قبل بضع سنوات فقط، تم الترحيب بالغاز الطبيعي باعتباره حيويًّا، للانتقال نحو اقتصاد يعمل على الطاقة المتجددة.
الغاز الطبيعي هو أحد مصادر الطاقة البديلة عن النفط من المحروقات عالية الكفاءة، قليلة الكلفة وقليلة الانبعاثات الملوِّثة للبيئة. يتكون من العوالق، وهي كائنات مجهرية تتضمن الطحالب والكائنات الأولية التي ماتت وتراكمت في طبقات المحيطات والأرض، وضغطت البقايا تحت طبقات رسوبية.
وعبر آلاف السنين قام الضغط والحرارة الناتجان عن الطبقات الرسوبية، بتحويل هذه المواد العضوية إلى غاز طبيعي، ولا يختلف الغاز الطبيعي في تكوينه كثيرًا عن الفحم والبترول.
وحيث إن البترول والغاز الطبيعي يتكونان في الظروف الطبيعية نفسها، فإن هذين المركّبين الهيدروكربونيَّين عادةً ما يتواجدان معًا في حقول تحت الأرض أو الماء، في أعماق تتراوح بين 1000 إلى 6000 متر (عند درجات حرارة تتراوح بين 60 إلى 150 درجة مئوية) تنتج بترولًا.
بينما تلك المدفونة أعمق وعند درجات حرارة أعلى، فإنها تنتج غازًا طبيعيًّا، وكلما زاد عمق المصدر كلما كان أكثر جفافًا (أي تقل نسبة المتكثفات في الغاز).
تنفق أكبر شركات الطاقة المليارات على التنقيب عن الغاز والبنية التحتية مع فتح أسواق جديدة.
إنتاج الغاز ومعالجته
يستخرَج الغاز الطبيعي من آبار شبيهة بآبار النفط، ويصنف الغاز الطبيعي إلى غاز مصاحب وغاز غير مصاحب.
فإذا تواجد الغاز الطبيعي مع النفط في الحقل نفسه، سمّي بالغاز المصاحب؛ وإذا كان الحقل يحتوي فقط على الغاز الطبيعي دون النفط، سمّي بالغاز غير المصاحب.
وتتم معالجة الغاز الطبيعي عبر عمليات كيميائية وفيزيائية مختلفة، وذلك اعتمادًا على تركيبة الغاز الطبيعي.
يؤدي تصاعد الاقتصادات والتوسع الحضري إلى زيادة الطلب على الفحم والغاز الطبيعي، وتنفق أكبر شركات الطاقة المليارات على التنقيب عن الغاز والبنية التحتية مع فتح أسواق جديدة.
الغاز الطبيعي هو الفحم الجديد للعالم
كان الفحم بطيئًا ويصعب التخلص منه في البلدان التي يوفر فيها التعدين آلاف الوظائف، بينما الغاز سيكون أسرع لأنه لا يحتوي على نفس التعقيدات المرتبطة به، وأصبحت مصادر الطاقة المتجددة الآن بديلًا فعالًا من حيث التكلفة.
في إيطاليا، هناك خطط لبناء 14 غيغاواط من سعة الغاز الجديدة في الغالب لتحل محل الفحم، وفقًا لمبادرة Carbon Tracker Ltd، أكبر مرفق في أوروبا. كما تخطط الشركة الإيطالية للحدّ من جيل الفحم بنسبة 74% في عام 2022.
أما شركة Energias de Portugal SA، أكبر مرفق في البرتغال، فقد صرحت أن استراتيجيتها هي الخروج من محطتي الفحم المتبقيتين بحلول عام 2025، وإغلاق أحدهما وربما بيع الأخرى.
وتتضمن خطة الرئيس الأميركي جو بايدن للبنية التحتية والطاقة البالغة 2.25 تريليون دولار، حوافز لمصادر الطاقة المتجددة وبناء شبكة نقل ضخمة.
يمكن للتقدم في تكنولوجيا احتجاز الكربون أن يلقي بشريان الحياة للغاز، ما يعني أن المحطات يمكن أن تكون بمثابة دعم عندما يكون هناك ندرة في الشمس أو الرياح أو الطاقة الكهرومائية.
يمكن أن يؤدي الطقس القاسي إلى تعطيل الإمداد، كما تؤثر الأعاصير وغيرها من الأحوال الجوية القاسية على إمدادات الغاز الطبيعي.
العوامل المؤثرة على أسعار الغاز الطبيعي
هناك 3 عوامل رئيسية تؤثر في جانب العرض على الأسعار، وهي:
- كمية إنتاج الغاز الطبيعي.
- مستوى الغاز الطبيعي في التخزين.
- حجم واردات وصادرات الغاز الطبيعي.
كما تؤثر 3 عوامل رئيسية في جانب الطلب على الأسعار، وهي:
- تقلبات الطقس في الشتاء والصيف.
- مستوى النمو الاقتصادي.
- توافر أنواع الوقود الأخرى وأسعارها.
