ترجمة: حفصة جودة
خلال الأسبوعين الماضيين بينما قتلت الضربات الجوية الإسرائيلية 243 فلسطينيًا على الأقل بينهم 66 طفلًا في غزة، كان المسؤولون الإسرائيليون في مقدمة حرب أخرى: مشاركة محتوى مخادع ومضلل عن فلسطين، جزء كبير منه مصمم لتصوير الفلسطينيين كأشخاص عنيفين ومخادعين ومضللين أو لإضفاء الشرعية على الوحشية الإسرائيلية.
كان الهجوم الإسرائيلي على غزة يصاحبه جزء واسع من المعلومات المضللة والزائفة، فالمعلومات المضللة – بخلاف المعلومات الزائفة – هي الاستخدام المتعمد للخداع لتضليل الناس، هذه المعلومات المضللة عادة ما تكون من الدعايا، إذ تُستخدم المعلومات لإقناع الناس بمسار عمل معين.
من الصعب إثبات النية، لكن من الممكن استنتاجها بواقعية، ففي معظم الحوادث الفاضحة الأخيرة ضلل الملازم الجنرال جوناثان كونريكس المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي عددًا كبيرًا من الصحف الدولية حسنة السمعة ودفعها لنشر أخبار زائفة.
كانت نيويورك تايمز وواشنطن بوست ووول ستريت جورنال من بين الصحف البارزة التي نشرت بشكل خاطئ عن استعداد الجيش الإسرائيلي لغزو بري على غزة.
هناك الكثير من المعلومات المضللة من دون أصل واضح، لكنها تخدم جميعًا الهدف نفسه، تصوير الفلسطينيين كأشخاص عنيفين ومخادعين لإزالة التعاطف عن قضيتهم
بعد فترة قصيرة من نشر الخبر أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه كان خداعًا متعمدًا لإخراج حماس إلى العلن من أجل استهدافها بسهولة، بالطبع قال كونريكس إنه خطأ غير مقصود، فبصفته المتحدث الرسمي البارز للنظام الإسرائيلي، لا يمكنه الاعتراف للمؤسسات الإخبارية التي تعتمد عليه للجانب الإسرائيلي من القصة أنه يغذيهم بالمعلومات المضللة، ورغم أن الخداع كانت واضحًا، فإن المؤسسات الإخبارية ما زالت تطلب تعليقه على الموقف.
تشويه سمعة حماس
صُممت المعلومات المضللة الأخرى لتشويه سمعة حماس بوصفها كيانًا مخادعًا يستخدم دروعًا بشريةً ومن خلفهم يهاجم “إسرائيل”، يستخدم الجيش الإسرائيلي تلك الحجة عادة بشأن حماس كدفاع شرعي عن قتله الهائل للمدنيين الفلسطينيين.
نشر المتحدث الرسمي لرئيس الوزاء بنيامين نتانياهو، عوفير جندلمان مؤخرًا مقطع فيديو تظهر فيه حماس وهي تطلق صاروخًا تجاه “إسرائيل” من منطقة ذات كثافة سكانية عالية، لكن الفيديو الذي أعاد المئات مشاركته وتغريده عبر منصات التواصل الاجتماعي لم يكن حقيقيًا، فاللقطة في الحقيقة تعود إلى عام 2018 وربما مصورة في سوريا أو ليبيا.
يزعم مقطع فيديو آخر شاركه الكثيرون أنا حماس تنقل صاروخًا في شارع مكتظ بالسكان مع تعليق صوتي يقول: “مرة أخرى نرى أن حماس تستخدم المدنيين كدروع لقتل اليهود، وللعلم فإن “إسرائيل” لن تتأثر لذلك بسبب مخاطر الإضرار بالأبرياء”، اتضح بعد ذلك أن الفيديو يعود إلى 2018 في منطقة الجليل التي تسيطر عليها “إسرائيل” وغير متعلق بحماس تمامًا.
It’s telling that Israel is relying on censorship, concealment, and treating public communities as unintelligent;
while Palestinians are depending on the intelligence of the global community, on shedding light, and exposure. Where remaining safely in homes is our right.
