قبل أن تغمس إبهامك أو سبابتك أو خمسة يدك – إن شئت – في الحبر الأزرق، وقبل أن تلتقط صورة سلفي أمام لجنتك أو من المقهى الذي قررت أن تمضي فيه يوم الانتخابات مقاطعًا، تذكر جيدًا أن قرارك بالمشاركة أو المقاطعة واختيارك لهذا الحزب أو ذاك سيكون ذا أثر مباشر على مستقبل أبنائك وأبناء أبنائك وعلى مستقبل جيرانك وجيران جيرانك، وتذكر أن قرارًا خاطئًا أو اختيارًا غير موفق قد يقود البلاد نحو مستقبل أسود كواقع “إيران الإسلامية” أو مستقبل أحمر بلون الدم كواقع “مصر الحداثة”.
بعد عقدين أو ثلاثة من الآن، ربما لن يتحدث قارئوا التاريخ عن النسبة التي حصل عليها هذا الحزب أو ذاك كحديثهم عن السواد الذي حل بالبلاد بسبب طغيان المتغلب، أو عن الدم المباح في الشوارع بسبب تغلب الأقلية، أو ربما – وأتمنى ذلك – يتحدثون عن نسب النمو الصاعدة والديمقراطية الراسخة والحضارة الناشئة، وعن ثمار شجرة الياسمين التي سقاها الشهداء بدمائهم ورعاها المواطنون بأصواتهم وصانها الساسة بديمقراطيتهم.
صوتك ليس منة ولا فضلاً تهبه لهذا الحزب أو لتلك القائمة، صوتك عقد توقعه بإبهامك – أو سبابتك أو خمسة يدك – لتكلف فلانًا وفلانة بتسيير شئونك التي تعجز أنت عن تسييرها، تُحكِّم به طائفة من الناس لينظروا فيما يقع بينك وبين باقي الناس، تطلب به شربة ماء نقية وزهورًا على حافة الطريق وتدفق إنترنت سريع، صوتك أمرٌ تطيعه الجيوش وقرار تخضع له الدول وهيبة يحترمها الأصدقاء ويهابها العدو.
انتخب الحزب الذي تريد، وانتخب كل الأحزاب إن شئت، ولكن احذر!! احذر أن يذهب صوتك لحزب يُدخل تونس في نفق مظلم كدهاليز إيران أو في حمام دم كغابة مصر .. احذر أن يذهب صوتك لسياسي أبله يضيع أمانتك ليتباهى بصلابته وثباته على مواقفه، أو آخر يخدر شعبك بعذب الكلام ويبيع الأرض والعرض لأول من يشتري .. احذر ذاك الذي يفتك صوتك باسم محاربة الإرهاب وذاك الذي يكمم فمك ويعدك الجنة .. واحذر ألف مرة ذلك الذي باعك في الماضي وجاءك اليوم متصدقًا عليك بما سرق من حرّ مالك.
لا تكونوا كمن يصدق من كتب على جبينه “كذاب”، ولا تثقوا فيمن قال لكم “أنا مزوِّر”.
صوتك أمانة، صوتك مسئولية، صوتك ثورة، صوتك خطوة أولى لا وقوف بعدها، فكل الأحزاب مرشحة للانحراف وكل المبادئ قد تضيع إن لم تجد من يعض عليها بالحواس والأطراف وبالنواجذ.
أقول “انتخب من شئت” ولا أدعو لحزب بعينه لأني لا أراهن على الحزب، وإنما أراهن على صاحب الصوت، أراهن على الشعب وعلى المواطن، أراهن على مواطنة تقف للحاكم فتقول له أخطأت، وعلى مواطن لا يحابي حزبه ولا يصمت إن رأى منه اعوجاجًا ولا يقدم انتماءه – أو حقده – الأيديولوجي على مبادئه وإنسانيته وفطرته التي فطره الله عليها، وشاب راجح العقل لا يتهور ولا يغلب الثورة على المصلحة الوطنية كما لا يغلب المصلحة الفردية على الثورة، شاب يحفظ مصلحته ويصون وطنه ويدافع بعزم عن الثورة والحرية والكرامة.
اعلموا جيدًا صدق من قال: “مثلما تكونون يولى عليكم” واعملوا بمقولة “كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في الناس” .. ابدأوا اليوم بالتصويت وأتموا غدًا بالعمل.
انتخب من تشاء..
انتخب تونس..