بسبب قيود البنية التحتية لإمدادات الغاز الطبيعي، والقيود المفروضة على قدرة العديد من مستهلكي الغاز الطبيعي على التبديل السريع للوقود، قد تؤدي الزيادات قصيرة الأجل في الطلب و/ أو انخفاض العرض إلى تغييرات كبيرة في أسعار الغاز الطبيعي، خاصة خلال فصل الشتاء.
كما يمكن أن يؤدي الطقس القاسي إلى تعطيل الإمداد، كما تؤثر الأعاصير وغيرها من الأحوال الجوية القاسية على إمدادات الغاز الطبيعي.
فقد تأثرت أسعار الغاز الطبيعي عندما عطّلت الأعاصير إنتاج الغاز الطبيعي في خليج المكسيك، كما حدث عام 2005 مع إعصاري كاترينا وريتا.
تمثل إيران حوالي 16% من حصة العالم من موارد الغاز الطبيعي، باحتياطي إجمالي يبلغ 32 تريليون متر مكعب.
الاحتياطيات العالمية للغاز الطبيعي
تهيمن حفنة من البلدان على أكبر احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي، وهنا نبرز الدول الخمسة الأوائل التي تمتلك أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي:
روسيا – 38 تريليون متر مكعب:
تعد روسيا موطنًا لأكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، حيث يبلغ إجمالي الموارد المؤكدة 38 تريليون متر مكعب (1341 تريليون قدم مكعب)، وفقًا لمراجعة BP الإحصائية للطاقة العالمية عام 2020، وهذا يعادل حوالي 19% من إجمالي الاحتياطيات العالمية.
وتمتلك شركة غازبروم المدعومة من الدولة حوالي 71% من احتياطيات الغاز في البلاد، وحوالي 16% من الإجمالي العالمي.
إيران – 32 تريليون متر مكعب:
تمثل إيران حوالي 16% من حصة العالم من موارد الغاز الطبيعي، باحتياطي إجمالي يبلغ 32 تريليون متر مكعب (1131 تريليون قدم مكعب).
إن تطوير هذه الاحتياطيات الضخمة قد أعاقته العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على البلاد، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة، ردًّا على التوترات الجيوسياسية وبرنامج التطوير النووي الإيراني.
تشترك إيران في ملكية أكبر حقل غاز في العالم -جنوب فارس/ القبة الشمالية- مع دولة قطر المجاورة، الذي يقع في عرض البحر في الخليج الفارسي.
في عام 2019، أنتجت البلاد 244 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي حوالي 6% من الإجمالي العالمي.
قطر – 24.7 تريليون متر مكعب:
تمتلك قطر احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي تبلغ 24.7 تريليون متر مكعب (872 تريليون قدم مكعب)، وهو ما يزيد قليلًا عن 12% من الإجمالي العالمي.
تقع غالبية هذه الاحتياطيات في الحقل الشمالي البحري، والذي يمتد على مساحة تقارب مساحة البلد نفسه، وهو أكبر حقل غاز طبيعي في العالم.
قطر هي أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، وكانت أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في عام 2019، تليها أستراليا.
وإن عمليات الغاز الطبيعي في البلاد تسيطر عليها إلى حد كبير شركة قطر للبترول التي تديرها الدولة.
إن النمو السريع في الطلب على الغاز هو في الغالب نتيجة الزيادة الحادة في استهلاك الكهرباء.
تركمانستان – 19.5 تريليون متر مكعب:
تمتلك دولة تركمانستان الواقعة في آسيا الوسطى رابع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، بإجمالي 19.5 تريليون متر مكعب (688 تريليون قدم مكعب)، وهذا يعادل 9.8% من الإجمالي العالمي.
بلغ إجمالي الإنتاج في البلاد 63.2 مليار متر مكعب في عام 2019، وهو ما يمثل 1.6% فقط من الإجمالي العالمي.
الولايات المتحدة – 12.9 تريليون متر مكعب:
تمتلك الولايات المتحدة نسبة 6.5% من احتياطيات الغاز الطبيعي العالمية، بموارد مؤكدة تبلغ 12.9 تريليون متر مكعب (455 تريليون قدم مكعب).
في عام 2019، أنتجت الولايات المتحدة ما يقرب من ربع إمدادات الغاز الطبيعي في العالم، أي حوالي 921 مليار متر مكعب. ويتم إنتاج غالبية الغاز الطبيعي الأميركي في اليابسة، من خلال تقنيات الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي.
الدول العربية والغاز الطبيعي
تمتلك الدول العربية حوالي 29% من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة، لكن كل دولة (باستثناء قطر والجزائر) تعاني من نقص في إمدادات الغاز اللازمة لتلبية الطلب الحالي والمتوقع.
إن النمو السريع في الطلب على الغاز هو في الغالب نتيجة الزيادة الحادة في استهلاك الكهرباء.
وتقتصر تجارة الغاز داخل المنطقة على أحجام صغيرة نوعًا ما، تنتقل من الجزائر إلى تونس والمغرب، ومن مصر إلى الأردن وسوريا ولبنان، ومن قطر إلى الإمارات العربية المتحدة. ويتم كل ذلك عبر خطوط الأنابيب.