— مريم البرغوثي (@MariamBarghouti) May 24, 2021
تعتمد “إسرائيل” على الرقابة والخداع بينما يعتمد الفلسطينيون على ذكاء المجتمعات وتسليط الضوء على القضية.
حاولت الدعايا الإسرائيلية أيضًا اتهام الفلسطينيين بتضخيم عدد الضحايا المدنيين من جانبهم، فكما يعرفون جميعًا فإن الخسائر المدنية تعزز الدعم الدولي للمعاناة الفلسطينية وتسلط الضوء على وحشية الاحتلال الإسرائيلي.
شارك عدد كبير من الناس – من بينهم ناتاليا فاديف وهي جندي احتياطي في الجيش الإسرائيلي ولديها نحو مليون متابع – مقطع فيديو لجنازة ساخرة وادعى أن الفلسطينيين حاولوا تزييف جنازة لإثارة التعاطف العام، لكن الفيديو الذي كان موجودًا على تطبيق “تيك توك” كان فيديو ساخرًا لأردنيين ولا علاقة له بالأمر.
هناك الكثير من المعلومات المضللة من دون أصل واضح، لكنها تخدم جميعًا الهدف نفسه، تصوير الفلسطينيين كأشخاص عنيفين ومخادعين لإزالة التعاطف عن قضيتهم أو لشرعنة ما أسموه ضربات انتقامية ضد غزة، تضمنت هذه المعلومات المضللة رسالة مزيفة انتشرت على “واتساب” تدعي أن العصابات الفلسطينية على وشك مهاجمة المواطنين اليهود في تل أبيب.
الكذب المسلح
لماذا تستخدم “إسرائيل” المعلومات المضللة بشكل كبير؟ تصبح المعلومات المضللة ضرورة عندما يصبح غير ممكن تقديم تقارير صادقة عن الأمور دون الاعتراف بانتهاك المعايير الأخلاقية المقبولة دوليًا أو بانتهاك القانون الدولي.
الخداع الإسرائيلي والمعلومات المضللة جزء أساسي من المشروع الاستيطاني الاستعماري الذي يسعى لإلغاء فلسطين باحتكار تمثيل الفلسطينيين أمام بقية العالم
ونظرًا للطبيعة الفاضحة لتلك الدعايا، فإن المعلومات المضللة قد تبدو مثل “عبارة مهذبة” وهو مصطلح لطيف يستخدم لوصف حقيقة أكثر مرارةً، قد يكون الكذب المسلح أو الخداع مصطلحات مناسبة أكثر، في الحقيقة يستخدم الأكاديمي مايكل بيترز عبارة “السيطرة بالكذب” لوصف التيار السائد مؤخرًا من الكذب.
ربما يكون هذا المصطلح مناسبًا لوصف التضليل الممنهج للعامة بهدف تنفيذ قرارات سياسية غير مقبولة مثل تبرير دولة الفصل العنصري أو التطهير العرقي للفلسطينيين، عندما يصبح من الصعب الدفاع عن مواقف غير أخلاقية ومخادعة، ينتشر الكذب.
قد يكون من المغري القول بأن كلا الجانبين يستخدم الخداع والمعلومات المضللة، للإدلاء بهذا التصريح قد يكون الكلام صادقًا من ناحية ومخادعًا من ناحية أخرى، فالإيحاء بأن كلا الجانبين يستخدم نفس كمية المعلومات المضللة، يوحي كذبًا بأن قوة الخداع متساوية في الجانبين، هذا التوازن زائف ويلغي حقيقة أن “إسرائيل” دولة تحاول تصوير نفسها كقوة مدنية تستخدم الخداع لمواصلة احتلالها.
في الحقيقة تعد المعلومات المضللة جزءًا ضروريًا من المشروع الإيدولوجي لمحو واستبدال الخطابات الفلسطينية، فالخداع الإسرائيلي والمعلومات المضللة جزء أساسي من المشروع الاستيطاني الاستعماري الذي يسعى لإلغاء فلسطين باحتكار تمثيل الفلسطينيين أمام بقية العالم.
المصدر: ميدل إيست آي