف مشروع خاصة عندما تحصل بالبلاد تسمية مشبوهة عنوانها أحمد صواب، مكانها المحكمة الإدارية، وتفاصيلها تعيين قاض سابق وإن أعلن انحيازه لطرف سياسي على حساب آخر بدعمه الحضوري لاعتصام الرحيل الداعي لإسقاط الحكومة السابقة في صيف السنة الفارطة، في منصب وكيل رئيس المحكمة الإدارية وهي المحكمة التي أوكل إليها القانون الانتخابي مهمة النظر في الطعون، وتجدر الإشارة هنا إلى أن جمعية القضاة كانت أول من أعلن رفضها لهذا التحرك المشبوه الذي من شأنه أن يشوش على العملية الانتخابية.
خوف مشروع خاصة وأن بعض الملاحظين يتحدثون عن تواجد مراصد انتخابية مهمتها المعلنة المساهمة في مراقبة الانتخابات في حين أن بعض الأحزاب كونتها خصيصًا لتكون جاهزة تحت الطلب لإغراق الانتخابات بمحاضر حول تجاوزات وهمية بغية إسقاط بعض القوائم.
رغم المخاطر، استعدت تونس كما يجب لإنجاح الاستحقاق الانتخابي، ورغم مراهقة بعض الأطراف السياسية يمضي التونسيون بكل ثقة وتفاؤل نحو تحقيق الحلم التونسي وستنجح العبقرية التونسية رغم كل شيء بإذن الله.