العراق وتبديد الغاز الطبيعي
رغم ما يملكه العراق من احتياطيات ضخمة للغاز الطبيعي، إلا أنه لم يستفد منها حتى الآن، بسبب الحروب التي شهدتها البلاد في العقود الأربعة الماضية، ووجود قوى سياسية تحول دون تحقيق ذلك.
ووفق تقارير وزارة التخطيط ولجنة الطاقة البرلمانية بالعراق، يصل احتياطي البلاد من الغاز إلى نحو 125 تريليون متر مكعب، أغلبها في الحقول النفطية التي تقع في الجنوب، من بينها الرميلة والزبير وغرب القرنة.
كما تحتوي محافظة الأنبار على كميات هائلة ما زالت حبيسة، جراء السياسات النفطية غير الواضحة من قبل السلطات العراقية.
وحسب آخر التقارير الصادرة عن البنك الدولي في يوليو/ تموز الماضي، جاء العراق بالمركز الثاني عالميًّا للسنة الرابعة على التوالي، بين أعلى الدول حرقًا للغاز الطبيعي بعد روسيا.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن شركات نفط في العراق أحرقت عام 2016 ما مجموعه 17.73 مليار متر مكعب من الغاز، ثم ارتفع ذلك عام 2019 ليصل إلى 17.91 مليار متر مكعب يحرق في الأجواء.
وتعتمد محطات التوليد الكهربائية في العراق على استيراد الغاز بأكثر من 850 ألف متر مكعب يوميًّا، وبمبالغ تصل إلى أكثر من 4.5 مليار دولار سنويًّا.
ويجري حرق الغاز الطبيعي المرتبط باستخراج النفط، بسبب القيود التقنية أو التنظيمية أو الاقتصادية، أو بسببها كلها.
إن تطوير مشروع سانكوفا للغاز الطبيعي وتحويل إنتاج الكهرباء من النفط الخام إلى الغاز الطبيعي، لن يضمن فقط كهرباء موثوقة لتزويد غانا والمنطقة الفرعية بالطاقة.
نمو الاقتصاد من استثمار الغاز الطبيعي
اتجاه فيتنام إلى الغاز والطاقة المتجددة كان الأكبر في جنوب شرق آسيا وفقًا لوكالة فيتش، حيث تم التخطيط لما يقرب من 26 ميغاواط من مشاريع الطاقة التي تعمل بالغاز بحلول عام 2029، وهذا يكفي لتلبية 8% من الطلب الحالي على الطاقة في البلاد.
أكمل مشروع توتال للغاز الطبيعي المسال في موزمبيق ما يصل إلى 16 مليار دولار، لتمويل أكبر استثمار أجنبي مباشر في القارة حتى الآن.
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، سيرتفع الطلب في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط خلال السنوات الخمس المقبلة، بينما يظل مستقرًّا في أوروبا وأوراسيا وأميركا الشمالية.
في الولايات المتحدة الأميركية عام 2018، تم ربط أكثر من 3.4 مليون وظيفة بالاستخدام المباشر للغاز الطبيعي، حيث أضافت هذه الوظائف 408 مليارات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي، ودفعت 152 مليار دولار من الدخل الشخصي.
تقترب غانا بسرعة من توفير الكهرباء بنسبة 100%، إذ ستوفر ما يقرب من 1.2 مليار دولار في توليد الطاقة من خلال التحول من النفط الخام إلى الغاز الطبيعي.
إن تطوير مشروع سانكوفا للغاز الطبيعي، وتحويل إنتاج الكهرباء من النفط الخام إلى الغاز الطبيعي، لن يضمن فقط كهرباء موثوقة لتزويد غانا والمنطقة الفرعية بالطاقة، ولكن أيضًا تقليل انبعاثات الاحتباس الحراري من المحطات الحرارية القائمة على النفط الخام.
من خلال هذا المشروع، تصبح غانا لاعبًا رئيسيًّا في الفضاء الجغرافي السياسي لغرب إفريقيا لمنتجي الغاز الطبيعي.
يجب تقليل الاعتماد على الفحم والنفط، ولا بد من استبداله بالغاز الطبيعي قدر الإمكان.
اقتصاد الدول القائم على الغاز الطبيعي
تطمح الهند لاقتصاد قائم على الغاز الطبيعي، فمنذ أن أعلن وزير البترول والغاز الطبيعي، دارمندرا برادهان، عن هدف الهند لتحقيق “15% من الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة الأولية بحلول عام 2030″، سيكون الغاز الطبيعي جزءًا مهمًّا جدًّا من الاقتصاد الهندي، على الأقل خلال العقود الثلاثة القادمة.
غيرت هذه الأرقام التوقعات الوطنية لقطاع الغاز، وألمحت إلى إصلاحات متعددة في الطريق نحو تحقيق مستقبل طاقة أكثر استدامة.
فوفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، تعد الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، ويجب تقليل الاعتماد على الفحم والنفط، ولا بد من استبداله بالغاز الطبيعي قدر الإمكان، ما سيوفر فرص عمل جديدة في القطاعات المستهلكة للغاز، بما في ذلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة.